خبر الاستشهادي رامز عبيد: رسم الرعب في شوارع « تل أبيب »

الساعة 11:30 ص|04 مارس 2017

فلسطين اليوم

لم يكن رامز عبيد شهيدا عادياً  بل كان البطل الاستثنائي في الزمن الاستثنائي، كان استشهاده في مرحلة غاب فيها التاريخيون ولم يبق سوى الباعة المتجولون للمبادئ والشهداء والتاريخ، لذا قرر أن يضع حدا المهزلة الموت على مذابح الأوصياء، باختيار الشهادة على طريق الأنبياء.

كأنه تحسس أطراف الزمن الآتي في حلم من أحلام اليقظة حين كان يوحي إلى بعض إخوانه وأصدقائه، ويصرح لهم أنه ليس من المعمرين.

الشهادة حاضرة في حسه، فعكست نفسها على مواقفه وسلوكياته وأوصلته بالله تعالى على ثقة وإيمان من قدر الله النافذ، فتقرب إلى الله بحب دينه وخدمته وحب المسلمين حتى ليعز أن تجد له خصيماً وكان عطوفا على الناس وعطوفا من قبل على والديه بارا مطيعا ابر ما تكون الطاعة وأطوع ما يكون البر.

كان من الشباب الذين بكروا بالرجولة، رجولة المواقف والمروءة والنجدة، رجولة الصبر على التبعات والمسئوليات الجسام.

نشأته وميلاده..

في أزقة المخيم الضيقة وحواريه الصغيرة وتحديدا في 21/ 8/ 1971 انبعث النور في مخيم خانيونس ليرى من حواليه كرميد المعسكر و بابور الكاز فتتفتح عيناه على مشهد الفلسطيني المحاصر الذي يمتلك الإيمان وإرادة المقاومة رغم المشاق والمصاعب، وبين سبعة أخوة وثلاث أخوات يكبر « أبا عبد الله » ليدرس في مدارس اللاجئين، حافراً في قلبه قصص والده عن بلدة بيت دراس التي هاجرت منها أسرته على يد الجنود الصهاينة.

وتحت كرميد المعسكر في بيت متواضع تطرأ عليه بعض التحسينات الحياتية عبر وكالة الغوث، يكبر أبا عبد الله رامز دارسا في مدرسة مصطفى حافظ الابتدائية « أ » اللاجئين ثم مدرسة ذكور خانيونس الإعدادية فكان من صغره منحازا للإسلام محافظا على الصلوات في المسجد متأدبا بأخلاقه.

ويعرف بين جيرانه وأبناء حارته بخلقه وتواضعه وحب الجميع له، وبرزت مواهبه منذ صغره فكان فنانا يرسم الخطوط الجميلة والصور المرهفة الصادقة.

 

هكذا تنوء وتتبلور شخصية العاشق الصغير، وما أن ينهى المرحلة الإعدادية حتى تنفجر الانتفاضة المباركة ويبدأ المرحلة الثانوية في مدرسة عكا.

وشاب مثل أبي عبد الله تجذرت في نفسه معاني الثورة والإيمان فخياره يكون جنديا رائعا قائداً مشاركا في أنشطة الانتفاضة، وتمتلئ جدران المخيم بشعاراته التي تشربها وزينها قلبه قبل أن تخطها يداه على الجدران… هكذا امتزجت الانتفاضة في كيانه لتخرج منه مجاهدا لا يهدأ ولا يكل فكان حركة متواصلة ومطاردة مستمرة لجنود الاحتلال لا يهاب الرصاص، فيصاب أبي عبد الله ثلاث مرات برصاص الاحتلال ويعالج وينجو بسلامة الله.

الصعود رغم المحنة..

وفي مطلع شبابه يعتقل شبلا معانقا شمس صحراء النقب لمدة ثلاثة شهور بالتهمة المعتادة ألا وهي إلقاء الحجارة وعاش بين صفوف الحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والتي طالما نشر شعاراتها على جدران مخيمه وهو يعمل في اللجان الشعبية التابعة لها في معسكر خانيونس، وخرج الفارس في أواسط 1992 أكثر مضاءً وعزاما مواصلا عمله في صفوف حركة الجهاد الإسلامي مشاركاً في أنشطة لجانها ومسؤولا عنها وبيديه الرائعتين يواصل رسم الصورة الجميلة المعبرة عن وحي الانتفاضة.

ويعود الفارس في 1/ 5/ 1993 إلى صحراء النقب مرة أخرى بعد أن اعتقله جنود الاحتلال من داخل مسجد الإمام الشافعي الذي تعود على الصلاة فيه ليواصل من جديد داخل خيمته نشاطه غير المنقطع، فيشرف على إصدار المجلة الدورية التي تصدر عن الجهاد الإسلامي داخل المعتقل والتي صقل فيها كل مواهبه الفنية، ويخرج رامز الفارس مرة أخرى من المعتقل اكثر اشتعالاً ليرى واقعا جديداً أمامه بقدوم السلطة الفلسطينية التي تعتقله ثلاث مرات محاولة أن تؤثر عليه وتبعده عن الجهاد الإسلامي التي كان يزداد عشقا والتزاما بها.

وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة درس أبي عبد الله في الجامعة الإسلامية لمدة عام بقسم الجغرافيا وعندما فتح قسم الفنون الجميلة في كلية غزة انتقل للدراسة فيها لتفريغ طاقاته ومواهبه الفنية وصقلها وتجذيرها.

صور من حياته..

وفي يوم استشهاد ابن مخيمه أيمن راضي كان فارسنا رامز يزين جدران المخيم بالشعارات فيرسم باصاً إسرائيلياً وقد تطايرت أجزاؤه وتناثرت الجثث من داخله، وحينها تدخل أحد الصحفيين الأجانب الذين كانوا بالمكان وسألة إذا ما كان يرسم لمجرد الرسم أم هو الإحساس والتمني بهذا الشيء فيرد رامز الفارس عليه أنه يتمنى الشهادة ليل نهار ويدعو الله أن يرزقه بها.

هكذا كان أبو عبد الله يبرهن لأصحاب القلوب المريضة أن الشهادة هي طريق الصالحين ويردد مقولته الشهيرة (وعجلت إليك ربي لترضى)… ولن نستغرب قصة العجوز الذي أمسك بيده يوما بين أزقة المخيم ليقول له ستكون شهيداً يا ولدي وعدني بأن أكون أحد الذين ستتشفع لهم ويأخذ العجوز الوعد من شهيدنا رامز والذي ازداد صمته وعم هدؤه في تلك الفترة فكان يكابد الحياة بإيمان واستعلاء ويواصل خطواته نحو عرس الشهادة في الرابع من آذار مارس 1996 في شارع ديزنغوف بتل أبيب رغم كل العوائق والحفر.

ومضى الفارس..

في الرابع من آذار 1996 حمل الدم لهب الاشتعال وكان الجميع على موعد فظهر أبا عبد الله متزنراً بحزامه الناسف ليذكر الكيان الصهيوني أن قسم الثأر الذي أعلنه بيده على جدران المخيم بأن دم شهيد فلسطين والأمة الدكتور فتحي الشقاقي هو قسم باقي ضد البغي الصهيوني على أرض فلسطين ومقدساتها.

فاندفع المجاهد الاستشهادي رامز عبد القادر عبيد بعد أن تمكن من التوغل إلى عمق تل أبيب متزنرا بأكثر من خمسة عشر كيلو غراما من المتفجرات وفجر صواعق جسده بين حشود المستوطنين فزلزل الانفجار أركان تل أبيب وأعاد إلى ذاكرتها كابوس بيت ليد وألقى بجندها وقادتها ومستوطنيها في رعب لم يستفيقوا منه إلا لكي يحصوا قتلاهم وجرحاهم الذي بلغو «23 قتيلاً» وأكثر من 120 جريحاً ثأراً للشهيد فتحي الشقاقي والشهيدين عمار الأعرج وأيمن الرزانية اللذين سقطا برصاص سلطة الحكم الذاتي.

ومضى شهيدنا… بخصوصية امتزجت بخصوصية المرحلة التي ارتفعت عنها روحه… ونقول لضعاف النفوس الذين يظنون أننا نسيناك… أنك في القلب أنت في كل المحطات… تسكن كل الثواني والدقائق والساعات… بلا انقطاع فارسا مرتجلا وحيداً شهيداً شاهداً على دم الفارس أبا إبراهيم.

شعلة في الجهاد

وبدوره قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أحمد المدلل: « الشهيد رامز عبيد كان شعلة في الجهاد حيث تميَّز بنشاطه وعنفوانه »، مضيفاً: « معالم حياته تؤكد بأنه كان يمتلك إيماناً ووعياً دفعاه إلى تنفيذ مثل هذه العملية البطولية، التي كانت انتقاماً لأرواح شهداء فلسطين، وانتقاماً لاغتيال المعلم المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي ».

وتابع المدلل: « من خلال عمليته البطولية صنع معادلة الرعب مع العدو الصهيوني، ليؤكد بأنه لا مستقبل لهم على أرض فلسطين، ولن تكون إلاَّ مقبرة لهم »، مبيناً أنه استطاع أن ينفذ أوامر الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي، بأن « أوسلو » الأول لن يمر إلاَّ على دمائنا وأجسادنا، فتبعثر جسده لعنات لا حقت الغاصبين في عقر دارهم في « (تل أبيب) ».

وأضاف المدلل: « دماء الشهيد رامز وأمثاله من الشهداء، عبَّدت لأبناء الجهاد الإسلامي الطريق نحو الحرية والنصر، ولم يكن ليتأتَّى نصر المقاومة و »سرايا القدس« في المعارك الأخيرة إلاَّ بتلك الدماء الطاهرة التي قدَّموها »، مؤكداً أن حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري « سرايا القدس » الذي انتمى إليها رامز عبيد، لا تزال في عنفوانها، حيث أصبحت رقماً صعباً في القضية الفلسطينية، لا يمكن تجاوزه.

وشدد المدلل، على أن مسار المقاومة لن يتوقف أبداً إلاَّ بتحرير كل فلسطين من بحرها إلى نهرها بعيداً عن كل التزييفات في الحقيقة التي يريد الاحتلال الصهيوني أن يمررها على الشعب الفلسطيني بالتنازل عن جزء كبير من فلسطين.

كلمات دلالية