خبر الشهيد علاء السعدي.. قدوة حيّة في الأخلاق والإصرار

الساعة 12:38 م|05 يناير 2017

فلسطين اليوم

الشهيد علاء السعدي.. قدوة حيّة في الأخلاق والإصرار

في المخيم ومن زقاق لآخر، تِهنا مراراً ونحن نبحث عن ذلك المنزل، المنزل الذي تربى وترعرع فيه ذلك الفارس الذي ترجل عن صهوة جواده، مقبلاً غير مُدبر ليجعل من أشلاءه دروسا وعبر يتعلمها الصهاينة وجنودهم.

كأس من الشاي امتزج برائحة النعناع ومرارة الدموع.. كانت بداية الحديث عن سيرة ذلك البطل الذي بقيت صوره وأخلاقه وصفاته شاهدا على جوده وحبه لوطنه.

 ميلاده ونشأته:

أيلول.. هو الشاهد على ميلاد الشهيد علاء عبد اللطيف السعدي من مخيم جنين يوم  15/9/1984 في المدينة المنورة، له 4 أخوة هو خامسهم و4 أخوات.

درس في المدينة المنورة حتى الصف الثالث الابتدائي، ثم انتقل إلى فلسطين لتكون على موعدٍ مع فارس جاء من بلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاملاً معه نهجه ورسالته.

أنهى دراسته للصف التاسع في مدرسة جنين الثانوية ليترك مقاعد الدراسة لإعانة والده على كسب لقمة العيش بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية التي ألمت بالأسرة.

عمل في النجارة ومن ثم في البناء لتكون محطته الأخيرة في جهاز الأمن الوطني الفلسطيني.

صفاته وأخلاقه:

« 11 عاما على استشهاده ولو بعد 50 عاما لن أنساه.. هو قطعة مني » بهذه الكلمات بدأ أبو قاسم حديثه عن صفات وأخلاق نجله الشهيد علاء.

ويكمل بالقول: كان يخاف الله في كل عمل يعمله، ملتزما بصلاته، يحب الناس ومساعدة المحتاجين، بشوشا ضحوكا، حافظا لأجزاء من كتاب الله، هذا ما يعزيني باستشهاده« .

فمن شدة المحبة التي كان يحظى بها في حيه، قامت 4 عائلات بتسمية أبنائهم باسمه، لكي يبقى اسم علاء حيا يردده الجميع.

يقول والده: إحدى شقيقاته سمّت ابنها علاء وهو الآن في التاسعة من عمره، ويحمل كل صفات عمه من أخلاق وخُلق والتزام وأدب وشهامة وهدوء ».

أما شقيقه محمد فيقول: كانت علاقتي به كالسمكة التي لا تستطيع أن تفارق الماء، كان دائما يوصيني بالحفاظ والالتزام بالصلاة والتفوق بدراستي، وكان دائم الوصية لي ولأخوتي بأن نكون بارين بوالدينا وأن نحافظ على صلاتنا وأخلاقنا« .

 الوالدة كان وصفها للشهيد علاء مختلفا، لتقول: لا أستطيع وصفه بالكلمات، ليس لأنه ابني، فعندما كان يتواجد في البيت ويشعر الجيران به كانت تتحول أجواء الحي إلى حيوية ونشاط ولعب وتزاور، كان محرك الأسرة والحي، حتى أنه كان يقبل قدميّ عندما يشعر بأنني تضايقت منه بأي شيء بسيط ».

وتضيف: كان دائما يطلب مني أن أنذره لله منذ أن كان في الثامنة عشرة من عمره، ويقول « نحن خمسة أخوة لا بأس إن صرنا أربعة » ، وكان كثيرا ما يردد « أريد الزواج من الحور العين ».

بسرية، وعزيمة وثبات، سار شهيدنا في درب الجهاد، وبالتحديد في صفوف سرايا القدس، حتى أنه لقب بعد استشهاده بالمقاتل الصامت لعمله الجهادي الغامض، ولعدم معرفة كيف ومتى ومع من مارس الجهاد في سبيل الله.

العملية والاستشهاد

لعب ومزاح وضحكات ملأت المنزل، ولسان لم يكل ولم يمل عن التذكير بالحفاظ على الصلاة وعمل الخير، والنهي عن المنكر.

 لم يكن يعلم أحدهم بأن علاء يقضي ساعاته الأخيرة، ويودعهم على طريقته الخاصة، تلك هي الليلة الأخيرة بين أهله وذويه، وصحبه وخلانه.

