خبر إدانة قاتل الشريف تُتيح للاحتلال التستر على إعدامات الفلسطينيين

الساعة 06:27 ص|05 يناير 2017

فلسطين اليوم

لم يكن قرار إدانة الجندي الإسرائيلي أليئور أزاريا، قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف، بتهمة « القتل غير المتعمد »، مفاجئاً لأحد في إسرائيل. لكن المفاجئ كان إصرار قاضية المحكمة العسكرية مايا هيلر، على استغلال البث المباشر والمفتوح لوسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية، للخروج عن المألوف في جلسات إعلان الإدانة في الملفات القضائية، سواء كانت عسكرية أم مدنية، وقراءة حيثيات قرار الإدانة، بعد ساعتين ونصف الساعة تقريباً من الجلسة، وسط حرص شديد في قراءة البيان، على تفنيد ادعاءات الدفاع عن الجندي القاتل.

وكان إصرار القاضية واضحاً في التأكيد على أن جريمة قتل الشريف هي « الاستثناء في سلوك وتصرفات الجنود الإسرائيليين »، في مواجهة انتفاضة القدس، التي انطلقت في الضفة الغربية والقدس المحتلة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015، وذلك من أجل طمس أي دليل أو مؤشر على انتهاج الاحتلال في مواجهة هذه الهبة، سياسة الإعدامات الميدانية، التي كانت بلغت أوجها في تلك الفترة، وتواصلت حتى بعد جريمة قتل الشهيد الشريف وهو ملقى على الأرض، بعد إصابته بعيارات نارية، قبل أن يجهز عليه الجندي القاتل أزاريا.

وبدا كلام القاضية كمن يشعر بحالة عدم ثقة من تقبّل الجمهور الإسرائيلي للقرار، والخوف من اتهام القضاء العسكري، بعد أن طاولت الاتهامات القضاء المدني، بعدم النزاهة وبتأثر المحكمة العسكرية بمقولات رجال السياسة والجيش، الذين وقفوا علناً مع وجوب محاكمة الجندي إنقاذاً لسمعة الجيش الإسرائيلي.

ولعل القرار المنمّق الذي تمت قراءته كاملاً، يكشف أيضاً مسعىً إسرائيلياً واضحاً لتصوير القضاء العسكري الإسرائيلي، بأنه قضاء مستقل، لا يتأثر بالضغوط السياسية ولا الشعبية ولا بما ينشر في وسائل الإعلام. وقد أشارت القاضية الإسرائيلية إلى هذا الأمر بشكل واضح وصريح عندما ادعت أن قرار المحكمة لم يتأثر بالجدل السياسي والشعبي في إسرائيل في قضية الجندي القاتل، وإن كانت أصداء هذا الجدل وصلت إلى مسامع القضاة.

وبغض النظر عن قرار الإدانة، فإن مما يلفت الأنظار في قرار الإدانة بتهمة القتل غير المتعمد، ينطوي على تناقض بين التهمة المخففة التي وجهت للجندي القاتل وهي تهمة القتل غير المتعمّد والتصرف بشكل غير لائق، وبين تحديد المحكمة بشكل لا يدع مجالاً للشك أن القاتل نفذ جريمته بدافع الانتقام، وبنية جنائية. مما يعني أنه كان يفترض أن تتم محاكمته، أصلاً وفق بند « القتل المتعمد »، وهو البند الذي تم حذفه بعد الضغوط المختلفة التي مورست في الداخل الإسرائيلي، بعد ساعات من إعلان قيادات الجيش والشرطة العسكرية والنيابة العسكرية بأن لا مفر من تهمة توجيه تهمة القتل بدم بارد، والقتل المتعمد للجندي القاتل، خصوصاً بعد ظهور شريط منظمة « بتسيلم » الذي يبين عملية الإعدام بشكل ظاهر للعيان.

ويخدم الانطباع الذي خلفته المحكمة، أثناء قراءة قرار الإدانة على مدار ساعتين ونصف تقريباً، هدف تصوير عمل المحاكمة العسكرية على أنه « منهجي وموضوعي، ويخدم سياسة الاحتلال وأهدافه في لفت الأنظار وإزاحتها عن سياسة الإعدامات الميدانية التي انتهجها جيش الاحتلال في مواجهة الهبّة الفلسطينية. ولا حاجة للذهاب بعيداً أو عودة إلى أحداث أخرى موثقة لإثبات نجاح الاحتلال، مؤقتاً على الأقل، في تحقيق ذلك ».

