بقلم: أوري مسغاف
إن إدانة اليئور ازاريا بالقتل غير العمد ليست دراما. لم يكن بالامكان عدم ادانته. لأنه يوجد فيلم يظهره بوضوح وهو ينفذ الاعدام. كان يمكن انهاء محاكمته في يوم واحد. واطالتها كانت من اجل خلق ضغط (خارجي، جماهيري، سياسي). إن من يريد مصلحته – محاميه في قاعة المحكمة، ومؤيديه خارجها – حولوا المحكمة الى مهزلة. وكانت المهزلة هي السنونو الذي يبشر بمرحلة ما بعد الحقيقة الأورويلية.
الحقبة التي وصلت الى ذروتها في الاحداث المتواصلة مثل حملة الانتخابات لدونالد ترامب وحملة بقاء بنيامين نتنياهو، في هذه الحقبة يستطيع رئيس الحكومة أن ينشر فورا بعد أن تم التحقيق معه تحت التحذير اعلانا يحتفل به ببراءته ويدعي المحامون أن الجندي الذي تم تصويره وهو يطلق النار بدم بارد، أنه بريء.
مرحلة الادعاءات هي الأكثر أهمية اثناء المحاكمة، حيث يوجد للدفاع هنا مجال واسع لمساعدة المتهم. ويستطيع، ليس فقط الاكتفاء بالشهادات والمطالبة بالرأفة، بل ايضا تأسيس ادعاء يمكن تسميته « خط الدفاع الشخصي ». محامو ازاريا اصدروا خلال المحاكمة خمسة خطوط دفاع متبدلة. لقد ألقوا بكل ما لديهم، أو كما يقال أطلقوا في كل الاتجاهات. في بعض خطوط الدفاع اعتمدوا على « شهود خبراء » محرجين. مثلا، ادعى طبيب التشريح المتقاعد يهودا هس بأنه لا يمكن معرفة اذا كان المخرب قد مات نتيجة اطلاق النار، والجنرال المتقاعد عوزي ديان قال إن الحديث يدور ليس فقط عن عادة دورية، بل هي مطلوبة ايضا. يمكن القول عن هؤلاء إن سنهم الكبيرة تخجل شبابهم.
خط دفاع مركزي آخر يقول إن ازاريا خشي من أن المخرب كان يضع حزاما ناسفا، كان غبيا بشكل خاص. لو قبل القضاة بهذا الكذب لكان عليهم التشديد ضده لأنه ليس فقط قتل مخرب محيد، بل عرض زملاءه ومن تواجدوا في الميدان للخطر.
إن خط الدفاع السادس يمكنه الآن وضع الجهاز أمام التحدي. وبالتأكيد عمل عدل تاريخي تجاه الحادثة التي عرضت كمحاكمة تاريخية. هذا خط يخرج من جديد عملية الاعدام من قاعة المحكمة العسكرية الى السياق الاوسع. إنه لا يبريء ازاريا من المسؤولية الجنائية عن افعاله، لكنه قد يُذكر بأنه لم يفعل وحده ولم يتصرف من فراغ. بالضبط مثل يغئال عمير، حيث أن الجهاز امتنع عن التحقيق مع الذين خلقوا الاجواء والشرعية التي دفعته لاطلاق النار على رئيس الحكومة (حاخامات وسياسيون ونشطاء من اليمين).
مثل مقتل اسحق رابين، قصة ازاريا ايضا موثقة. وزير التعليم نفتالي بينيت أخذ صورة وهو يتدرب في موقع اطلاق النار ويقول: « يجب قتل المخربين وليس اطلاق سراحهم ». وزير الامن الداخلي جلعاد اردان أعلن: « كل مخرب يجب عليه أن يعرف أنه لن يبقى حياً عندما يأتي لتنفيذ عملية ». ووزير المواصلات اسرائيل كاتس أعلن: « محظور على المخربين الذين يهاجمون اليهود أن يخرجوا أحياء ». رئيس حزب المعارضة الذي يسعى لرئاسة الحكومة، يئير لبيد، قال: « يجب أن يكون الامر واضحا – من يخرج سكين أو مفك، يجب اطلاق النار عليه من اجل قتله ». رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حافظ بحذر على الصمت، وبعد اطلاق النار اتصل كي يؤازر عائلة الجندي.
كل اولئك صمتوا بعد أن تحولت الاقوال الى افعال. وفي الوقت الحالي كان نتنياهو ووزراءه شركاء ناجعين في اقالة وزير الدفاع موشيه يعلون لصالح من يطالب بعقوبة الاعدام للمخربين، افيغدور ليبرمان. وهم لم يخرجوا للدفاع عن رئيس الاركان غادي آيزنكوت في وجه غضب الثلة المحرضة.
هؤلاء هم الشهود الحقيقيين للجندي اليئور ازاريا. إنه ليس إبننا جميعنا، إنه إبنهم.