خبر أهلنا في النقب..نحن منكم وأنتم منا ..بقلم: حسن لافي

الساعة 11:31 ص|31 يناير 2017

إن حدة التوتر بالعلاقة ما بين أهلنا البدو في النقب وبين دولة الكيان ,هي ظاهرة آخذة بالازدياد في الآونة الأخيرة لا تخفى عن عين المراقب للشأن الإسرائيلي, فتكرار العمليات الفدائية التي قام بها أفراد من أهلنا البدو في داخل فلسطين المحتلة, وازدياد الفعل النضالي لهذه الشريحة, وتنامي انخراطها بالنضال العام لجماهير شعبنا في فلسطين المحتلة عام 48, كردة فعل طبيعية وشرعية على سياسات الاضطهاد والتمييز العنصري للاحتلال الإسرائيلي, من مصادرة للأراضي وهدم للبيوت وانعدام المساواة  ونسب الفقر المتزايد التي طالت 80%من السكان البدو في النقب ,والتي تعتبر أكبر من نسبتها في المجتمع اليهودي بسبعة أضعاف, أضف إلى ذلك الانعدام شبه التام للبنى التحتية الأساسية  داخل القرى البدوية المعترف بها من « الدولة » والتي يسكنها فقط 59%من السكان البدو. أما البقية وهم حوالي 80,000 مواطن عربي فيسكنون في قرى ترفض « الدولة » الاعتراف بها وتثبيت مكانتها, وتنعدم فيها الخدمات الأساسية بشكل كامل، رغم أن القسم الأكبر منها أقيم قبل قيام « إسرائيل »، والقسم الآخر أُقيم إِثر ترحيل الكيان للسكان من أراضيهم إلى مواقع قراهم الحالية, بالمقابل, أقيمت منذ احتلال فلسطين113 قرية وعشرات المزارع الخاصة للمواطنين اليهود في النقب.

  

ورغم أن مقاومة أهلنا في النقب تأتي في سياق الرد الطبيعي على تلك السياسات الإحلالية ,إلا أن كثير من الوزراء الإسرائيليين يطالبون بطرح هذه العلاقة على طاولة النقاش الصهيوني من جديد على ضوء تلك المتغيرات, فجلعاد أردان وزير الأمن الداخلي من الليكود « يتوقع حدوث تحول جوهري بمسيرة هذه العلاقة » , ويشاركه في الرأي؛ ولكن بتوصيف أكثر حدية وزير الإسكان يوآف جالنت من حزب « كولانو » ,الذي « يطالب بالتعامل مع »الإرهاب البدوي« بسياسة اليد القوية.

  

إن الدراسة المتأملة لتاريخ هذه العلاقة وسياق تطوراتها, تشير إلى أن تحولاً يحدث في تلك العلاقة من خلال خلخلة قوية للتحالف, التي حاولت صُنعها الحركة الصهيونية مع البدو في النقب , والتي تهدف على أقل تقدير تحييدهم عن الصراع، وإفراغهم من هويتهم الفلسطينية, وسلخهم عن جذورهم الفلسطينية وامتداداتهم العربية والإسلامية ,و خاصة أن البعد الإستراتيجي لمنطقة النقب حاضر دائماً في عقلية المخطط الصهيوني.

 

ومن خلال متابعتنا للمجتمع البدوي داخل المشهد الإسرائيلي العام,  نلاحظ أن أهلنا في النقب المحتل خطوا خطوات مهمة بإفشال تلك المخططات الإسرائيلية ,مؤكدين على فلسطينيتهم المستهدفة صهيونياً, وذلك يعود لعدة عوامل أهمها:

 

1- ما هو متعلق بالتغيرات الاجتماعية التي تمر بها  هذه الفئة ,من ازدياد في عدد سكانها , وارتفاع نسبة المتعلمين داخلها , وانفتاحها على العالم العربي والإسلامي بطرق شتى , مما زاد من تنامي الشعور لديهم بالظلم من قبل »الدولة« ومؤسساتها,كل ذلك يجعل السؤال عن الهوية سؤالاً ملحاً .

