خبر تفاقم الصراع بين الجيش والصهيونية الدينية على تجنيد الإناث

الساعة 07:44 ص|19 مارس 2017

فلسطين اليوم

شَكَلت موافقة أبناء التيار الديني الصهيوني في جيش الاحتلال « الإسرائيلي »، خلافاً لأبناء التيار الحريدي غير الصهيوني، على مر السنين، أداة ووسيلة لزيادة تأثير هذا التيار وتمييزه عن التيار الحريدي، باعتباره يعتنق الصهيونية ويمنح في الواقع الصهيونية، التي نشأت كحركة علمانية وقادها العلمانيون، شرعية يهودية، مكنت الحركة الصهيونية، على مر السنوات، من طرح نفسها للعالم، وبالأساس لليهود من الدول العربية المعروفين بأنهم من المحافظين دينياً، باعتبارها حركة خلاص اليهود لتحقيق وعد الرب بالعودة إلى أرض إسرائيل. وفق ما تقول

ومع أن أبناء هذا التيار كانوا لسنوات طويلة غير مؤثرين، من حيث الكم والنوع، في الجيش الإسرائيلي، إلا أن العقدين الأخيرين، شهدا تعاظماً في كم ونوع الجنود والقادة العسكريين من التيار الصهيوني الديني، وهو ما زاد من التوتر بين قيادة الجيش ومؤسساته التقليدية وبين هذا التيار، خصوصاً في ظل تعاظم دور الحاخامات اليهود، الذي عززه في واقع الحال انتشار عدد كبير من كليات الإعداد العسكري المخصصة لهذا التيار، داخل أراضي الضفة الغربية نفسها، ما ساهم بالتالي في زيادة عدد المستوطنين الذين يخدمون بالجيش، مع كل ما يحمله ذلك من تأثير على سيرورات الخدمة العسكرية.

ومع تعاظم تأثير التيار الصهيوني الديني في الجيش، زاد أيضاً تدخل قيادات الحاخامات ورجال الدين في قضايا تتعلق بإدارة أمور الجيش، ونوعية الخدمة العسكرية، وصولاً، في العام الماضي، أيضاً إلى إثارة مسألة تمكين الجنود المتدينين من مغادرة الطقوس العسكرية عند بدء فرق إنشاد، تضم في صفوفها مجندات، الغناء، على اعتبار أن صوت المرأة في الديانة اليهودية عورة ولا يجوز لها الغناء في الحيز العام. لكن تدخلات المتدينين في قضايا الجيش تصاعدت، ووصلت هذا الأسبوع إلى مرحلة التحدي الكبير للأوامر العسكرية الأساسية في جيش الاحتلال، خصوصاً أوامر التجند للجيش وتوزيع الجنود على مختلف الوحدات العسكرية. وانفجرت هذه القضية بعد تسريب تسجيل مصور لمدير الإعدادية العسكرية في مستوطنة « عالي »، يغئال ليفنشتاين، وهو يصف المجندات اليهوديات في الوحدات القتالية بأنهن يدخلن الجيش يهوديات لكنهن يتخرجن بعد إنهاء الخدمة العسكرية، وقد أضعن يهوديتهن، مشيراً إلى رفض التوراة أن يخدم الشبان المتدينون إلى جانب مجندات إناث في الوحدات القتالية.

 

وأثار هذا التسجيل بطبيعة الحال ضجة في إسرائيل وفي الأوساط العسكرية، لكن الضجة لم تخل أيضاً من محاولات تسجيل مكاسب سياسية وحزبية. فقد وجه وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، المعروف بعلمانيته المفرطة كغالبية المهاجرين إلى إسرائيل من روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، إنذاراً رسمياً إلى مدير الإعدادية العسكرية في « عالي »، بأنه إن لم يتراجع عن تصريحاته التي تشكل خرقاً لأوامر التجنيد العسكري، فإنه سيعمل على إغلاق الكلية الإعدادية في « عالي » وسحب اعتراف الجيش بها. وفي المقابل أثار تصريح ليبرمان، بشكل تلقائي، غضباً في أوساط حزب « البيت اليهودي »، بقيادة وزير التربية والتعليم نفتالي بينت، الذي سارع إلى شن هجوم على ليبرمان، مبيناً أن كليات الإعداد العسكرية، مثل الكلية العسكرية في « عالي »، خصوصاً تلك المخصصة للتيار الديني الصهيوني، تخضع أصلاً لوزارة التربية والتعليم، وأن ليبرمان لا يملك صلاحيات إغلاقها.

