خبر شبح أسرلة المناهج بالقدس

الساعة 09:30 ص|04 يناير 2017

فلسطين اليوم

عنان نجيب

لا يختلف اثنان على كون التعليم هو الرافعة والحاضنة الأكثر فعالية و تأثيراً في حياة الأمم والشعوب بمسيرتها نحو الرفعة والتمكين والانعتاق من ذل العبودية والتبعية. لقد لعبت المؤسسات التربوية والتعليمية في فلسطين المحتلة دوراً هاماً ومركزياً في صناعة الشخصية الوطنية، وتعزيز مفاهيم الصراع الأولية في المجتمع المحلي، بما ضمن إبقاء باب الصراع مفتوحاً، ولو بحدّه الأدنى. ولقد عمل الاحتلال على محاربة المسيرة التعليمية بشتى الطرق والوسائل والأمثلة في التاريخ كثيرة.

شكل الحرب على التعليم في القدس

 بعد أن حسم المستوى الرسميّ العربي والفلسطيني موقفه النهائي من مدينة القدس والقاضي بتركها فريسة لغول التهويد والضم، استغل الاحتلال هذه الفرصة التاريخية فباشر هجومه على المؤسسة التعليمية في القدس المحتلة، فعمد مثلاً في العام 2010 إلى محاولة فرض منهاجه التعليمي على كافة مدارس القدس، بما في ذلك المدارس الخاصة التي تتلقى من وزارة التعليم الإسرائيلية تمويلاً. ردّ المقدسيون حينها بإعلان الإضراب العام في هذه المدارس، مما جعله يتراجع عن قراره. لكن هذا لا يعني إلغاء المخطط وإنما فقط تأجيله.

لم يهدأ المحتل ولم تفتر له همة، فغيّر من الوسيلة والأسلوب متخذا محورين هامين في هجومه: المحور الأول: فرض على بعض المدارس التي يشرف عليها أو تلك الخاصة التي تتلقى المعونات منه تطبيق المنهاج الإسرائيلي فارتفع عدد الطلبة المقدسيين الذين يتلقون المنهاج الإسرائيلي خلال العام الدراسي 2015\2016، إلى 3500 طالب، في حين كان عددهم في العام 2013 1350 طالباً. المحور الثاني: إدخال التعديلات وتزوير الحقائق ذات العلاقة بالثقافة والتاريخ الفلسطينيين والواردة في كتب المنهاج الفلسطيني، بعد أن توّلت بلدية الاحتلال طباعته وتوزيعه على مدارسها التابعة لها.

وذلك إلى جانب محاور أخرى استغلت فيها حالة العوز والنقص الحاد في الموارد المالية للمدارس البلدية التابعة لبلدية الاحتلال. على سبيل المثال، في العام 2016، خصص الاحتلال مبلغ 20 مليون شيكل لترميم تلك المدارس ولتمويل بعض النشاطات التعليمية واللامنهجية، ولكن اشترط لصرفها تطبيق المنهاج الإسرائيلي في تلك المدارس.

معطيات مهمة توضح مقدار الكارثة: يدرس في المدارس التي تشرف عليها بلدية الاحتلال ما نسبته 41% من طلاب القدس، أما في المدارس الخاصة التي تتقاضى تمويلاً من الاحتلال، فيدرس فيها 40% من الطلاب، أما البقية فيدرسون في مدارس تابعة للأوقاف أو الأونروا أو مدارس خاصة مستقلة. وفي حال نظرنا إلى التسريب من المدارس، فتبلغ النسبة ما مقدراه 13% من كلّ صف تعليمي، في حين يبلغ النقص في الصفوف ألفي غرفة صفية. وذلك بحسب دراسة نشرتها جمعية «باسيا» في أيلول 2016.

وبنظرة أولية على هذه المعطيات نجد أن الاحتلال بات يتحكم بما نسبته 80% من الجهاز التعليمي في القدس مما يؤشر على قرب بداية الحسم في حربه الشرسة على التعليم بالمدينة، ليصل به إلى مبتغاه الكارثي على مستقبل الطلبة المقدسيين.

أما الحلول المقترحة، فنقول إنه لعل المعضلة الأهم في إخفاقنا جميعا في الوقوف أمام أي هجمة من هجمات المحتل على مدينة القدس هو غياب المرجعية التي تلتف حولها جماهير القدس، وهذا يعني غياب أي برنامج وطني شامل يكفل بالحد الأدنى أن يحافظ على ما تبقى لنا بهذه المدينة المنكوبة. فإن كانت القدس وما زالت تمثل لنا كفلسطينيين بوصلة الصراع وجذوته التي لا تنطفئ، فلا أقل من العمل ليل نهار من قبل المخلصين لها على توحيد الجهود والعمل ليل نهار لإيجاد مرجعية محترمة تباشر عملها في قيادة الحالة المقدسية، ولإيجاد حلول تحول دون وصول المحتل إلى العقل المقدسي وأسرلته، وهذا لربما يكون من أحلام اليقظة في ظل حالة الانقسام الحاصلة وانحطاط الوسط السياسي لمستنقعات المصالح التنظيمية والفئوية. لنا الله والعار لكم كامة على ترككم القدس فريسة لمحتل لا يرحم .

كلمات دلالية