قد يجرهم للإدمان

تقرير بين الفضول والتقليد.. أطفالٌ ينفثون دخانِ سجائرهم

الساعة 08:08 ص|19 يناير 2017

فلسطين اليوم

قد يبدو المشهد غريبًا نوعًا ما أن ترى طفل في الصف الثاني الابتدائي يحمل بحقيبته المدرسية خمسة سجائر، بينما تعلق السيجارة السادسة في جيبِ بنطاله، لكن الظاهرة بدت متفشية بين طلاب المدارس في أواخر المرحلة الابتدائية وفي مرحلتي الاعدادية والثانوية.

تختلف الأسباب والدوافع في مجتمعنا التي تدفع الفتية للتدخين غير آبهين لأضراره الصحية، فيما يتمثل دور الأسرة غالبًا بالوقوف مكتوفة الأيدي أو اتخاذ اجراءات صارمة وقامعة تجاه الطفل الذي لم ينجر للتدخين إلا نتيجة واحد من أمريْن إما تقليد الكبار أو شغف التجربة.

استطلاع رأي

في استطلاع للرأي أجرته « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » بين صفوف المدخنين الصغار أو أولياء أمورهم، قال أحمد زياد (11 عام) إنه يحاول شرب السجائر منذ كان في الصف الأول من خلال تناول بقايا سجائر والده، بحديثه: « في الماضي كان يضحك أبي إذا رآني أحاول تقليده بتدخين سجائره المستهلكة أما الآن فإذا عرف أنني أحمل سيجارة فإنه يوبخني بشدة ويأخذها منّي ليتناولها هو ».

أما خالد صبح (15 عاماً) والذي بدا مشغولًا بسماعاتِ أذنيه المتصلة بهاتفه المحمول غير مكترث لسؤالنا له عن أسباب تناوله للسجائر أجاب مستنكرًا: « ما الأمر؟ إنني شاب وهذا شيء طبيعي عند الرجال كما أنه من حقي »، مشيرًا إلى أن أغلب رجال عائلته لا سيما والده وجده يتناولون الدخان.

وعندما استدعت المدرسة الابتدائية والدة الطفل عدي جمال (8 سنوات) نتيجة عثور معلمته على عدد من السجائر في حقيبته كانت تستشيط غضبًا وهي تتوعد لطفلها بأن تجعل أبيه يضربه ويعاقبه، وعندما أخبرتها المرشدة التربوية بتقديم إنذار لطفلها بعد هذه الحادثة بررت الأمر بأن السجائر تعود لأبيه والطفل يأخذها دون علمه..

وتنتشر ظاهرة التدخين في مدارس الذكور بين أوساط الطلاب الذين لا يتمكنون _بطبيعة الحال_ من شراء علب المالبورو والمانشستر والرويال والـLM  التي تتجاوز سعر الواحدة منها الـ « عشرين شيكل » أي نحو خمس دولارات، ويتوجهون لشراء الدخان « النفل » أو شراء الدخان بالسيجارة من باعة الطرقات.

مرشد المدرسة

ويتمثل دور المرشد التربوي في المدرسة بمحاولة الحديث مع الطالب وفهم أسباب اقباله على التدخين حيث يؤكد المرشد خالد عمار في إحدى المدارس الاعدادية أنه يمر عليه حالات من الطلاب المدخنين بشكل شبه يومي إما بالعثور على بضعِ سجائر في حقائبهم أو بمشاهدتهم يتناولونها في الفسحة المدرسية.

ويقول عمار في مقابلة مع « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » أنه يجلس مع الطالب ويقوم بتعريفه على مضار التدخين الذي يدمر الجهاز التنفسي ويتسبب بأمراض القلب على اختلافها وهو سبب رئيس في سرطان الرئة، أما إذا تكررت الحادثة مع الطالب ذاته فيرسل انذارًا بحضور ولي الأمر لمتابعة المشكلة.

