خبر محاكمة وإدانة سليل القتلة ازاريا.. كبش فداء للجيش والدولة

الساعة 11:07 ص|04 يناير 2017

فلسطين اليوم

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

سليل القتلة الجندي ازاريا، الذي أعدم في مارس الماضي عبد الفتاح الشريف بمدينة الخليل، أدين يوم الأربعاء في المحكمة العسكرية بتهمة القتل غير العمد، التي تصل عقوبتها القصوى إلى 20 عامًا، والاحتمال الأكبر ان يتم العفو عنه بعد وقت قريب.

قضية القاتل ازاريا منذ لحظتها الأولى لم تكن مجرد قضية قتل عادية؛ فقد نزلت عليهم جميعًا كالصاعقة، وفُرضت عليهم، دون أن تمنحهم - كما جرت العادة - القدرة على المناورة والتملص وإصدار تعقيب موجز يؤكد ان الجندي تصرف وفق القواعد والقيم الأخلاقية للجيش، وذلك بسبب ان عملية الإعدام وُثقت بالفيديو ونُشرت في الإعلام، ولم يكن ممكنًا إنكار جريمة الإعدام.

الجيش - الذي يتعرض للكثير من الاتهامات من قبل منظمات دولية، تصل أحيانًا إلى حد ارتكاب جرائم حرب وقتل متعمد خارج القانون، وأنه غير قادر على إجراء تحقيق مهني، وانتقادات للقضاء الاسرائيلي عامة بأنه لا يوفر الحد الأدنى من العدالة لضحايا الاحتلال من الفلسطينيين، هذا فضلًا عن الاتهامات الفلسطينية الكبيرة والكثيرة بارتكابه يوميًا أعمال قتل وجرائم ضد الإنسانية - لم يجد في ظل افتضاح أمر الجريمة الموثقة بالصوت والصورة سوى إجراء محاكمة للجندي، وتوجيه تهمة القتل غير العمد، رغم ان القتل كان متعمدًا، كما فضحت الكاميرا ضباط المخابرات الذين قتلوا الشهيديْن صبحي أبو جامع ومجدي أبو جامع سنة 1984 بعد أسرهم أحياءً، واضطروا لمحاكمة الضباط بفعل الصورة، والتي سميت بفضيحة « الحافلة 300 »، وهنا الجيش كان مضطرًا لإجراء المحاكمة دفاعًا عن سمعته وصورته، ودفاعًا عن القضاء والعدل الإسرائيلي، بثمن بسيط جدًا، فالجيش أراد من هذه المحكمة إصدار شهادة حسن سلوك عن تمسكه بالقيم وقواعد القانون، وتكذيب كل الاتهامات والادعاءات المشككة والمتهمة للجيش ولعدالة القضاء الإسرائيلي، وكلما كان ضجيج السجال الجماهيري حول المحكمة أكبر، وكلما كان الجيش والقضاء في موقف الدفاع أمام هجوم السياسيين والجماهير؛ كانت شهادة حسن السلوك أكبر قيمة وأعظم.

يكفي أن تقوم الشبكات الإعلامية الدولية بالبث المباشر للمحاكمة، واستعراض التقارير عن السجال الإسرائيلي وبطولة قادة الجيش في مواجهة كل الغوغاء؛ ليكسب الجيش في معركة الرأي العام ويثير انطباعًا مدهشا للمشاهد الغربي، في ظل ما تشهده المنطقة العربية من أعمال وحشية وبربرية لا يفكر أحد حتى في تطبيق أبسط القواعد الإنسانية، والأمر يعرض في الإعلام ان جوهر القضية يقوم على عدم التزام ازاريا بالتعليمات المنظمة للتعامل مع « مخرب قاتل » تم تحييد خطره.

