خبر « تقرير المراقب » زوبعة في فنجان - بقلم: إسماعيل مهرة

الساعة 10:48 ص|01 مارس 2017

فلسطين اليوم

لا الإسرائيليون ولا الفلسطينيون كانوا بحاجة إلى تقرير مراقب دولة الاحتلال، القاضي السابق يوسف شابيرا، لمعرفة ما حدث في الحرب الأخيرة وتقييم نتائجها وتكوين استخلاصات وانطباعات عن مدى عمق فشل إدارة نتنياهو وطاقمه للحرب وعجز جيشهم، وعن جوانب وأوجه العجز والفشل، وقد كتبنا سابقًا أن فشلهم وعجزهم على المستوى العسكري كان يبرر في ظروف طبيعية تشكيل لجنة تحقيق مهنية كان سيكون لها تأثير على مستقبل السياسيين والعسكريين الذين قادوا الحرب، فكما اكتوى عقل الفلسطينيين بمستوى الفظاعات والمجازر وشدة دموية آلة القتل الهمجية الإسرائيلية التي وظفت للفتك بالجبهة الداخلية للوصول إلى الردع بعد أن فشلت بالانتصار في الميدان؛ فقد كوت المقاومة عقل الإسرائيليين جميعًا، ساسة وجنرالات وجنودًا ومواطنين، بأن جيشهم لم يكن بوسعه تحقيق انتصار عسكري حقيقي في الميدان.

بعد أكثر من سنتين، وبتأخير كبير جعله غير ذي صلة وعديم الأهمية، سوى من حيث التوثيق؛ صدر أول أمس تقرير مراقب دولة الاحتلال الخاص بتقييم ودراسة إدارة الحرب الأخيرة على القطاع، تقرير لم يعد منذ وقت مهمًا سوى في ساحة المناكفات السياسية ولدى المحللين، فأحدًا لن يتأثر بنتائج التقرير، وثمة ميل كبير لدى الحكومة وداخل الكنيست للتقليل من أهمية التقرير، وبعضهم - وفي مقدمتهم نتنياهو ويعلون - انتقدوا المراقب وهاجموا تقريره، واعتبروه غير جدي يصدر عن مراقب غير جدي، يحاول ان يدس أنفه في قضايا ليست من صلاحياته، ولا يمتلك القدرات والإمكانيات والصلاحيات الكافية للتحقيق فيها، وتصف صحيفة « هآرتس » نتائج التقرير بالنسبة لتأثيرها على نتنياهو بأنها الأهون من بين ما يقلقه.

التقرير فقد الكثير من قيمته وأهميته إسرائيليًا لأسباب عديدة، من بينها انه لم يقدم جديدًا على مستوى المعرفة العامة والانطباع العام لدى الإسرائيليين عن فشل إدارة الحرب وأوجه التقصير، ولأن معظم ما يعرضه التقرير سبق أن تم تسريبه بشكل أو بآخر، وسبق ان تم نقاشه في أكثر من موضع، فضلًا عن ان التقرير يبقى في النهاية مجرد وثيقة تصف وتحلل ما حدث دون ان تمتلك أنيابًا ودون ان تحمل أهمية حقيقية تتعلق بالمستقبل المهني والسياسي لأي من الشخصيات التي طالتها الانتقادات؛ ومع ذلك تبقى قيمته الكبيرة من حيث كونه وثيقة رسمية مهنية تؤكد فشل نتنياهو ويعلون وأركان حربهم في إدارة الحرب.

التقرير - الذي امتد على أكثر من مائتي صفحة - يتناول بتفصيل كبير فشل وتقصير من قادوا الحرب على المستوى السياسي والعسكري، بدءًا بنتنياهو ويعلون ورئيس الأركان غانتس ورئيس الاستخبارات العسكرية آنذاك أفيف كوخافي، مع التركيز الكبير على فشل التصدي لتهديدات الأنفاق، وكلمات الفشل والتقصير هي من أكثر الكلمات التي توصّف نشاط المستوى القيادي، مع تحديد مسؤولية كل شخص منهم عن أوجه فشله وتقصيره. أهم الانتقادات الموجهة لنتنياهو ويعلون تكمن في:

- عدم إجراء أي نقاش جدي لبحث بدائل سياسية تؤدي لتجنب الحرب، ورفضهم مسبقًا لهذه البدائل، وهنا يعترف المراقب ان أحد أسباب الانفجار تعود لشدة الحصار وقسوة الظروف المعيشية في القطاع وغياب أفق يمنح أملًا، وتجاهل إسرائيل لمعاناة السكان.

- نقاش الخطط العملياتية قبل تحديد الاستراتيجيات والأهداف.

- إقصاء الكابينت الأمني وإخفاء المعلومات الأمنية عنه واستخدامه لمنح الشرعية القانونية فقط.

- التهرب من إجراء نقاش معمق حول تهديد الأنفاق التي عرفت عام 2013 كتهديد استراتيجي، وتقصيرهم في فحص جاهزية الجيش وخططه وبدائله في مواجهة الأنفاق، وعدم تأكدهم من وجود مثل هذه الخطط.

وعلى المستوى الأمني، فقد وجه المراقب انتقادات شديدة لأداء رئيس الأركان بيني غانتس، ولرئيس الاستخبارات أفيف كوخافي، كان أهمها.

