خبر « عائشة وسليمان ».. حكاية ارتباط تتحدى « السجان »

الساعة 09:36 ص|26 ديسمبر 2016

فلسطين اليوم

هي على موعد معه اليوم.. حالةٌ من الخوف والترقب ينتابها.. يا ترى كيف سيراها في أول لقاء يجمعهما، ماذا ستقول له.. وعن ماذا سيتحدثان، وكيف ستكون حياتهما ومستقبلهما معاً.. أسئلةٌ كثيرةٌ تدور في خُلدها وهي تقف وحدها في تلك الغرفة تنتظره عقب انتهائها من سياسة التفتيش المهين الذي تعرضت له.

نظراتٌ حائرةٌ توجهها حولها علّها تفهم ما يجري، الكلُ في حيرةٍ من أمره يُحاول أن يسرق الزمن المحدد له في أمل في الحصول على مزيدٍ من اللحظات التي تجمعهم بفلذات أكبادهم دون الرجوع بمزيدٍ من خيبات الأمل وحالة من الألم.

هو يقفُ هناك خلف ذلك اللوح الزجاجي الذين تقيمه إدارة سجون الاحتلال « الإسرائيلي » حول الغرفة التي يتواجد فيها ، توجهت إليه بصمت، خطوات تسمع خلالها دقات قلبها التي كانت تخفق بسرعةٍ كبيرةٍ إنها المرة الأولى التي يلتقيان.. أشار لها بأن تمسك بتلك السماعة المعلقة بجانب اللوح الزجاجي الذي شاء القدر أن يفصل بينهما في أول لقاء لها بخطيبها الأسير سليمان شلوف خلف سجون الاحتلال منذ أكثر من اثنى عشر عاماً.

شلوف، من سكان مدينة رفح جنوب قطاع غزة (34 عاماً)، وهو محكوم بالسجن لمدة 13 عاماً، ويقبع في سجن « ريمون »، حيث اعتقله الاحتلال في تاريخ 17/12/2004.

اللقاء الأول

في 17/8/2015 كانت « عائشة » على موعدٍ مع خطيبها سليمان، في أول لقاء لهما والذي شاء القدر أن يكونَ خلف سجون الاحتلال، كغيره من شباب فلسطين الذين ضحوا بزهرة شبابهم من أجل الوطن.. تقول لـ« وكالة فلسطين اليوم الإخبارية ».

وتضيف شلوف عن اللحظات الأولى التي تقدم فيها سليمان لخطبتها: عندما تقدم الأسير سليمان لخطبتي لم أتردد في الموافقة والارتباط به كونه أسير فلسطيني قدم زهرة شبابه من أجل الدين والوطن فكيف سأرفض ذلك الغيور على وطنه وقضيته! .

وتابعت: بعد أن تم عقد القران قدمت طلب للجنة الدولية للصليب الأحمر علني أحصل على تصريح للزيارة لألتقي بسليمان كأول زيارة لي بعد الخطوبة.

وتسرد قبل يومين من موعد الزيارة كان قد وصلني خبراً من الصليب الأحمر بحصولي على تصريح للزيارة، مع الفرحة التي غمرتني لم أقم بتصديق الخبر وعدت بالاتصال على موظف الصليب ليؤكد لي صحة الخبر.

وتابعت: عندما حان موعد الزيارة توجهت إلى ميدان العودة حيث يتجمع هناك أهالي الأسرى من ثم توجهنا إلى الصليب الأحمر لنؤدي صلاة الفجر هناك من ثم للتوجه إلى معبر بيت حانون لتبدأ رحلة الزيارة إلى حيث سجن ريمون.

رحلة الزيارة

حالة من الخوف انتابت عائشة وتساؤلات حول ذلك المصير الذي ينتظرها خلف تلك البوابة وخاصة أنها ناشطة شبابية في مجال الأسرى منذ عام 2007، لكن سرعان ما تناثر ذلك الخوف عقب ركوبها الحافلة التي كانت من المقرر أن توصلهم إلى حيث الوجهة في سجون ريمون الصهيوني.

