هل المرض النفسي هو الجنون؟

خبر العلاج النفسي في غزة جُرم لا يغتفر يُدار في الخفاء خشية الفضيحة

الساعة 08:33 ص|31 يناير 2017

فلسطين اليوم

أن تقوم بزيارة عيادة الطبيب النفسي أو مركز خاص بالصحة النفسية فإن الأمر في غزة يبدو كالجُرم أو أكبر، وتكبر المشكلة وتضيق النظرة إذا كانت الزائرة للمكان « فتاة » فإن الشكوك تُثار وتتضخم وتوضع علامات الاستفهام مجتمعيًا وأسرّيًا، فمن الصعب أن تجد أسرة تتفهم فكرة المرض النفسي الموازي للجسدي بل الأكثر خطورة منه ومدى حاجة المريض لعلاج يتضمن العديد من الخطوات أهمها الاحتواء الأُسري والغطاء المجتمعي للفكرة ذاتها وللمريض في إطارها.. كل ذلك يطرح سؤال مفاده « لمن تُقدم الصحة النفسية بغزة خدماتها العلاجية لما يُقارب 74 ألف حالة سنويًا؟! ».

المجتمع يرفض

« فلسطين اليوم » استطلعت آراء بعض الغزيين حول فكرة إرسال « ابنك/تك » للعلاج النفسي إذا احتاج الأمر، فكانت الردود متباينة وجاء أغلبها في الاتجاه السلبي الرافض للفكرة تِبعًا للثقافة المجتمعية القائمة والنظرة الضيقة للمرضى النفسيين بغزة.

آلاء الحداد « 23 عامًا » ترى أن المشكلة تتمثل في المريض نفسه الذي يُحاول أن يُحافظ دائمًا على سرية الأمر، لقولها: « أنا شخصيًا إذا تعرضت لمشكلة نفسية فإن زيارة الطبيب هي اخر خيار ممكن أن أقوم به، وإن الكثير من المرضى يبذلون أقصى جهودهم لإخفاء حقيقة متابعتهم لدى لطبيب نفسي أو حتى مجرد معاناتهم من معضلة نفسية ».

« إذا امتلكت الفتاة الجرأة وأفصحت في إحدى مجالس البنات بالجامعة مثلًا عن متابعتها لدى مركز للصحة النفسية تجد وجوه الفتيات بسرعة قد تلونت وبدأت ملامحهم بالتغير، وإذا تصرفت يومًا ما تصرفًا غير لائق تجدهم يقولون (مريضة) بازدراء تام، كأن في الأمر وصمة عار ». هذا ما أكدته الحداد.

أما جمال الخالدي « 38 عامًا » يرى أن فكرة ارسال إحدى فتياته إلى طبيب نفسي غير واردة لديه بالمطلق، مُرجعًا الأمر لما تربينا عليه من عادات اجتماعية تُعيب الفكرة وتنقص من قدر الفتاة التي قد تتعرض في إحدى منعطفات حياتها لرعاية طبية نفسية نتيجة أي ظرف من ظروف، وفق قوله.

أما فداء الأحمد « 29 » عام وقد اضطرت للمتابعة لدى معالج نفسي في مركز خاص بالصحة النفسية بعد طلاقها واستياء نفسيتها نتيجة ابتعاد الأبناء، تقول: « في كل شعوب العالم المتحضرة يُعد الأمر أكثر من عادي إلا في غزة فإنه كارثة »، متسائلة: « إذا تعرض المرء منّا لألم في البطن سيقوم مباشرة بمراجعة طبيب باطنة، لماذا إذن لا يتوجه لمختص نفسي إذا تعبت نفسيته؟ ».

أسباب وحلول

وبشكلٍ عام فإن النظرة المجتمعية الدونية للمريض النفسي تأتي من الخلط بين المرض العقلي والمرض النفسي وبين مهام الطبيب النفسي ومهام المعالج أو الحكيم النفسي؛ الأمر الذي يجعل ثقافة المجتمع تحط من قدر مرتاد الصحة النفسية واصفةً إياه بـ « المجنون ».