- الفشل الأمني من حيث تقدير موقف حماس ومستوى ردعها، حيث عرضتها التقارير الأمنية بأنه ليس لديها ميل للحرب، وأثناء الحرب قدروا بأنها باتت مردوعة وتعاني من خسائر ومستعده لتلقف أية تهدئة.

- الفشل الأمني المتعلق بكل ما له صلة بتهديد الأنفاق.

- التقصير في تدريب الجيش وتجهيزه وإعداده للتغلب على تهديد الأنفاق، والتقصير في إعداد الخطط اللازمة لذلك.

ردود الفعل الأولية على التقرير

أثار التقرير عاصفة من ردود الفعل الإعلامية، لا سيما من جانب المعارضة والصحف الرئيسية وعائلات القتلى من الجنود، ففي المعارضة طالبوا نتنياهو بتحمل مسؤولياته، واتهموه بالفشل والتقصير، وانتقدوا حربه التي يشنها ضد المراقب وضد التقرير، بدلًا من الاعتراف بمسؤوليته عن الفشل والتقصير، أما عائلات القتلى فقد طالبت القادة بتحمل مسؤولياتهم.

جميع الصحف الصادرة صبيحة اليوم تناولت نتائج التقرير في عناوينها الرئيسية، وأفردت لمعلقيها الكثير من الصفحات التي تتناول التقرير بالتحليل والتعليق، عنوان صحيفة « يديعوت » كتب كلمة « لم » كبيرة وإلى جانبها أهم ثلاثة جمل في التقرير « يتجهزوا لتهديد الأنفاق - يناقشوا البدائل السياسية - يقضوا على الأنفاق »، والعنوان الرئيسي لـ « هآرتس » ركز على عدم نقاش البدائل السياسية.

أما نتنياهو فقد اهتم بصد التهم والانتقادات، وتوجيه الانتقاد للمراقب ولتقريره، ملخصًا دوره بأنه يهتم بمعيار النتائج، بينما المراقب يهتم بالإجراءات البيروقراطية في ظروف حرب غير طبيعية. من جانبه يعلون اكتفي بتبرير مسؤوليته عن إخفاء المعلومات عن الكابينت بوصف الكابينت برياض الأطفال. ايزنكوت رئيس الأركان أكد ان الجيش استخلص العبر من حيث التدريب والتجهيز وإعداد الخطط.

بعد يوم أو يومين سينتهي تأثير التقرير في الفضاء الإعلامي، وذلك بحكم ضعف المعارضة، وبحكم التركيبة اليمينية للحكومة، التي هي نفسها تقريبًا قادت الحرب على القطاع، وسينتهي تأثير التقرير وكأنه زوبعة في فنجان.

والتقرير في النهاية يلخص قراءة العقل الإسرائيلي لإجراءات وسياق الحرب، ويحاول أن يقف على أسباب الفشل، دون ان يعترف حقيقة بالأسباب الحقيقة لفشل كل الحروب الأخيرة، سواء على لبنان 2006 أو الحروب الثلاث الأخيرة على غزة، وهي ان جيش الاحتلال لم يعد ذلك الجيش الذي دأب الصهاينة لبناء هالة أسطورية حوله، وأنه لا يقهر، فقد أثبتت المقاومة بأنها عندما تعرف كيف تتسلح وتخطط وتبني قدراتها فإن بإمكانها إلحاق الهزيمة الميدانية بفرقه وآلياته، وأن جيش الاحتلال في ظل ما تمتلكه المقاومة اليوم لم يعد قادرًا حتى على الاقتراب من التقاط صورة النصر، وواقع المواجهة على حدود القطاع البرية والبحرية أثناء الحرب وبين الحروب وبعدها تثبت بشكل جلي بأنه غير قادر لا على المفاجأة ولا على انتزاع أي إنجاز، فالجيش الإسرائيلي هو جيش قوي ومتفوق في مواجهة الجبهات الضعيفة، وعلى الجبهات المتآكلة الضعيفة يستعرض عضلاته ويسعى لإظهار مجده وتوثيق بطولاته، وكما شاهدنا كيف اصطحبت وحدة النخبة طاقمًا تلفزيونيًا لتوثيق تسللهم للأراضي السورية للقيام بمهمات سرية، وكأنه أراد من خلال التوثيق التلفزيوني التغطية على عجزه.

إثارة الانطباع القوي عن قدرات الجنود والجيش لدى الإسرائيليين ولدى العالم ولدى الفلسطينيين تعتبر من مركبات الأمن القومي، وهي متعلقة ببث الثقة وتعزيز معنويات المجتمع الإسرائيلي وإضعاف روح المقاومة لدي الفلسطينيين، فأي انكسار لثقة المجتمع الإسرائيلي بقدرة جيشه على حمايته وعلى الانتصار سيكون لها تداعيات كبيرة على تماسكهم؛ لذلك فمن الصعب جدًا ان تجد تقريرًا، لا اليوم ولا في المستقبل، يحيل أسباب الفشل إلى تعاظم قدرات المقاومة ومحدودية قدرة الجيش وعجزه، وستحيل كل التقارير الأسباب إلى جوانب فنية وإجرائية، وسيكون أهون عليهم حتى التضحية بكبش فداء كبير بتحميله المسؤولية من الاعتراف بالحقيقة المؤلمة لهم.

كلمات دلالية