ما زالت « إسرائيل » تعيش حالة من النشوة، بعد لقاء الرئيس الأمريكيّ ترامب مع رئيس الوزراء نتنياهو، الأمر الذي دفع أحد المُحللين إلى القول إنّ هذه الحالة لم تشهدها الدولة العبريّة منذ عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967 والانتصار الساحق على الجيوش العربيّة، والذي سُمّي لاحقًا بالنكسة.
النقاش الدائر بين المُحللين، الذي يعكسون آراء المستوى السياسيّ في « تل أبيب »، يتمحور حول ضمّ الضفّة المُحتلّة إلى السيادة الإسرائيليّة، فهناك خبراء يؤكّدون على أنّ الفرصة الذهبيّة وصلت ويجب استغلالها، فيما “يكتفي” آخرون بالمُطالبة بضمّ غور الأردن “فقط” إلى سيادة دولة الاحتلال.
علاوة على ذلك، يدور النقاش أيضًا بين المُحللين من جميع الأقطاب السياسيّة حول هضبة الجولان العربيّة السوريّة. فقد أكّد نتنياهو في حديثه مع الصحافيين الإسرائيليين، بُعيد ختام اجتماعه مع ترامب على أنّه طلب منه العمل على إقناع المجتمع الدوليّ بضرورة ضمّ الجولان المُحتّل منذ العام 1967 إلى السيادة الإسرائيليّة. سكرتير الحكومة السابق، تسفي هاوز، قال أمس للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيليّ إنّ الدولة العبريّة يجب أنْ تستغّل الدعم غير المحدود من الإدارة الأمريكيّة للقيام بهذه الخطوة، وفرض الوقائع على الأرض، على حدّ تعبيره.
وشدّدّ مُراسل صحيفة (هآرتس) للشؤون السياسيّة على أنّ الولايات المُتحدّة والمجتمع الدوليّ برمته لم يعترفوا أبدًا بضمّ إسرائيل للجولان في العام 1981، كما أنّ واشنطن قامت عدّة مرّات بعقد لقاءاتٍ بين ممثلين سوريين وإسرائيليين من أجل التوصّل لاتفاق سلامٍ بين الدولتين. وكان نتنياهو قد طرح هذا الموضوع في لقائه مع الرئيس أوباما في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2015، إلّا أنّ أوباما رفضه، ورفض حتى النقاش فيه. وأشار المُراسل الإسرائيليّ إلى أنّه حينها قال مسؤول رفيع في البيت الأبيض إنّ واشنطن ترفض ضمّ الجولان لإسرائيل، وأنّ موقفها لم يتغيّر. وأضاف المسؤول أنّ الاقتراح الإسرائيليّ من شأنه أنْ يمسّ بفصائل المُعارضة السوريّة المدعومة من الولايات المُتحدّة، وفق تعبيره.
وقبل الولوج في مفاعيل اللقاء الـ”تاريخيّ” بين ترامب ونتنياهو، الذي عاد مساء أمس إلى تل أبيب، لا غضاضة من التذكير بالواقعة التاليّة: في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. شيمعون بيريس، حذّر في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة.
شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفها رئيس الوزراء آنذاك، ردّ على مطلب بيريس بالقول: لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك. وتابع شارون في الجلسة عينها: أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين.
علاوة على ذلك، لفت شارون أيضًا إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، زاد شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، واختتم قائلاً إنّ سفارة تل أبيب في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الثّريين جدًا في أمريكا، قال شارون لبيريس.
ولعلّ أقوال شارون، قبل 16 عامًا تُدلل على مدى التغلغل الإسرائيليّ-الصهيونيّ في دوائر صنع القرار في واشنطن، وتؤكّد المؤكّد وتُوضّح المُوضّح: أمريكا لم تكُن يومًا وسيطًا نزيهًا بين العرب وإسرائيل، ولا يُمكن أنْ تكون كذلك، لا في الحاضر ولا في المُستقبل، وبالتالي فإنّ التعويل عليها مقبل العرب، والفلسطينيين تحديدًا، هو تعويل خاطئ إستراتيجيًا وتكتيكيًا، وتبنّي نظرية الرئيس المصريّ الأسبق أنور السادات بأنّ 99 من أوراق اللعبة موجودة بيّد أمريكا، هو تصرّف انبطاحيّ بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. فتاريخ هذه القوّة العظمى يُثبت بالدلائل والقرائن العملية على أرض الواقع وعلى مرّ السنين، أنّها رأس الأفعى، كما وصفها مؤسس الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، حكيم الثورة، الشهيد د. جورج حبش.
إلى ذلك، وبخبثٍ إسرائيليّ ممجوجٍ ومعهودٍ عبّر المُستشرق إيهود يعاري عن “دهشته” و”استغرابه” من أنّ الزعماء العرب، الذين أكّد نتنياهو بشكلٍ علنيّ وبدون لفٍ أوْ دورانٍ، في لقائه مع الصحافيين الأمريكيين وفي المؤتمر الصحافيّ مع ترامب، على أنّهم للمرّة الأولى باتوا حلفاءً للدولة العبريّة وتنازلوا عن العداوة التاريخيّة معها، لم يردّوا على هذا التصريح. وأضاف يعاري، وهو مُحلل الشؤون العربيّة في القناة الثانيّة الإسرائيليّة، أضاف قائلاً إنّ عدم الردّ من قبل الزعماء العرب يُدلل على أنّ الخطّة الأمريكيّة-الإسرائيليّة لعقد مؤتمر سلامٍ إقليميٍّ بمُشاركة واشنطن وتل أبيب والدول العربيّة التي وصفها بالسُنيّة المُعتدلة بات قاب قوسين أوْ أدنى من الخروج إلى حيّز التنفيذ، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه بالنسبة لهذه الدول أصبح التمدد الإيرانيّ-الشيعيّ، على حدّ وصفه، أهّم من حلّ القضية الفلسطينيّة.
على صلة، نشر موقع صحيفة (هآرتس) على الإنترنيت، نقلاً عن مجلة “فورين بوليسي” الأمريكيّة أنّ مساعدي ومستشاري ترامب، الذي لم يكُن قد دخل البيت الأبيض، حاولوا بكلّ قوّةٍ إحباط قرار مجلس الأمن الدوليّ الذي اتخذ مؤخرًا ضدّ المُستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة، علمًا أنّ مندوبة واشنطن في المجلس امتنعت عن التصويت، خلافًا لطلب إسرائيل باستخدام حقّ النقض (الفيتو).