خبر لقاء العُنْصُريَّيَن الُمتَعَجْرفَيَن- علي عقلة عرسان

الساعة 12:59 م|17 فبراير 2017

فلسطين اليوم

 

إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعاني من اضطرابات ملحوظة، تظهر  في التصريحات والتوجهات السياسية، والأحكام الرعناء التي يطلقها على عقيدة خُمس سكان العالم، حيث يصف الإسلام بالإرهاب، أو يلصق الإرهاب بالإسلام، بتعسف وجهل.. وفي القرارات المرتجَلَة، والحماسة الفاقعة للممارسات والنزعات العنصرية، والانحياز الأعمى للاحتلال والعنصرية الصهيونية وممارساتها المدانة دولياً بقرارات من مجلس الأمن ، آخرها القرار ٢٣٣٤ لعام ٢٠١٦. ومن الطبيعي أن يحدث ذلك، ضمن إدارة تضم عدداً لا بأس به من المتطرفي والعنصريين.. يكونون، فيما يبدو، ما يمكن أن نسميها « الإدارة العميقة »، على نمط « الحكومة، أو الدولة العميقة »، ذاك المصطلح الذي أخذ طريقه إلى التداول السياسي والإعلامي. حيث أن المجموعة المقرّبة من الرئيس، الذي لا يملك خبرة سياسية كافية، هي التي تقدم له استشارات تنبع من تطرفها، وتتلاءم مع تكوينه العنصري، وتنسجم مع التوجهات العنصرية لمن يشكلون تلك « الإدارة العميقة ». وبسرعة لافتة، تصبح تلك الاستشارات، قرارات رئاسية، بعد أن يمهرها ترامب بتوقيعه، مستعرضاً ذلك في تظاهرة إعلامية غريبة، لا تتناسب مع الرصانة السياسية لرئاسة دولة هي الأقوى والأعظم بمنظور العالمية.؟!

وقد نتج عن ذلك، خلال أقل من شهر على تولي ترامب السلطة، تظاهرات في معظم المدن الأميركية، واستقالة أو إقالة شخصيات بارزة في الإدارة، منهم وزيرة العدل بالوكالة ومسؤول الهجرة والجمارك.. واستنفار القضاء ضد قراراته المخالفة للدستور الأميركي، وللقيم الإنسانية، والقوانين والاتفاقيات الدولية « لوائح جنيف ».. والمواجهة الحادة مع وسائل إعلام أميركية، وتوتر مع دولتي جوار تاريخي هما « المكسيك وكندا ».. والقلق الدولي من تصرفات شخصية سياسة.. تعيد إلى الأذهان بعض ملامح دون كيشوت دلَّا مَنْتشا.. كما نتج عن ذلك أيضاً تراجعات عن مواقف وتصريحات أبرزها ما يتعلق بالموقف من حلف شمال الأطلسي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية نفسها.. وأخيراً الموقف ممّا توافق العالم على تبنيه منذ أوسلو السيئة الذكر ١٩٩٣، تحت اسم « حل الدولتين » للتوصل إلى سلام في منطقة « الشرق الأوسط »، وهو حل قَبِله الفلسطينيون والعرب، مع أنه يشكل أكبر تفريط بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وأكبر تنازل عن الحق والأرض والتاريخ، يمكن أن يقدمه شعب، لمحتلٍّ إرهابي عنصري.. وكل وذلك بسبب دعم الدولة الأعظم في العالم، التي ترعى الإرهاب وتمارسه بجيوش جراره، ليصبح « إرهاب الإمبراطور »، كما يسميه تشومسكي، مشروعاً، وإرهاب اللصوص سبباً في تدمير دول وشقاء شعوب.. وهي الولايات المتحدة الأميركية، الدولة التي تتحكم فيها العنصرية البغيضة، ،تتهم الآخرين بممارسة الإرهاب.؟!    