وأوضحت: خلال الرحلة لفتني الكثير من المواقف التي حثتني على أن أدون بعض التدوينات عن أراضينا المحتلة، تلك المساحات الشاسعة التي يستغلها الاحتلال الصهيوني في إقامة المواقع العسكرية المختلفة، إضافة إلى تلك الآليات العسكرية المدمرة التي شاهدتها خلال الرحلة، حيث شعرت بالبهجة وخاصة عندما يتحدث الاحتلال أن الفلسطينيين لم يستطيعوا أن يكبدوهم الخسائر ولكن من يرى تلك الآليات يعرف جيداً كيف آلمت غزة الاحتلال.

ولم تخف شلوف ماتعرضت له عندما وصلت إلى سجن « ريمون » الصهيوني، حيث تعرضت إلى أساليب التفتيش المُهين الذي يمارسها الاحتلال « الإسرائيلي » بحق ذوي الأسرى والمعتقلين للتنكيل بهم والتأثير على روحهم المعنوية ولتنغيص فرحة ذوي الأسرى برؤية فلذات أكبادهم.

مشاعر ممزوجة بالألم

وأضافت: تجاوزت معاناة التفتيش التي مررتُ بها لتبدأ تلك المعاناة التي تتجدد مع مرور كل دقائق تلك الـ45 دقيقة التي سمح الاحتلال بها خلال الزيارة، فهول الموقف لا أستطيع أن أوصفه عندما تلتقين بشخص لأول مرة؛ الاحساس الذي ينتابك يسلب كل الكلمات وكل الحروف التي لا تستطيع التعبير عنها والتوتر الذي يغزو المكان .

تقول شلوف: مشاعر لم أعرف لها وصف وحالة من الصمت خيمت على المكان، فقد أمسكت تلك السماعة المعلقة إلى جانب ذلك اللوح الزجاجي علني أحصل على بعض من الكلمات التي ستكون هي الأولى بيننا لكن حالةً من الغضب انتابتني عندما وجدت نفسي مضطرة للتعامل مع سماعة مهترئة لا تفي بالغرض، قد تسمعين جزء من الكلام والباقي تحاولين أن تبحثي له عن مترجم.

45 دقيقة فقط

مشاعر من الفرح الممزوج بألم ساد المكان ليقطعه ذلك الحضن الحار الذي سمح الاحتلال به  للقاء أحد الأسرى بطفل الرضيع، جمال الموقف أنسى عائشة المعاناة التي شعرت بها لكن سرعان ما تجددت عندما كانت تسمع  صوت أحد جنود الاحتلال يخبر بأن الوقت بدأ ينفذ؛ 8دقائق ثم 5 إلى أن وصلت إلى دقيقة ثم قطع الاتصال..

وتكمل عائشة: كنت أقف كغيري من ذوي الأسرى علّنا نحصل على المزيد من اللحظات نحاول أن نحفظ تلك الملامح التي غيبتها قضبان السجون، مشاعر من الألم والحسرة خيمت على قلوبنا بعد انتهاء الزيارة؛ 45 دقيقة لم تكف لقلبين شاء القدر أن يجمع بينهما لكن سجون الاحتلال حالت بين لقاءهما.

تحكي عائشة قصة الحب للوطن قبل الشخوص، فما جمعها مع سليمان ودفعها للقبول به وارتباطها به هو حبها لقضية الأسرى وعملها النضالي الطويل ونشاطها في هذا المجال، الذي اختارته بكل إرادتها.

فهل يا ترى تعود الحياة لقلبَيّ هذين الفلسطينيين اللذَين جمعتهما سُنَّة رسول الله وفرّقهما المُحتلّ؟ هل سيُزهِر قلباهما ويتحقق مشروع زواجهما فيرفرفان مع البلابل في بساتين الحبّ؟ أم تبقى القضبان عائقاً لزفافِهما.

لم تكن عائشة وحدها من ارتبطت بأسرى قابعين في سجون الاحتلال، فكثر من هن مرتبطات بأسرى، أو اعتقلوا خلال فترة الخطوبة، فيصبحن في عداد المنتظرين بكل شغف وفخر، خاصةً وأن الأسرى يحظون بنصيب كبير من التقدير والاحترام في نفوس أبناء شعبنا.

 

كلمات دلالية