خبر هذه ليست الدولة التي أريدها- هآرتس

الساعة 11:46 ص|12 مارس 2017

فلسطين اليوم

بقلم: يهوديت كول عنبر

عندما قرأت النبأ المتواضع بأن الكنس في الولايات المتحدة تمنح الملجأ للمهاجرين واللاجئين، لم أتمكن من ضبط نفسي وبدأت بالبكاء. فكرت بالسنوات الكثيرة التي عمل فيها والدي في الحركة الاصلاحية في البلاد. وقد ترك ايضا الكنيس في رحافيا في القدس، الذي صلى فيه لسنوات كثيرة، وذهب الى ماميلا. فكرت كم كان سيكون مسرورا لو أنه سمع أن هذه الحركات تحقق الحلم الذي آمن به من اعماق قلبه، « رؤية الآخر ومساعدته ». وقد اعتقد بسذاجة أن هذا هو حلم الصهيونية، وبناء على ذلك عمل طوال حياته.

كان والدي موشيه كول، في عمر 38، قد عين رئيسا لهجرة الشباب بدل هانس فايت الذي قتل في طريقه الى القدس. وفي هذا العمر وقع ايضا على وثيقة الاستقلال، بعد أن تم نقله بالطائرة بعد يوم من الحرب من القدس المحاصرة. وبعد ذلك كان رئيسا للحزب الاصلاحي، وهو حزب يسار – وسط، وباسم الحزب تم انتخابه للكنيست. كان وزيرا للتطوير ووزيرا للسياحة لسنوات طويلة، وقام بتأليف الكثير من الكتب ونشر المقالات، ولم يمر عليه يوم دون أن يقرأ كتاب أو يستمع الى الموسيقى.

          أنا وأخواتي لم نستمع في البيت لكلمات عالية، أو أنه يجب التصرف بهذه الطريقة أو تلك في الحياة. لم يتحدثوا معنا أبدا عن العدالة والأخوة. لقد عاش والديّ هكذا، ولم نعتقد أن هناك طريقة اخرى. الفترة التي كان فيها رئيسا لهجرة الشباب كانت السنوات التي تعلم فيها في هذه المؤسسات الاولاد والشباب من الناجين من الكارثة والذين جاءوا من دول الشرق الاوسط والذين جاءوا كأفراد أو مع عائلاتهم. لقد تعلموا في مؤسسات الكيبوتسات التي كانت مثابة بيتهم الثاني.

          والدي اعتبر هذه السنوات هي ذروة حياته. في البيت تحدثوا عن هؤلاء الاولاد وكأنهم من العائلة. وأنا أذكر أنني كنت احيانا أحسدهم. وقبل بضع سنوات شاركت في مؤتمر ما طرح فيه اسم كيبوتس نتسانيم، الذي كان والديّ من مؤسسيه، كمن سقط في أيدي الجيش المصري في حرب التحرير، بعد قتل معظم رجاله في المعارك، لأنهم لم يحصلوا على امدادات السلاح بسبب أنهم لم يكونوا ينتمون للحزب الصحيح. وعندما تحدثت ذكرت إسم والدي، الامر الذي لم أعتد على فعله.

          بعد الحديث توجهت لي امرأة وقالت إنه تم احضارها الى البلاد كطفلة وحيدة ناجية من الكارثة. وقد درست في مؤسسة من مؤسسات استيعاب هجرة الشباب. ولأنها كانت صاحبة موقف فقد اصطدمت مع المدير في امور مختلفة. ورغم ذلك تم اختيارها في مناسبة ما لتقديم المباركة. وبدل المباركة بدأت في انتقاد المدير والتعبير عن موقفها السلبي في امور مختلفة. وبعد انتهاء المراسيم تم استدعاءها الى غرفة المدير، وكانت متوترة جدا لأنها كانت على يقين بأنه سيتم اخراجها من المؤسسة.

          عندما دخلت الى الغرفة كان والدي يجلس هناك، وقال لها إنه يعرف عن حياتها الصعبة وأنها بقيت وحدها، لهذا فهو سيهتم بها منذ الآن. وقالت هذا بالفعل ما حدث. وبين فترة واخرى كانت تصل الى مكتبه وكانا يتحدثان ويتقاسمان الرغيف الذي أحضره من البيت. لقد اهتم بها حتى نهاية الفترة واستمر في ذلك الى أن تعلمت وتزوجت.

          لقد سمعت قصصا مشابهة من اشخاص آخرين. اثناء تلك الفترة لم يحدثونا في البيت عن ذلك. أبي لم يتعلم الحساب والعلوم لأنه ترك الجامعة من اجل النشاط الجماهيري، لكن كان له قلبا واسعا وحكيما. وكان عضوا رفيعا في المنظمات الدولية التي اهتمت بالاولاد والشباب من جهة، وبالحركات الليبرالية من جهة اخرى. وكانت له علاقات كثيرة مع العالم اليهودي وخارجه. وعندما قرأت أحد كتبه قبل فترة قصيرة تبين لي أنه حاول منع المذابح وابادة الشعب في كمبوديا. وبالطبع فشل. ولكنني أتساءل كم من الاشخاص في البلاد وفي العالم حاولوا منع تلك الاحداث.

          لقد كان أبي ضد الاحتلال منذ اللحظة الاولى وقد قال ذلك في كل مكان، بما في ذلك في الحكومات التي كان عضوا فيها. ولكن كرئيس لحزب صغير، لم يكن باستطاعته التغيير لأن الاحزاب الاخرى كانت تؤيد الاحتلال. وعندما ترك الحكومة تحدث وكتب ضد حرب لبنان وضد بقائنا هناك لسنوات كثيرة. وكانت له علاقات جيدة مع مواطنين عرب. وفي جنازته، أمام أعيننا المتفاجئة، انتظم المشاركون العرب في أداء الاحترام الخاص.

          كان والدي يحب السفر في الحافلات لأنه كان يلتقي فيها مع خريجي هجرة الشباب. وقد أحب شراء الفلافل من المحطة المركزية في تل ابيب. والديّ اشتريا منزلهما الاول في عمر بالغ، وعندما قال أبي إن ادارة الوكالة تقترح على اعضائها شراء المنازل بمبلغ متواضع في الطالبية، قالت أمي لا يعقل العيش في بيت خاص. فقاما بشراء شقة بواسطة قرض سكني.

          كان والدي متفائلا طوال حياته رغم أن عائلته كلها تقريبا قتلت في الكارثة. وأنا اسأل نفسي هل كان سيبقى متفائلا الآن لو أنه رأى ماذا يحدث في الدولة التي أحبها وآمن بها – التعامل مع الاولاد، مع الآخر، نتائج الاحتلال المتواصل، والأنانية لدى ممثلي الجمهور والشيطنة التي تحيط بنا.

          عندما فكرت فيما كان سيقوله أبي لو شاهد كيف تحولنا من شعب ساهم أبناءه في تقدم العدل في العالم – سواء عن طريق تأييد حركات التحرر مثل مارتن لوثر كينغ أو تأييد الافكار الاشتراكية بايحاء الدين اليهودي والتوراة – الى شعب يستغل اليهودية والتوراة من اجل الاعتداء والاجحاف. أنا على يقين، رغم أنه لا يمكنني التحدث باسمه، أن كل ذلك لن يكون مرضيا له.

 

كلمات دلالية