في الرابع عشر و الخامس عشر من شهر شباط/ فبراير ٢٠١٧، استقبل ترامب الإرهابي نتنياهو، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقداه، يوم الأربعاء بعد المحادثات، قال ترامب كلاماً كثيراً، ومما قاله: « .. إن حل الدولتين ليس الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. اعتقدت أن حل الدولتين هو الحل الأسهل، لكن في الحقيقة... الحل الذي ستقرره الأطراف فيما بينها هو الحل الأفضل. وهو الحل الذي سأكون راضياً عنه ». لقد تضمن هذا الكلام تراجعاً أميركياً عن حل « الدولتين »، لكنه قيل بتعمية، ربما كانت مقصودة، من مستشار ترامب اليهودي الفعال ستيفن ميلر، تسمح بمراعاة الأطراف اليهودية المتنازعة في الولايات المتحدة وفي فلسطين المحتلة حول الموضوع. وحين علت الضجة، لا سيما في تلك الأوساط، نفت ممثلة ترامب في الأمم المتحدة، وسفيره في تل أبيب، أن تكون واشنطن تراجعت عن حل الدولتين.. وبقيت التعمية ملازمة للموقف. لم يقل نتنياهو كلمة بشأن حل الدولتين، ولا بشأن موقف ترامب المعلن، فهل هو صاحب هذا الإخراج مع ستيفن ميلر، لكي يجني مكاسب داخلية، أو ليتحاشى صراعات؟! وحين سئل من الصحفيين عن « حل الدولتين » ذاته « حل الدولتين »، تجاوز الموضوع كلياً، وانتقل إلى شروطه للسلام : « هناك شرطان مسبقان للسلام. الأول هو أنه يجب على الفلسطينيين الاعتراف بالدولة اليهودية... والثاني هو أنه يجب أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على المنطقة الكاملة الواقعة غربي نهر الأردن، في إطار أي اتفاق للسلام. »/ رويترز. وهذا الكلام ليس جديداً، ولكن الجديد هو التقاء متعجرفين على خط واحد، هما نتنياهو وترامب. إذ لم تكن عجرفة نتنياهو حاكمة في عهد أوباما، على الرغم مما قدمه أوباما « لإسرائيل »، لكنها اليوم متفاعلة عضوياً بين ترامب ونتنياهو.. إلا إذا اصطدم متعجرفان عنصريان؟! وليست تطلعات نتنيهو للنفوذ في واشنطن بلا مبررات أو إسناد، وتجاوزه لأوباما في الخطاب أمام الكونغرس، يصغر معه اليوم قوله « للصحفيين الذين رافقوه في الطائرة يوم الثلاثاء ١٤/٢/٢٠١٧ إلى واشنطن، إذ قال لهم: »في نهاية المداولات في الكابنت قلت ببساطة « أنا سأقود وأنا سأوجه الدفة »، وهذا بالضبط ما أعتزم عمله، أن أقود وأوجه دفة الحلف التاريخي بين إسرائيل والولايات المتحدة، في صالح المصلحة الوطنية لدولة إسرائيل وصالح كل مواطني إسرائيل« . هل هذه عجرفة أم تطلعات ذات مرتسمات على الأرض؟! يذكر بوعز بسموت، الصحفي الإسرائيلي الذي أجرى اللقاء مع الرئيس ترامب والمقرب منه، تمهيداً لزيارة نتنياهو، أنه في أثناء اللقاء مع الرئيس  [[ كان ستيفن ميلر يجلس معنا، وهو المستشار اليهودي الرفيع للرئيس. وفي هذه الأيام يساعد ميلر الرئيس في موضوع مرسوم منع دخول مواطني الدول السبعة. وكان من بين من صاغوا هذا المرسوم من وراء الكواليس. واثناء اجراء المقابلة مع الرئيس جلس وسجل النقاط.]] وفي ذلك الوقت، وقبل لقاء نتنياهو - ترامب، تم تسريب خبر أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد متمسكة بحل الدولتين.

كان هذا الأمر، وما زال، موضوع جدل داخل الكيان الصهيوني، وداخل أوساط اليهود في الولايات المتحدة الأميركية. وقبل سفر نتنياهو للقاء ترامب، قالوا له ما يسكنه أصلاً : » لا للدولة الفلسطينية، نعم للبناء في كل ارجاء يهودا والسامرة« .