من جهته أكد الحكيم النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية، يحيى الهرباوي على أن مهنة المعالج النفسي هي مهنة مستقلة بذاتها، وللمعالج في مجال عمله حالاته التي يتابعها مثله مثل الطبيب النفسي، مبينًا أن هناك نظام عمل الفريق الذي يجتمع في النهاية لتحديد نوع المرض والتشخيص ووضع خطة علاجية للحالة سواء كانت بالعلاج النفسي أو بالأدوية.

ويختص مجال عمل الطبيب النفسي بعلاج الأمراض النفسية الناتجة عن اضطرابات في الأعراض النفسية سواء في القلق أو الوساوس أو نوبات الهلع أو اضطرابات ما بعد الصدمة النفسية ويستخدم في علاجها العقاقير، أما المعالج النفسي فيهتم بالصحة النفسية للمريض ويستخدم الأساليب النفسية والإرشادية والتدعيمية والسلوكية في علاجه.

بينما الأكثر خطورة من الأمرين هو المرض العقلي الذي يلزم متابعة لدى الطبيب النفسي ومتخصص المخ والأعصاب الذي يصف الأدوية أو الصدمات الكهربائية، كما يوضح الهرباوي مشيرًا إلى أن المريض النفسي يُقبل بذاته على الطبيب النفسي أما المريض العقلي لا يستبصر أنه مريض ولا يقر بذلك فيكون علاجه بالغالب بالأدوية.

وأرجع الهرباوي الثقافة المجتمعية المحافظة القائمة إزاء المرض النفسي للأسرة ذاتها التي تعتبر اللبنة الأولى في تكوين الأفكار السليمة عن مختلف القضايا فالمجتمع ينظر للمرض النفسي بتوجس وبوصمة عار، مفيدًا أن النظرة الصحيحة للمرض النفسي هي نظرة العلم الحديث بحيث لا يمكن أن نعتبر مطلقًا أن المرض النفسي هو الجنون.

وأكد على ذلك قائلًا: « ممكن أي شخص فينا يحتاج لأخصائي نفسي يفرغ انفعالاته، ويحتاج إلى  بعض التوجيهات السلوكية نتيجة مزاج حزين أو توتر أو بعض الكآبة » مشيرًا إلى أن هناك فرق في علم النفس بين نمط المشكلة واضطراب المشكلة فالجميع _وفق قوله_ يُعاني من أنماط ولكن يُمكن ألا تكون وصلت للاضطراب الذي يدخل دائرة التشخيص المحدد بمواصفات محددة.

وشدد يحيى الهرباوي على أن هناك تغير حاصل بنظرة المجتمع تجاه المرض النفسي عن السابق يعود للمؤسسات النفسية الفاعلة التي عملت جاهدة على إيضاح فكرة أن النفس تُكسر كما تُكسر القدم، مبينًا أن هناك وعي تدريجي كبير بدأ يظهر في استيعاب الفكرة التي أصبحت تقتصر على المرأة كونها تُقبل على الزواج وحياة أخرى.

وقال المعالج النفسي أن معاناة الناس من المريض العقلي هي التي تدفعهم للإقبال على الطبيب النفسي بشكل أكبر فمرتادي العيادات الطبية النفسية أكبر بكثير من المتوجهين للمعالج النفسي بغرض مشكلة نفسية، محذرًا من أن الإحجام عن العلاج النفسي نتيجة اضطراب كقلق وكآبة قد يؤدي إلى مرحلة لا يحتملها المريض ويضطر فيها التوجه للطبيب.

ويحافظ فريق العمل النفسي على سرّية المعلومات التي يقدمها المريض لطبيبه أو معالجه بحيث تدون كافة المعلومات الخاصة به في ملف برقم معين دون اسم ولا تكشف خصوصية معلوماته الشخصية وأسرار مرضه نهائيًا.

كلمات دلالية