 

2- ما هو متعلق بالعنصرية الصهيونية التي لم تنس للحظة مشروع  الترانسفير للعرب, حتى ولو اعترفوا بها وخدموا في جيشها مثل بعض القبائل البدوية , فحتى الخدمة العسكرية لهذا البعض  لم تعط العقل الصهيوني المبرر لتحسين حياتهم, وبذلك لم يشعروا بفارق يذكر بينهم وبين الآخرين الذين لم يخدموا في الجيش .

 

أضف إلى ذلك الانزياح اليميني المستمر داخل المجتمع الإسرائيلي وداخل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة, والعلامة الفارقة في ذلك مخطط »برافر« والسياسات التمييزيّة ضدهم في مجال الأراضي والتخطيط.

 

 ناهيك عن العقل اليميني الإسرائيلي الذي لا يفرق بين عربي وآخر واعتبارهم »أعداء" وليسوا مواطنين, , تلك العقلية التي تجلت بممارسة الشرطة القمعية في أم الحيران.

 

3- ما هو متعلق بالتطور السياسي في المشهد العام لأهلنا في ال48 والتي تمثل بإنشاء القائمة العربية المشتركة كجسم تمثيلي واحد , ونجاحها حتى الآن بقدرتها على الحفاظ على تماسكها ووحدتها , هذا أعطى زخماً للعشائر البدوية للتقدم بمزيد من المطالب ومزيد من إعلاء الصوت في وجه الحكومة الإسرائيلية .

 

4- ما هو متعلق بالجانب الاقتصادي , ورغم حالة التطور المستمر للنقب التي تصب فقط لخدمة اليهود دون غيرهم , مما يزيد من الضغوطات الاقتصادية على البدو مع ارتفاع نسبة التوقعات لديهم بجسر الهوة الآخذة بالاتساع مع المجتمع اليهودي المحيط.

 

وبناء على  ما سبق, الواجب على الحركة الوطنية الفلسطينية ومن خلفها كل أطياف الشعب الفلسطيني, العمل الجاد على مؤازرة ومساندة أهلنا في النقب في تعزيز هويتهم الفلسطينية العربية ,التي تتناقض كلياً مع الصهيونية وإسرائيل, , مع الأخذ بعين الاعتبار أن الذي سيصنع تلك  الهوية هم أهلنا في النقب أنفسهم , بعيداً عن سياسات التدخل والإملاء المتبعتين بالسابق.

   ولكي لا نبقى نراوح في مرحلة التنظير, لنبدأ بمد جسور التواصل مع هذه الشريحة من شعبنا, , ولإنجاح ذلك يجب تخطي مربع دوامة الشعارات العشوائية ,التي ميزت تعامل الحركة الوطنية مع أهلنا في ال48, والتي أحدثت حالة من انفصام الأهداف وفي الكثير من الأحيان تضاربها, وخاصة بعد أن تخلت اتفاقيات أوسلو عن هذا الجزء الأصيل من الشعب الفلسطيني, والبدء بطرح خطاب سياسي جديد يعيد اللُحمة والدمج لتطلعات أهلنا في الداخل المحتل وطموحاتهم و خاصة في النقب بالسياق العام لقضية الشعب الفلسطيني وثوابته الوطنية ,متمسكا بوحدة الآمال والأهداف للكل الفلسطيني أينما تواجد, آخذاً بعين الاعتبار الخصوصيات المتعلقة بالحالة المعقدة لأهلنا في ال48 وفي النقب خاصةً سواء في طبيعة الصراع ,أو سواء في آليات المقاومة و أدواتها ونوعياتها وأهدافها,أو سواء بحيثيات المتطلبات الحياتية لهذه الشريحة.

  وبذلك نكون قادرين على التصدي للمخطط الصهيوني, مهما كانت المسميات القانونية لهذا الجزء أو ذاك من الشعب الفلسطيني, حيث يبقى الشعب الفلسطيني كُلاً لا يتجزأ .

 

كلمات دلالية