وقال وزيره، نفتالي بينيت، ذو الثمان مقاعد في الكنيست، إنه » سيجعل الأرض تهتز إذا ذُكرت جملة « حل الدولتين ».. فهل هناك من يجعل الأرض تهتز تحت بينيت ومقاعده الثمانية في الكنيست، أم أن بينيت يملك مفجرات الكرة الأرضية مثل ترامب؟!

من جهة أخرى، ذهب رأس كيان الإرهاب، رؤوبين ريفلين، إلى ضرورة ضم الضفة الغربية إلى « إسرائيل ».. أي إلى حل « دولة لشعبين »، وهو مما لا يقبله الصهاينة أيضاً. وموضوع ضم الضفة الغربية، وإعطاء الجنسية للفلسطينيي،ن أمر لا يتوافق مطلقاً ما يريده الصهاينة، وما يعملون عليه منذ وعد بلفور، وإقامة الكيان بالإرهاب.. فهم يطالبون بدولة يهودية صافية، وهذا معناه إخراج الفلسطينيين من الأرض والتاريخ، ويتضمن فيما يتضمنه مطلب إبادة الفلسطينيين؟! إذن فالصهاينة لا يمكن أن يقبلوا بدولة ثنائية القومية، لمواطنيها نفس الحقوق. ولا بموضوع حل الدولتين، فهو لدى كثيرين منهم، وعلى رأسهم نتنياهو الذي قال بذلك في بار إيلان عام ٢٠٠٩ ونقضه في كل خطوة سياسية على الأرض.. هو أمر مراوغة « تكتيك »، بينما يستمر قضم الأرض، وهضم ما قضموا منها، سواء أكان ذلك بالإرهاب والاغتصاب، أو بالسلب والنهب، أو بقوانين يفصلونها على مقاسهم، ويفرضونها بالقوة، مثل ما يسمى قانون « التسوية » أو سواه من صيغ الإرهاب.. حيث ينتهي أمر الفلسطينيين إلى شرذمات قيد التهجير والاضطهاد والإبادة.؟! نتنياهو يطالب بأمرين، قديمين، جديدين، متجددين: الاعتراف بيهودية الدولة، والسيطرة الأمنية التامة الشاملة الكامله على مابين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وإذا كان هناك وجود من أي نوع لحكم فلسطيني فهو تحت السيطرة تماماً.. وليس لديه استعداد لغير ذلك.. اللهم إلا عدم كبح الاستيطان، إلى أن يبقى للفلسطينيين، مما تبقى من وطنهم، ظل خارج أرض فلسطين التاريخية.؟! هذه مطالب أولية، فمن يستند إلى حاجة العرب إلى حمايته، وإلى رغبتهم الجامحة في التحالف معه، ضد أخطار منها « خطر الأخوة العربية والإسلامية »، يمكنه أن يطمئن إلى أن العرب لن يرفعوا إصبع احتجاج في وجهه، مهما فعل.. بل إنهم سيفعلون كل ما يريد، لجعل الفلسطينيين المطالبين بحق، والمنادين بمقاومة من أجل الوصول إلى حق.. تحت درجة الصفر، إن هم حاولوا الصعود عنها، والتطلع إلى أعلى.

الصهاينة الإرهابيون، واليهود العنصريون، الذين يعتقدون أن الرب اختارهم، وملّكهم أرض الآخرين، وأباح لهم دماء الغويم وما يملكون، يتربون على هذا النهج العنصري المقيت المتخلف اللا إنساني، ولا ديني، بمقياس شريعة موسى. ولا يمكن تغييرهم إلى نهج بشري - إنساني يعترف بآدمية الآخر، لا سيما إذا كان الآخر هو « الفلسطيني »، ولا بأي حق له، من أي نوع.