ويحاول بالتعاون مع الأسرة الوصول لحل المشكلة الحاصلة، كما يقوم بطرح القضية خلال الاجتماعات الدورية مع أولياء الأمور والتأكيد على ضرورة الحذر منها، مشيرًا إلى أن أغلب الأسباب التي تدفع الطلاب لتجربة التدخين أو ممارسته فعليًا هي الاقتداء بالكبار كتعبير عن الرجولة أو ربما نتيجةً للفضول.

وبيّن أنه إذا كان الوضع الأُسري للطالب مفكك يقوم بحل المشكلة من خلال جلسات مع الطالب بدون أسرته؛ لكن هذا الأسلوب يدفع الطالب أحيانًا للكذب على المرشد نتيجة عدم اهتمام الأهل وافتقاد جهدهم في الإطار.

أساليب للعلاج

الأخصائية الاجتماعية عُروب جملة أكدت أن دوافع اقبال الفتية على التدخين تتنوع ما بين أسباب اجتماعية نتيجة تدخين أحد الوالدين أو كلاهما مبينةً أن ما يقوم به الآباء من سلوكيات يمرر إلى الأبناء بأنه عمل صالح، أو نتيجة تأثير الأصدقاء من خلال محاولات اقناع بعضهم لبعض بتجربتها أو إثر رهانات تحدث بينهم.

وأبدت جملة في اتصالٍ هاتفي مع « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » أسفها الشديد نتيجة وجود فئة من أعمار 8 و7 سنوات أيضًا يمارسون التدخين وعزت ذلك إلى تفكك الأسرة وغياب دور الأهل الذي يستغله الأبناء في الانجرار لأي نوع من الانحرافات، مشيرةً إلى أن تماسك الأسرة  والتربية الحقة تُلقي بظلال ايجابية على الأبناء فتقل انتشار هذه الظواهر فيها ويسهل علاجها.

ويؤدي التدخين إلى الإدمان ويحتاج التعلق به لجلسات علاجية من قبل أطباء كما يلزم فِطام عنه _بحسبِ جملة_ التي أوضحت أن دور الأسرة هو الأهم مُجتمعيًا ويتمثل في ضرورة مصارحة الابن والحديث معه بوضوح ورويّة وسماعه دون استخدام الحِدة التي تودي لجعله يحتفظ بأسراره عنهم.

ودعت عروب جملة لضرورة معرفة أصدقاءه والتعرف على الأسباب التي دعته لذلك، أما اذا كان الأهل يمارسون التدخين فتؤكد جملة أن أمر ابتعاد ابنهم عنه لن يكون سهلا أبدًا، وعليهم أن يقرروا معًا الاقلاع عن التدخين اذا كانوا مهتمين جدًا بمشكلة طفلهم.

ويقع على كاهل الأهل مهمة انذار أبنائهم وتحذيريهم من الاقبال على ذلك الأمر وإذا كانت استجابة الطفل للتحذيرات التي بطيئة فعلى الوالدين البدء بتنفيذها مُباشرة كمنعه من المصروف أو التشديد عليه في علاقاته وأصدقائه؛ ليشعر بمدى خطورة الأمر ومدى اهتمامهم بالظاهرة _ وفق قولها_ محذرةً الفتيان من محاولة التجربة التي قد تقوده لأمور أكبر وأكثر خطورة.

وبينت أن تجاهل الأهل للموضوع في البداية واستخفافهم بالقضية نتيجة صغر سن الطفل مثلًا ينبع من جهلهم بخطورة المشكلة وعدم ادراكهم لكِبر حجمها، وحثت المدرسة أن تحتفظ بخصوصية مشكلة الطالب المدخن بعدم توبيخه أمام زملائه والحديث معه بهدوء دون صراخ وبشكلٍ منفصل لمعرفة الأسباب والوصول لآليات علاج المشكلة.

يُذكر أن  نسبة التدخين في قطاع غزة من أعلى النسب في العالم مقارنة بعدد السكان حيث تشير الدراسات في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن عدد المدخنين فيها يبلغ 800 ألف مدخن، يحرقون سنويًا حوالي 537 مليون دولار. ويقدر عدد الوفيات الناتجة عن أمراض مرتبطة بالتدخين في الضفة وغزة بحوالي 4000 حالة وفاة سنويًا.

كلمات دلالية