لكن، وبمعزل عن النقاش الحزبي في هذا المضمار، فقد باتت التصريحات المتكررة للصهيونية الدينية المعارضة لخدمة « البنات » في وحدات الجيش القتالية، تشكل مصدر قلق لسلطة وهيبة الجيش، خصوصاً في ظل تراجع نسبة المتجندين للوحدات القتالية من مختلف أنحاء إسرائيل، مقابل إقدام كبير للمستوطنين من التيار الديني الصهيوني، ما يضع قيادة الجيش أمام معضلة في كل ما يتعلق بالاحتياط المستقبلي لقوات الجيش، والخوف من تراجع نسبة التجنيد للجيش والوحدات القتالية من قبل أتباع التيار الديني الصهيوني، والخوف من تعاظم تأثير الحاخامات على الجنود مقابل تراجع شرعية مرجعية القيادات العسكرية النظامية. وفي هذا السياق لفت موقع « معاريف »، في تقرير خاص نشره أول من أمس الجمعة، إلى أن المستوى المهني والعسكري في الجيش الإسرائيلي، لم يبد أي حماس، على أقل تقدير، للإنذار الذي وجهه ليبرمان لرئيس الكلية الإعدادية العسكرية في مستوطنة « عالي ». وبحسب الموقع، فقد تزامن هذا الإنذار مع المداولات التي يخوضها رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط، مع قادة حاخامات الصهيونية الدينية لتهدئة « الخواطر »، والتوصل إلى صيغة تسوية تكون مقبولة من الطرفين، وتحول دون تدهور الأزمة بشكل يهدد مستقبل تجنيد خريجي التيار الديني الصهيوني في الوحدات القتالية المشتركة.

ولفت الموقع، في هذا السياق، إلى أن قادة الجيش بدؤوا يعملون على تغيير نص أوامر التجنيد العسكرية المتعلقة بالخدمة في الوحدات المشتركة للذكور والإناث، بما يسمح للجنود المتدينين بعدم الانضمام للخدمة في هذه الوحدات، عبر تشكيل لجنة خاصة، بعضوية عدد من حاخامات التيار الديني الصهيوني، والحاخام العسكري الرئيسي في الجيش، ومستشاري رئيس أركان الجيش لقضايا « الجندر ». ومع أن أوامر التجنيد العسكرية، في ظل تأثير وضغوط التيار الديني الصهيوني في السنوات الأخيرة، تتيح للجندي المتدين الامتناع عن المشاركة في أي نشاط عسكري مع المجندات، إذا صرح بأن ذلك يخالف معتقداته الدينية، إلا أن هذه الأوامر، وهذه التسهيلات لا تسري على الضباط رفيعي المستوى، خلافاً للجنود العاديين، وهو ما يزيد من حدة التوتر في الجيش الإسرائيلي، خصوصاً مع نزوع هؤلاء الضباط، كما حدث خلال العدوان على غزة، إلى دمج البعد الديني في العمليات العسكرية، وفق أمر القتال الذي قرأه العقيد عوفير فينتور خلال بدء العدوان على غزة، عندما بين لجنوده أن هذه الحرب هي باسم رب إسرائيل ومن أجل إعلاء شأن شعب إسرائيل ووفق نصوص توراته.

ويشير التقرير إلى وجود نوع من التجاوب من قبل قيادة الجيش مع شروط ومطالب التيار الديني الصهيوني في كل ما يتعلق بتسهيل الخدمة العسكرية على كبار ضباط هذا التيار، وضمن ذلك مثلاً، طلب بعدم إلزام الضباط بالخدمة في الوحدات المشتركة، أو السماح بالفصل في الكليات العسكرية العليا، وتحديداً في أكاديمية الضباط، بين الذكور والإناث. ومع أن الاستجابة لمطالب حاخامات التيار الصهيوني الديني تعني عملياً تغييراً في ملامح الجيش الإسرائيلي، وخفض مرجعية القيادات العسكرية التقليدية، لصالح رفع تأثير القيادات الدينية، ليس فقط على الجنود المنتمين لهذا التيار، وإنما ربما لاحقاً أيضاً على مجمل ملامح الجيش الإسرائيلي وتوزيع جنوده على مختلف الوحدات القتالية والعادية، ومدى ولاء جنود هذا التيار للقيادات العسكرية من جهة وللحكومة المدنية، مقابل ولائهم للقيادات الدينية.

كلمات دلالية