خبر الإعلام الفلسطيني في لبنان بين التحديات والفرص.. بقلم :هيثم أبو الغزلان

الساعة 03:10 م|23 ديسمبر 2016

أدى التطور الهائل لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات إلى إحداث تغيرات في الاعلام التقليدي (صحف، وإذاعات، وتلفزة، وكتب)، إذ لم يعد كما كان في السابق مع ظهور بدائل اتصالية جديدة. وأصبحت وسائل الإعلام الجديد مُهدِّدَة لكيانات ومؤسسات إعلامية كبرى في مختلف المجتمعات الإنسانية.. وأصبح واقع الاعلام الجديد يتنامى، ويؤثر بشكل كبير، وفاعل في تغير وتغيير الاتجاهات والمواقف، وبناء المعارف.. وأزالت هذه الوسائل الجديدة مصطلح الحدود بكل صوره ومعانيه، وصولًا حتى إلى حدود مفهوم الدولة وسيادته..

ولا يخفى على أحد أن التطور الهائل لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات، قد أثّر بشكل كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي مثل هذه الظروف، أصبحت صحافة المواطن لها تأثيرها في الشارع العربي، وأصبحت توفر المعلومة كما توفر الإشاعة، وأصبحت تتيح للإنسان قدرة التواصل عبر الحدود، من دون قدرة على السيطرة على تدفقها، ومع صعوبة التدقيق في صحة معلوماتها.

وتوجد تحديات اعلامية عديدة تواجه الاعلام الفلسطيني وخصوصًا في لبنان، يجب تحديدها بشكل دقيق، والعمل على مواجهتها بما يخدم القضية الفلسطينية، والشعبين الفلسطيني واللبناني. من الناحيتين الذاتية والموضوعية، ينبغي الإضاءة عليها ومعرفتها، وبالتالي مواجهتها والتغلب عليها.

تحديات ذاتية وفرص:

 ومن الواضح أن الاعلاميين الفلسطينيين يمتلكون حسًا وطنيًا عاليًا، وشعورًا بالمسوؤلية تجاه اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولكن هناك نقص واضح في الاهتمام بعرض محتوى اعلامي ضمن رؤية واضحة وذات بُعد إنساني، للتأثير بالمتلقي غير الفلسطيني.

وهناك ضعف القدرات لدى عدد من العاملين ـ ولا أقول الجميع ـ، في المجال الاعلامي الفلسطيني؛ وفي وقت يحصل فيه هؤلاء على مصادر الخبر « المخيماتي »، إلا أن المشكلة تكمن في عدم القدرة على استخدامه وفق رؤية اعلامية فلسطينية، بل ربما لا يخدم هذا الخبر المخيم وأهله، ونتائجه السلبية تفوق ايجابيات نشره. وفي وقت نرى أن نسبة الآراء ووجهات النظر تفوق نسبة المعلومات والحقائق في مضامين وسائل الإعلام الفلسطينية الالكترونية في لبنان، فإن ذلك يفتح الباب واسعًا لنمو الشائعات، وانتشارها بشكل كبير، وعدم الاهتمام بصياغة الخبر، وعدم القدرة على استنباط الرسالة التي يجب توجيهها في مضمون الرسالة الاعلامية، عدم ايلاء الاهتمام بحماية الملكية الفكرية، وعدم مراعاة القوانين المرعية الإجراء بهذا الجانب، وهذا يعزز عمليات الـ « copy past »، دون مراجعة، أو تدقيق، أو التأكد من صدقية الخبر، أو مصدره، أو إن كان يستحق النشر من الأساس.

وهذا يعني أن الاعلام الفلسطيني ـ الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصا ـ، يحتاج إلى ضوابط محددة وفق الحقوق والواجبات، وإعادة تفعيل ميثاق الشرف الذي وقعه أصحاب المواقع الاخبارية الفلسطينية واعلاميون فلسطينيون في لبنان، لضبط المهنة ومراعاة مصالح المشتغلين فيها..

ورغم وجود فَعَالية اعلامية فلسطينية إلى حد ما، إلا أنها ما تزال تخاطب الفلسطيني في المخيمات، ـ ولا ننفي وجود نماذج تعمل على كسر هذا الأمر ـ، ولكن في النتيحة لم يستطع الاعلام الفلسطيني ايصال رسالته المؤثرة في كثير من الأحيان، ولكن عند وجود إرادة وتحرك فاعل سياسي فلسطيني مواكَب من الاعلام استطاع هذا الاعلام أن يفرض بعض القضايا عبر التنسيق والتلاقي سياسيًا لبنانيًا فلسطينيًا على معالجة أمور معينة، والشواهد على ذلك كثيرة.