 الأب يتحدث لنا صابرا محتسبا يحبس دموعه ويرسم لنا بسمته التي تملأ وجهه ويعبر بها عن رضاه عن علاء.

يقول: أكثر لحظات الألم هو اليوم الأخير عندما أيقظته من نومه للتوجه لعمله، استيقظ وبدأ بإعداد نفسه للذهاب إلى مقر المقاطعة في جنين، وكنت قبلها بيوم أشعر بالحزن والضجر ولا أعلم ما السبب« .

أما والدته فتقول: استحم وتناول فطوره وخرج ولم يقل لي سوى مع السلامة يا حجة، بعد خروجه من الباب توجهت إلى نافذة المنزل لكي ألقي النظرة الأخيرة والتي لم أكن أعلم بأنها الأخيرة ولكن ما دفعني هو النار التي اشتعلت في قلبي حينها ».

وتتابع حديثها: اتصل بي وودعني مساء الأربعاء، وسألني هل تريدين شيئا؟ فأجبته: سلامتك وأنهى المكالمة، علما بأن عمليته كانت صبيحة يوم الخميس 29/12/2005 الساعة 8:30 صباحا.

بالتزامن مع موعد وقوع العملية الاستشهادية استيقظت الأم على صراخ قريب منها، وصارت تبحث في غرف المنزل عن مصدر الصوت، وأطلت من نافذة المنزل وقلبها يمتلئ نارا؛ لكنها لم تكن تعلم بأن الصوت هو صرخة الله أكبر من شفاه علاء مودعا متاع الدنيا، منتقلا إلى نعيم الآخرة.

بدأ المواطنون بالتوجه لمنزل الشهيد علاء وعائلته لا تعلم ما الخطب، ولم يكن أحد منهم يعلم بأن علاء هو منفذ العملية، سوى شقيقه أحمد الذي كان يعمل مرافقا لمدير جهاز الأمن الوقائي في الضفة، والذي علم بطريق الصدفة عندما تردد اسم علاء أمامه أكثر من مرة.

يقول والده: اتصل بي ابني أحمد من رام الله وسألني أكثر من مرة عما إن كان هناك أي شيء وكانت إجابتي لا شيء، ما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر اليقين، وزوجتي على سطح المنزل تنظر لأهل المخيم يتوافدون لبيتنا وهي مستغربة، لتكون الكلمة لنجلها قاسم عندما أخبرها بأن علاء هو منفذ العملية، وقال لها « لا تحكي ولا كلمة ولا تصرخي، فردت: كيف ومتى؟ لا تخربش بالكلام ».

متعب، مرهق، قلق، حال الأب الذي عاد من عمله غير عالم بأن نجله وفلذة كبده ارتقى شهيدا في العملية الاستشهادية التي كان يشاهد أحداثها على التلفاز.

من جنين إلى طولكرم، حمل حزامه برفقة المجاهد صهيب العجمي من قرية عتيل قضاء طولكرم،

لم يعلم أحد أين هي وجهتهما، ولكن ما يعرفه الجميع أنهم تفاجئوا بحاجز طيار للجيش الإسرائيلي أجبرهم على النزول من السيارة التي كان يستقلها 7 ركاب، ما دفعهما لتفجير جسديهما فداء لله والرسول وفلسطين، حيث قتل في العملية جنديان وجرح آخرون.

يوم زفافه:

يروي لنا والده أبو قاسم تفاصيل حفل زفاف الشهيد إلى الحور العين ويقول: توجهت إلى مستشفى طولكرم أنا وأخي مصطفى ومجموعة من الأقارب، مررنا بجبال كثيرة بسبب وجود اجتياح في حينها لمقاطعة طولكرم، وعندما وصلنا المستشفى منعوني من الدخول لتشخيص جثمانه، ودخل أخي وتعرف عليه، وأحضرناه لمستشفى جنين.

 صاح المؤذن الله أكبر، جاء موعد زفة العريس، أقيمت الصلاة وسارت الجنازة من مسجد المخيم إلى مقبرة شهداء مخيم جنين.

يضيف الوالد: بعد يومين من دفنه جاءنا اتصال من مستشفى طولكرم بأن قدم علاء الأخرى موجودة لدينا فأرسلوا من يحضرها، وقمنا بحفر نصف متر فوق قبره ودفناها".

كلماته وابتسامته وشهامته ونخوته، أدبه وتدينه وبساطته، كلها شواهد باقية في بيته والحي الذي يسكنه، هكذا هي سيرة الشهداء.

كلمات دلالية