من المؤسف أن الفلسطينيين والعرب اليوم، خارج ملعب التحديات، وخارج المطالبة بأن يواجهوها، بل خارج المعادلة كلها.. لأنهم أنزلوا أنفسهم إلى الدرك الأسفل من الهاوية باقتتالهم بعضهم وبعض، ورفعوا حتى أرنباً مثل بينيت إلى مستوى أن يتكلم عن « جعل الأرض تهتز »، إذا فكر أحد بطرح دولة للفلسطينيين على بعض أرضهم، في وطنهم التاريخي، فلسطين؟! ذلك لأن قوة التطرف العنصري، والإرهاب الصهيوني، ذات أسلحة، وصناعات، وعلاقات، وتحالفات.. بينما قوة العرب، حتى لو كانت ثروات وأموال وغير ذلك، فإنها تذهب باتجاه نحر الذات وإضعافها، والتنازلات، وما أتعسها.؟! فللنتظر إذن ما هو التنازل الفلسطيني - العربي الجديد، حتى لا يهز الأرنب بينيت الأرض، أرض فلسطين؟! عجيب وغريب.

إن علينا أن نقرأ التحولات الأميركية الأخيرة جيداً، بعد لقاء ترامب - نتنياهو، ومن ثم أن نفكر بالممكن، والمعقول، والمقبول، ونواجه ما ما يطرح « من حلول؟! ».. هذا إذا كان هناك من يطرح علينا حلولاً منطقية عادلة، لأعدل قضايانا « قضية فلسطين ».. ذلك لأن المطروح هو سحقنا وطردنا من الساحة السياسية.. فهل ستكون الولايات المتحدة الأميركية نهاية العالم، أم أن مجتمعاً دولياً خارجها، يمكن أن يقول لها لا.. ويفرض كلمته؟! سوف نرى.

 في المواجهات، لا سيما العسكرية منها، ليس المهم فقط، رفضك وحماستك واستعدادك للقتال، وثباتك على الأرض.. إذ أن من المهم أيضاً، وبدرجة أكبر، أن يكون لمن هم حولك، ولمن يحملون مشروعك، ويسعون إلى تحقيق هدفك/هدفهم.. مثل ما لك من الحماسة والثبات والاستعداد، وأن يكون لكم جميعاً أسباب القوة، ومقومات النجاح… وعند توافر ذلك بدقة، لا بد لكل من سلاح محرَّر من إرادة الآخرين وحكمهم، واقتصاد يحمل الأعباء، وحلفاء وأنصار يغنون لك ومعك، لا منافقين يحتلون مكانة لديك بتملقهم وتزلفهم.

المعضلة ستبقى مستمرة، إلى أن يتاح للعرب قوة، ووعي، وهدف موحد، وموقف، وقرار مستقل.. وإلى أن يأتي على الصهاينة وقت يندحرون فيه من الداخل قبل الخارج. وإلى أن يحين ذلك، أو شيئٌ منه، فإن المقاومة هي الخيار الذي يجب أن يبقى مُعْتَمَداً، وحياً، ومرفوعاً.. إلى أن يتحقق ما يمكن أن يجعل فلسطين التاريخية عربية، وخالية من العنصريين، ودولة لكل العائدين إلى ديارهم من أبناء الشعب الفلسطيني الذين طال تشردهم، وتستمر معاناتهم، ولمن ينضوي تحت علَم هذه الدولة من اليهود، بوصفهم مواطنين على قدم المساواة مع غيرهم، في ظل دولة فلسطينية، عربية، مستقلة، لا عنصرية ولا إرهاب ولا تجاوزات على القوانين والحقوق والحريات فيها. .

وهنا نقول، على عكس ما قال الصهاينة، تحية للثوار وللمقاومين الذين يواجهون الاحتلال الصهيوني، باللحم والدم والعظم، رافعين راية الكرامة والحرية والتحرير والاستقلال فوق كل اعتبار.. تحية لمن مضوا نوراً وقدوة ومشاعل على هذه الطريق، ومرحباً بالمقاومة والمقاومين، الذين ينبعثون قادة من سجون الاحتلال الصهيوني، ومناضلين أشداء، غير منسلخين عن شعبهم، وأمتهم، وقضاياهم.. ولو قضوا في غياهب تلك السجون عشرات السنين.

 

دمشق في الجمعة، ١٧ شباط، ٢٠١٧

 

 

كلمات دلالية