شهادة قيمية كبرى للجيش بثمن بخس، فخلال السنة والنصف الماضية قتل الجيش أكثر من مائة وتسعين فلسطينيًا، من بينهم أطفال وفتية صغار من الجنسين، وفي معظم عمليات القتل هذه كان القتل إعدامًا بدم بارد، بدوافع الكراهية والانتقام، ويوجد الكثير من شهود العيان الذين يؤكدون ذلك، ولدى الجيش بعض أشرطة الفيديو التي تؤكد ذلك، ورفض الإفراج عنها في أكثر من حالة، ومن بين هذه الجرائم الموثقة والمنشورة قيام قائد لواء « بنيامين » يسرائيل شومير في تموز 2015 بإطلاق النار من الخلف على الشهيد محمد على كسبه، ابن الـ 17 عامًا، بعد مطاردته لأنه اشتبه به كمن رشق حجرًا على الجيب الذي كان يقوده، والعديد من جرائم الحرب الكبرى في قطاع غزة إبان الحروب وجرائم العدوان، ولا ينسى أهل القطاع - وأهل رفح تحديدًا - كيف أعدمت المتضامنة الأمريكية راشيل كوري سنة 2003. منظمة « بتسيلم » تؤكد في كل تقاريرها الموثقة بالبراهين والأدلة أن الجيش والقضاء العسكري يقوم بالتستر على أعمال القتل خارج القانون التي يرتكبها قادة وجنود الجيش، وليس فقط « بتسيلم » من يقول ذلك، فنائب قائد الأركان السابق عوزي ديان، وأثناء شهادة لصالح ازاريا، يعترف بأن الكثير من أعمال قتل الفلسطينيين يتم إغلاق ملفاتها دون تحقيق ودون محاكمات، ويؤكد انه شخصيًا شاهد جنودًا على حاجز ترقوميا يقتلون خمسة فلسطينيين، ويضيف « لم يكن هؤلاء الفلسطينيين لا مخربين ولا حتى مقيمين غير شرعيين، بل كانون مواطنين عاديين »، وانه لم يتم محاكمة الجنود.

الجندي اليئور ازاريا، قاتل الشهيد الشريف، هو سليل جيش قاتل ومجرم، وهو وزملاؤه وكل الجنود الآخرين ربما لا يفهمون سر وسبب كل هذه الضجة، فقد كان يفهم ان قتل الفلسطيني مسموح، لا سيما إن كان يبدو - من وجهة نظرهم - مخربًا أو يحتمل ان يشكل تهديدًا ما، وهم شاهدوا وشاركوا في أعمال قتل كثيرة لم تكن مبررة، ولم يلتزموا فيها بالقواعد المكتوبة في الأنظمة بقدر ما التزموا بأعراف القتل السائدة وبروح القادة الذين احتضنوا كل قاتل ومنحوه الأوسمة واعتبروه بطلًا، لكن ازاريا لا يفهم ان حظه السيء جعله يقوم بما درج الجنود على القيام به وفي وجود كاميرا وثقت جريمته، وأن الجيش كان مضطرًا لأن يقدمه كبش فداء لإنقاذ سمعته وتحسين صورته. وفي نفس الوقت فإن حظ ازاريا ليس سيئًا جدًا؛ فلن يمكث في السجن وقتًا كبيرًا، وسرعان ما سيتم الإفراج عنه بعفو، سيضطر قادة الجيش لرفع توصية بذلك لرئيس الدولة ريفلين، ومن جهة أخرى تحول هذا القاتل البلطجي المغمور إلى واحد من رموز اليمين، وإلى بطل يحظى بالتقدير والاعجاب.

محاكمة ازاريا والسجال الذي رافقها شكّل فرصة للجيش للإعراب عن قلقه من الاتجاهات الخطرة من وجهة نظر الجيش التي تنزلق نحوها الأغلبية الإسرائيلية، اتجاه تراجع الديمقراطية لصالح تعزيز وتعميق ثقافة الفاشية الغوغائية، باعتبار المساس بسيادة القانون والمساس بثقافة الديمقراطية يعتبر الخطر الأكبر على إسرائيل من الداخل، أي ان الجيش بما يحظى به من مكانه رمزية داخل المجتمع الإسرائيلي - وهي بالمناسبة تتآكل باستمرار، فلم يعد تلك « البقرة المقدسة » كما كان سابقًا - يريد أن يساهم في الدفاع عن القيم الصهيونية الليبرالية التي تتعرض لهجوم كبير من قبل الغالبية البرلمانية والشعبية، والتي هي غالبية يمينية، وذلك يظهر كاستمرار لخطاب نائب رئيس الأركان السابق يائير نافيه في ذكرى « الكارثة » العام الماضي، حيث حذر من مخاطر الفاشية، وشبّه ما يحدث في المجتمع الإسرائيلي بما حدث في المجتمع الألماني في ثلاثينيات القرن الماضي، واستمرار لخطاب يعلون الذي حذر فيه من الانزلاق نحو مجتمع يميني غير متسامح، يتنكر للقيم الليبرالية للحركة الصهيونية.

كلمات دلالية