وأول دليل على هذا المكسب من محاكمة القاتل أزاريا، هي حقيقة غياب أي ذكر لقضية إعدام الشهيد رمزي القصراوي، الذي استشهد في نفس الموقع ونفس العملية، بل قبل الشهيد عبد الفتاح الشريف، إذ كان الاثنان معاً قد حاولا طعن جنود الاحتلال، مع ذلك فقد غيبت ظروف وملابسات استشهاد أو إعدام القصراوي، سواء خلال مداولات المحكمة الإسرائيلية في ملف القاتل أزاريا في الأشهر التسعة الأخيرة، أم عن الأجندة الفلسطينية. ويعني هذا أن الاحتلال تمكن مباشرة من إخفاء وطمس جريمة إعدام ميدانية في نفس وقت جريمة إعدام الشريف، لكنها لم تكن موثقة مرئياً. وحتى بعد أن أظهرت منظمة « بتسيلم » شهادات لفلسطينيتين من الخليل هما نور وأماني أبو عيشة، أكدتا فيها مشاهدتهما جنود الاحتلال، وهم يعدمون القصراوي، ظل الحدث بعيداً عن الأنظار وعن الاهتمام.

وكان لافتاً ما حرصت القاضية الإسرائيلية على إدراجه في تفسير قرار الإدانة المخفف ضد القاتل، لناحية نفي قول الدفاع عن القاتل بأن القضاء العسكري والنيابة العسكرية تتعامل بانتقائية مشبوهة، في تقديم لوائح اتهام ضد جنود الاحتلال الذين أطلقوا النار على فلسطينيين وقتلوهم، فادعت بأن مثل هذه الانتقائية غير قائمة. ولم يكن بمقدورها أن تفعل غير ذلك لأن الهدف الأول من المحاكمة هو « التضحية بجندي واحد » مقابل حماية عشرات الجنود الذين نفذوا عمليات إعدام ميدانية، ظلت هوياتهم وملفاتهم طي الكتمان. وليس أدل على ذلك من حقيقة عدم الكشف عن هوية الجندي الذي أطلق النار في نفس النهار وفي نفس الموقع والساعة على الشهيد رمزي القصراوي.

لكن ما كان طاقم الدفاع يقصده، هو حالات كثيرة أخرى ثبت فيها تورط جنود الاحتلال في عمليات إعدام ميدانية، حتى « بدون سبب كاف » وفق العرف الإسرائيلي، كحالة قائد لواء بنيامين في جيش الاحتلال، العقيد يسرائيل شومر، الذي ثبت قيامه بإطلاق النار على الفتى الفلسطيني الشهيد محمد هاني الكسبة من الخلف، لمجرد أنه رشق جيبه بالحجارة، حتى بعد أن فر من المكان. وعلى الرغم من ثبوت صحة الواقعة إلا أنه لم تتخذ أي إجراءات ضد شومر.

وينطبق الأمر على عشرات الحالات الأخرى التي تم توثيق بعضها، والتي تؤكد بأن الشهداء لم يكونوا خطرين على الجنود، لكنه إعدامهم ميدانياً، كرسالة أراد الاحتلال تمريرها تطبيقاً لتصريحات قادته السياسيين والعسكريين، بأنه « لا يجب أن يخرج المخرب من موقع العملية على قيد الحياة ». وهذا ما حدث في قضية إعدام الشهيدة هديل الهشلمون في الخليل، والشهيدة هديل عواد التي حاولت الدفاع عن نفسها ومعها ابنة خالتها نور عواد، وهما تحملان مقصين فقط. كما يشار إلى أن تقريراً لمنظمة « هيومن رايتس ووتش »، كان قد أقرّ بقتل الاحتلال أكثر من مائة فلسطيني خلال الهبة الفلسطينية، في ملابسات تعزز القول باعتماد سياسة إعدام ميدانية.

كلمات دلالية