خبر خنق غزة بانتظار إعدامها.. بقلم/ د.أحمد الشقاقي

الساعة 06:00 ص|09 ابريل 2017

فلسطين اليوم

أعادت السلطة الفلسطينية طلتها لقطاع غزة من بواباتها الواسعة، وبدلاً من أن نرى حضوراً للرئيس محمود عباس إلى قطاع غزة ليجسد عمل حكومة التوافق، لمسنا تراجعاً للخلف على حساب من دعاهم للاستنكاف نكاية بحكومة حماس.

النتائج التي تسببت بها أزمة الرواتب الأخيرة لا تنحصر في المشهد الأخير الذي ارتسمت معالمه في كافة تفاصيل الحياة بغزة، لأنه من الإجحاف أن نحددها في هذه الصورة، والتراجع الرسمي نحو القطاع يلمسه كل متابع لشئون القضايا التفصيلية التي تقف حجر عثرة أمام المصالحة الفلسطينية.

ما تقدمه المعادلة الجديدة التي تفرضها السلطة الفلسطينية يوجه رسائل خطيرة لكافة الأطراف السياسية بما فيها فتح وحماس، وحتى المنظومة الدولية الراعية لهذا الجسم الذي أصبح وبالاً على الشعب الفلسطيني، وشكل التعامل الرسمي في الضفة الغربية مع الرفض الشعبي لجريمة قطع الراتب يؤكد أن توجهاً سياسياً يستبق الإرادة الاقتصادية والقرار المالي.

وعليه فإن من باب وضع الحقيقة بأكملها أمام من أغرقتهم تفاصيل الإشكالات اليومية، فإن هذه الأزمة قد بدأت يوم أن رفضت الحكومة التعامل مع الواقع الذي أفرزه صندوق الانتخابات عام 2006، وانطلق مساره حينما قدمت بشكل واضح دعوة لموظفيها للاستنكاف عن العمل في أتون الصراع الحزبي، ليصل بعد عشر سنوات من الراتب المجاني إلى محطته الأخيرة بالتهديد بقطعه لتفجير أزمات جديدة في بيوت غزة وشوارعها.

إن الاستخدام المسيس للقمة العيش يستدعى كلاماً مسئولاً بحجم الكارثة، فقد سمح الموظف يوم أن جلس في بيته ليتقاضى راتبه بأن يكون هذا الراتب مقابل الولاء، ومن يقدم هذا المال السياسي أقر قاعدة فحواها أن الراتب مكافأة للالتزام بقرارات « الشرعية » المختلف على تفسيرها في الساحة الحزبية الفلسطينية، وفور سريان هذه القاعدة تَملَّكَ راعي المال السياسي سلطة التهديد بلقمة العيش ضمن أي مناكفة حزبية سواء كانت مع أبناء فتح، وحتى غيرها من الفصائل الوطنية والإسلامية لنجد قطع للرواتب في الضفة مثلاً بسبب تغريده على الفيس بوك أو حضوراً لورشة عمل في بلد عربي.

هذه النزعة السلطوية التي استخدمت التهديد الضمني والصريح بالراتب كانت واضحة لدى جميع للفئات الموظفة، وكان يشار بالبنان إلى من يرفع التقارير هنا، ويقدم النكايات هناك، وللأسف فإن هؤلاء وجدوا أنفسهم كذلك ضحية لذات السم والوجع.

السلطة الفلسطينية بقرارها المدروس في كافة أروقة قيادتها تواصل مسيرها في ذات النهج، فهي تعمل على إدارة صناعة أزمة متلاحقة، ولا تفجر أزمة مباشرة في إطار مواصلة سياسة « الخنق » بعيداً عن الوصول إلى مشهد « الإعدام » لرغبتها باستمرار الأزمة وليس تفجير المشهد الذي قد يطالها، ومحاولة التهديد كذلك بما تبقى من راتب.

أخطأت فتح حينما سمحت بتغول السلطة على سياق حركة التحرر الوطني، وسمحت لبعض متنفذيها بأن ينقلوها إلى حزب السلطة، كذلك أخطأت حينما تركت ساحة غزة بعيدة عن قرار أبنائها، وواصلت ذلك حينما انحسر العمل السياسي لها على مؤتمرات تضفي مزيد من الشرعيات للشخص الواحد بعيداً عن المصلحة الوطنية وسياق وجودها كرقم مهم في سياق النضال ضد الاحتلال.

الحديث عن ألم الناس وانهيار منظومة العمل الاقتصادي في أسواق غزة لم يكن وليد اللحظة، وتكدس عشرات الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل، وارتفاع مستويات الفقر، وتدني مستويات الدخل لدى كافة الفئات استبق هذه الخطوة ، وعشرات آلاف الأسر لا تجد ما يسد رمقها في ظل انقسام داخلي، يحكم أركانه فتات المال السياسي.

أما الحكومة في غزة فإن أبو مازن يوجه لها ضربة جديدة ويضع لجنتها الإدارية في موقف لا تحسد عليه، فالأزمات باتت أكبر من قدرة طرف واحد على استيعابها، وهو ما يتطلب دراسة حقيقية لجدوى العمل وفق هذا الأسلوب، والمنتظر أن نرى تغيراً في منطق التعامل مع الواقع الجديد بدلاً من الغوص في متاهات الأزمات التي لا تنتهي. يتوجب العودة إلى أصل الخلاف وتوسيع دوائر المسئولية الوطنية بمشاركة الجميع، وأن نجد أبواباً للحوار مع كافة الأطراف الفلسطينية، ولا يعيب حماس أن تقدم نفسها كمقاومة تحترم جماهيرها وترعى همومهم، بما يحفظ انجازها في توفير بيئة حاضنة للمقاومة وسلاحها.

إن حالة الارتباك التي تشهدها الساحة الفلسطينية الآن قد شخصتها مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح في أكتوبر من العام الماضي. صحيح أن البعض ادعى مثاليتها في ظل هذا الواقع المشوه، أو أنها دافعها الوطني يتعارض مع تعقيدات المشهد السياسي، لكن النقاط العشرة التي قدمتها مبادرته تضمن خروجاً بأقل الأضرار من هذا الواقع المأزوم. لأن جريمة الراتب لن تتوقف عند هذا المستوى وسنجد توجهات للسلطة الرسمية في الضفة الغربية متساوقة مع الاشتراطات الغربية والإسرائيلية، فقد ارتفعت أصوات داخل الكيان تطالب بقطع مخصصات الأسرى والشهداء !!

الشعب الفلسطيني خلال مسيرة نضاله المستمرة ضحى بما هو أغلى من راتب السلطة، وعشرات آلاف العاملين في الداخل المحتل وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل، واستطاعوا أن يواصلوا صمودهم لإدراك الشارع أن الكرامة والوطنية هي أغلى من استحقاق الراتب والتزاماته.

 

 

كلمات دلالية