خبر ما يفهم من تقرير مراقب الدولة.. لا حرب في الافق على غزة.. سفيان أبو زايدة

الساعة 02:37 م|05 مارس 2017

د.سفيان ابوزايدة

مراقب الدولة في اسرائيل نشر تقريرة الثلاثاء الماضي والذي تم اعداده  على اثر اللغط والجدال والمناكفات بين قيادات الجيش والمستوى السياسي خلال وبعد انتهاء عدوان 2014 على غزة والذي استمر مايقارب الشهرين، وخاصة الجدل حول ما اذا كان الجيش الاسرائيلي  يدرك ومستعد كما ينبغي لمواجهة خطر الانفاق الهجومية التي اعدتها المقاومة، وخاصة حماس.

التقرير الذي يتكون من مئتين صفحه والذي استمر اعداده ما يقارب العامين وشارك فيه العشرات من المختصين الذين تم الاستعانة بهم لهذه المهمه تركز  حول نقطة اساسية وهي مدى الاستعداد ، وكيفية التعامل مع تهديد الانفاق وهل تم ازالة هذا التهديد مع انتهاء الحرب ام ان التهديد ما زال قائم. وهل هوتهديد استراتيجي لا يمكن التعايش معه ويجب ازالته، ام هوتهديد كباقي التهديدات التي تحيط باسرائيل من كل جانب منذ تأسيسها ولكن يمكن التعايش معها ومواجهتها وايجاد الحلول لها.

من المفترض ان هذا التقرير هوتقرير مهني، خالي من اي حسابات سياسية، سيما ان مراقب الدولة يتم انتخابة مباشرة من الكنيست وليس الحكومة، اي السلطة التنفيذية ليس لديها اي  سلطة عليه، ولا يتم اقالته الا بتوفر ثلاثة ارباع الكنيست ، راتبة ايضا تقرره اللجنة المالية في الكنيست وليس وزارة المالية. موازنة مؤسسة مراقب الدولة هي 349 مليون شيكل في السنة ويعمل فيها حوالي 550 شخص منهم حوالي خمسين مدراء دوائر وتصل رواتبهم الى 50 الف شيكل في الشهر. على الرغم من ذلك هناك من يعتقد ان التقرير الذي تم اعداده تفوح منه رائحه سياسية.

على اية حال، هناك بعض الملاحظات التي تهمنا نحن الفلسطينيين، اهمها:

اولا: ليس هناك استراتيجية اسرائيلية للتعامل مع غزة ومستقبلها، لا يوجد استرتيجية لدى الجيش ولا يوجد استراتيجية لدى المستوى السياسي، الجيش كل الخيارات امامه صعبه ولا يفكر مطلقا في خيار اعادة احتلال القطاع وبالتالي الحفاظ على الوضع القائم هواقل الخيارات سوء. والمستوى السياسي ليس لدية اي خطة سياسية لتغيير الوضع في غزء سواء بشكل منفرد بمعزل عن الضفة الغربية اومن خلال حل سياسي شامل، المستوي السياسي بزعامة نتنياهو، وفقا لما ذكره التقرير لم يناقش هذا الامر حتى عندما اوصى مجلس الامن القومى اجراء حوار مع حماس الذي رفضه نتنياهو.

ثانيا: اسرائيل تدرك ان الوضع الانساني في غزة يزداد تدهورا، وان انفجار هذا الوضع اذا استمر الحال على ما هوعليه هومسألة وقت فقط. ووفقا لتقديراتهم، الانفجار سيكون بالدرجة الاساسية في وجه اسرائيلـ علي الرغم من ذلك اسرائيل لا تفعل اي شيء ذي اهمية لتجنب هذا الانفجار، بل الامور تزداد ترديا. اخر الاشارات الاسرائيلية بهذا الصدد كانت ما قاله رذيس شعبة الاستخبارات الاسرائيلية هرتسي هليفي امام لجنة الخارجية والامن قبل يومين بان هناك في غزة ازمة انسانية حقيقية، وحول الضفة قال ان فقدان الامل السياسي سيقود الي العنف لذلك دعى الي اتخاذ اجراءات تؤدي الى تحسين الوضع الاقتصادي.

ثالثا: الانفاق على الرغم من خطورتها لا تشكل خطر استراتيجي على وجود اسرائيل ، هذا لا يعني التعايش مع هذا الخطر، الحرب رغم مدتها الطويلة لم تستطع القضاء سوى على نصف هذه الانفاق حيث تم تدمير جزء بشكل كلي  وتدمير البعض بشكل جزئي وتعطيل عمل البعض الاخر، ولكن نصف الانفاق بقيت كما هي. كان هناك انتقاد لاستخدام الطيران في قصف هذه الانفاق مما اثر بشكل سلبي على عمل القوات الارضية ، وخاصة سلاح الهندسة ، علاوة على ذلك ان القصف بالطيران عرض حياة الجنود للخطر.

