خبر قراءتان لقرار مجلس الأمن 1441.. منير شفيق

الساعة 11:10 ص|02 يناير 2017

لم يكد مجلس الأمن يوافق على مشروع القرار الامريكي بشأن لجنة التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل ووكالة الطاقة النووية، وباجماع اعضائه الدائمين وغير الدائمين، حتى انطلق تحليلان للقرار: احدهما اعتبره انتصاراً لامريكا وتراجعاً في مواقف فرنسا وروسيا والصين حتى بعد ان استطال النقاش حوله شهرين. وثانيهما اعتبره قرار مساومة تراجعت فيه امريكا بما لا يقل عن تراجع المواقف المعترضة، وان فرنسا وروسيا والصين استطاعت ان تثبت وجودها. وقد نسي اصحاب الرأي بالانتصار الامريكي انهم منذ الاسبوع الاول اعتبروا خضوع الدول الاخرى له مسألة اكيدة، واذا بالمعارضة له تستمر فتضطر امريكا الى مراجعته وادخال بعض التعديلات عليه، فاعيد مرة اخرى معدلا فلم يُتقبل التعديل، واعتبر ان الاساس في الاعتراض عليه لم يصبه التغيير. وقيل ان الاخذ والرد استمرا تكراراً حتى ربع الساعة الاخيرة من صدور القرار، الامر الذي يكذب نظرية «خضوع الجميع لامريكا».

التعديلات داخل تفاصيل النص وروحه من حيث الصلاحيات التي اعطيت للجنة التفتيش ووكالة الطاقة النووية لم يعدل فيها الا القليل القليل. وهذا ما يستند اليه من اعتبروا قرار مجلس الأمن رقم 1441 انتصاراً لامريكا، خصوصاً عدم تعديل الفقرة المتعلقة بما سمي «الخرق المادي» من جانب العراق لقرارات الأمن او الفقرة التي تهدد بـ«العواقب الوخيمة» في حالة اي تعطيل لمهمة المفتشين الدوليين.

الى هنا يمكن القول برجحان القرار في مصلحة الموقف الامريكي خصوصاً من زاوية اعطاء لجنة التفتيش والوكالة الحق وحدهما في تحديد وقوع او عدم وقوع خرق من قبل العراق في تنفيذ القرار.وقد اثبت مديراهما انهما اشد استجابة للضغوط الامريكية من تغليب قناعتهما، او اخذ وجهة نظر الاعضاء الاخرين في مجلس الأمن بعين الاعتبار.

ولكن ازالة الفقرات التي تسمح بشن الحرب على الفور، وتلقائياً، ومن جانب اية دولة «اي امريكا»، او تثبيت العودة الى مجلس الأمن بعد انتهاء مهمة التفتيش او في حالة ادعاء الخرق هما التراجع الامريكي الحقيقي امام الاصرار الفرنسي - الروسي. وهما الانتصار المقابل الذي يمكن ان يُسجل لفرنسا وروسيا وللدول الاخرى التي ساندتهما في مجلس الأمن. ولهذا هو قرار مساومة رفضتها امريكا قبل الرجوع الى مجلس الأمن ولعدد من الايام في اثناء مناقشة مشروع القرار الاول. وبدهي ان كل مساومة فيها لهذا وذاك، وفيها غير ما كان يريده هذا او ذاك، ولكن فيها دائماً درجة او درجات من الغلبة لاحدهما.

وخلاصة من يقرأ القرار بتفاصيله ويغرق بتلك التفاصيل يراه امريكيا ومن يقرأ القرار بالمحصلة العامة التي انتهى اليها يراه انتصاراً فرنسياً وروسياً وصينياً. والمهم ان ارادة الرئيس الامريكي بوش كُسرت، ولو جزئياً ونسبياً حتى الآن. وذلك لأن توجهه الاول كان رفض الرجوع الى مجلس الأمن اصلاً، او حتى العودة الى الكونغرس. واعلن انه وحده صاحب القرار في الحرب وقد حددت لها مواعيد تغيرت مرة بعد اخرى، حتى اصبحت مقيدة بقرار 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني نوفمبر. وبهذا يكون بوش تراجع في العودة الى الكونغرس بداية، ثم الى مجلس الأمن. والكل يذكر عندما قدم مشروع القرار قال للمجلس اما تقبله كما هو والا ينتهي دور هيئة الأمم. فامريكا ستتصرف وستبني تحالفها الخاص بها. وهكذا تراجع بوش مرة بعد مرة وقبل بتعديل المشروع، ورضخ في العودة من جديد الى مجلس الأمن. أما الاهم فتراجعه عن قرار الحرب التلقائي، وبعدئذ سيخضع الوضع لما قد ينشأ من ظروف.

لقد ثبت حتى الآن من خلال تجربة الشهرين الماضيين ان الطريق امام تحقيق ما تريده امريكا ليس ممهداً وانها معرضة للانتكاسات والتراجعات، وان الدول الكبرى الاخرى ليست اصفاراً وكذلك من عارضها من دول العالم ناهيك عن الرأي العام العالمي. ومن دون ان ننسى ما يواجهه بوش من معارضة امريكية داخلية ولكن لا يعني هذا ان الوضع اصبح شبه متوازن بما يمنع ادارة بوش من ارتكاب المغامرات والحماقات وشن الحرب حتى لو كانت الرياح التي تواجهها قوية جداً، وهذا لا يعني بدوره ان ارتكاب الحماقات وشن الحرب وسياسة المغامرة سيكونان في مصلحتها في نهاية المطاف، بل في وقت قريب، ما دام العالم باغلبيته الساحقة اخذ ينقلب عليها، ويمقت سياستها.

حقاً ان قرار 1441 لم يمنع شن الحرب نهائىاً ولكنه اعاقها، واقام في وجهها المزيد من العراقيل، وفتح آفاقاً لتوفير شروط افضل للحيلولة دونها.

كلمات دلالية