رابعا: كشف التقرير عن العجز الاستخباراتي الاسرائيلي في الحصول على معلومات كافية لهذه الانفاق، سيما ان هناك عدم تطابق اوفروقات في المعلومات  التي كان يزود بها من استخبارات الجيش ومن جهاز الشاباك. عدم الانسجام في هذه المعلومات والبيانات ادى الى ارباك الجيش واثر على فاعليته في مواجهة خطر هذة الانفاق. الاستنتاج ان الحرب القادمة اذا ما حدثت سيتم التعاطي مع خطر الانفاق بالاعتماد علي سلاح الهندسة والقوات البرية اكثر من الاعتماد على القصف الجوي.

خامسا: التقرير شكل اطلالة مهمة على الية اتخاذ القرار في اسرائيل ، خاصة بين المستوى العسكري والمستوى السياسي، وكشف عن الخلل في الية اتخاذ القرار ، خاصة بين قيادة الجيش والمستوى السياسي المتمثل في الكابينت، وكذلك تآثير مجلس الامن القومي على الية اتخاذ القرار. التقرير يشير بشكل واضح ان الجيش لم يطلع الكابينت على المعلومات المطلوبة في الوقت المناسب لكي يتخذوا القرار. من الناحية العملية كان هناك مطبخ للحرب متمثل في نتياهوكرئيس للوزراء ورذيس الاركان ووزير الدفاع . بقية اعضاء الكابينت لم يكونوا شركاء في اتخاذ القرارات وكانت تنقصهم المعلومات. بل تم اخفاء معلومات مهمه عنهم.

لذلك هناك مشروع قرار في الكنيست ينص على تشريع قانون يحدد صلاحيات وواجبات كل عضوكابينت وكذلك عليه ان يخصص نصف يوم في الاسبوع لدرسة التقارير الاستخبراتية وتعيين سكرتير عسكري له يساعده في فهم هذه التقارير لكي يستطيع ان يشارك في اتخاذ القرارات السليمة.

سادسا: كان هناك جدل خلال الحرب حول اخلاء اوعدم اخلاء سكان غلاف غزة ، وعلى الرغم ان الجيش يدعي بأنه استخلص العبر من الحرب الاخيرة في كل ما يتعلق بمواجهة خطر الانفاق الهجومية من خلال تطوير منظومات وعمل جدران ارضية وربما حواجز مائية على طول الحدود مع غزة الى ان الحرب القادمة اذا ما حدثت ، على الارجح سيتم اخلاء سكان غلاف غزة من بداية الحرب.

سابعا: ضحايا هذا التقرير ، بشكل متفاوت هم نتنياهوكرئيس وزراء حيث كان يقدم نفسه علي انه رجل الامن الاول والخبير الدولى في مواجهة الارهاب ، التقرير يقدمه علي انه متردد في اتخاذ القرارات ولا يملك الرغبة في اتخاذ اي قرار  استراتيجي سواء كان سياسي اوعسكري. والمتضرر الثاني هووزير الدفاع يعلون والثالث  رئيس الاركان بني غانتس اللذان خرجا بصوره سيئة من حيث الاداء وعدم اطلاع الكابينت علي ما يجب من معلومات واشراكهم في اتخاذ القرارات. والمتضرر الاخير هورئيس شعبة الاستخبارات خلال الحرب افيف كوخافى الذي لم يكن لشعبة الاستخبارات التى يرئسها ما يكفي من معلومات لمواجهة خطر الانفاق.

من ناحية اخرى المستفيد الاكبر وربما الوحيد من هذا التقرير هونفتالي بينت زعيم البيت اليهودي الذي اشار فى البداية الي خطر هذه الانفاق والقصور بعدم التعامل مع هذا الخطر بما يستحق من اهتمام. هذه الاستفادة على الارجح سيتم ترجمتها الي مقاعد في الكنيست القادمه .

خلاصة القول، اسرائيل لا ترى في الانفاق تهديد استراتيجي يهدد وجودها، وبالتالي ليس هناك حاجة ملحه للخروج الى حرب جديدة. تطور من قدراتها على مواجهة هذا الخطر وتستغل سقوط اي صاروخ منطلق من غزة لاستخدامه ذريعه لعمليات قصف تعتقد انها تشوش وتعيق عمل هذه الانفاق. تدرك ان الوضع الانساني في غزة قابل للانفجار، وهذا الانفجار سيكون في وجهها وليس في وجه اي طرف اخر او في اي مكان اخر، وبالتالي اذا ارادت تجنب هذا الانفجار عليها ان تعيد النظر في سياستها تجاه قطاع غزة لتجنب انهيار منظومة الحياة الانسانية وبالتالي تغيير جذري في الوضع القائم الان.

في نفس الوقت تقديرهم ان حماس ايضا غير معنية في مواجهه جديدة ، وتبذل الكثير من الجهد لكي تتجنب الدخول في اي مواجهه هي لا تريدها، لكن استمرار تراجع الوضع الانساني في غزة قد يضع حماس امام خيارات صعبة.

كلمات دلالية