وفي وقت نجد فيه التزامًا إلى حد كبير من الاعلاميين الفلسطينيين ومؤسساتهم الاعلامية الفضائية، بأخلاقيات مهنة الاعلام وقوانينها، نجد أن التزامًا أقل بضوابط المهنة وأخلاقياتها من جانب الاعلاميين العاملين في المواقع الالكترونية الفلسطينية، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث ينخفض مستوى الالتزام بذلك إلى أدنى المستويات في كثير من الأحيان.

ومن الأمور الإيجابية التي ينبغي الإضاءة عليها، وتعزيزها، وجود « منتدى الاعلاميين الفلسطينيين في لبنان »، الذي اختار الحياديّة والموضوعيّة والاستقلاليّة، كإطارٍ للتّعامل الدّاخليّ، وتَكَامُلِ دوره مع أيّ جهدٍ يبذلُ لخدمة القضيّة الفلسطينيّة وشعبنا.. والالتزام بمعايير المهنية قولاً وفعلاً، والعمل على جعل الإعلام الفلسطيني مصدراً مهماً للصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وخصوصاً ما يتعلق منها بأخبار المخيمات وتكريس قيم الصدق والجرأة والإنصاف والتوازن والمصداقية في نقل الأخبار والتعاطي مع خلفياتها.

 ومن الملاحظ تراجع في وجود وسائل اعلامية فلسطينية في لبنان: صحف، ومجلات.. أما المواقع الفلسطينية الالكترونية فهي موجودة إلا أن العديد منها يفتقر إلى الالتزام بمعايير المهنية، أو الرؤية الواضحة، وعدم وجود اهتمام واضح باللغة العربية وبصياغة الأخبار، وبطبيعة الحال تفتقر هذه المواقع إلى الدعم المالي. وهذا يُصعّب عليها مهمتها في جعل هذه المواقع الفلسطينية مصدراً رئيسياً للصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وخصوصاً ما يتعلق منها بأخبار المخيمات.

تحديات موضوعية وفرص:

من المنصف أن لا نطلق أحكامًا عامة على الاعلام اللبناني لناحيتي السلبية والايجابية في التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ولكن من المنصف أيضًا، الإضاءة على هذين الجانبين لتكوين نظرة شاملة لهذا التعاطي، من أجل تنمية إيجابياته، والعمل على معالجة سلبياته.

إن نسبة التغطيات الاعلامية للموضوع الفلسطيني مرتفعة نسبيًا ما يعني أن التهجير الفلسطيني إلى لبنان منذ العام 1948 ما زال موضوعًا رئيسيًا في الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان. ويطغى موضوعا الاهتمام باللاجئين والمواضيع الأمنية على التغطيات الرئيسية... هذا لا ينفي أن بعض وسائل الاعلام (وأحيانًا نفسها) وإن بخجل تطل (قليل جدا)، على الواقع الفلسطيني المعيشي في المخيم، على فرص العمل، وعلى وضعه الاجتماعي والقانوني كلاجئ.. (1)

من الملاحظ كما تورد دراسة لبنانية ميل وسائل الاعلام اللبنانية إلى تخفيف الأخبار عندما يتعلق الأمر بالتمييز والعنصرية. فغالبًا ما تميل هذه الوسائل إلى تجاهل المواضيع المتعلقة بالممارسات السلبية تجاه النازح أو الغريب من قبل البلد المضيف، فهي ترد بنسبة قليلة إلا عندما يكون الموضوع لافتًا بقوة فيشير إليه الاعلام بوضوح. ويتم تجاهل المساهمات الايجابية الاقتصادية والثقافية للاجئين في لبنان.. (2)

وفي عيّنة لمواضيع رئيسية مرصودة شملت 56 حلقة لبرامج الحوارات السياسية بيّنت عدم الاهتمام بمواضيع إنسانية تهم اللاجئين، وكانت الاهتمامات تتركز على مواضيع مثل: (منح الجنسية، ملف النفايات، ملف الموازنة...). (3)

وأظهرت دراسة لبنانية أن مواقع التغطيات الصحافية لقضايا « السوريين » و « الفلسطينيين » في غالبيتها العظمى بنسبة (88%) في الصفحات الداخلية، ولا يرد في الصفحات الرئيسية إلا نسبة (12%). وهي تغيب كليًا عن الصفحات الأولى.

وفي رصد لعدد مقالات بلغت (521)، ظهر أن النبرة السلبية التي غطتها الصحافة تعود بشكل رئيسي إلى الاخبار الأمنية من مداهمات وإجراءات أمنية مرتبطة بالوجود السوري والفلسطيني في لبنان. وتبلغ (56%)، من تلك المصنفة سلبية. (4)

وتعاطت وسائل اعلام لبنانية مختلفة العام المنصرم، مع الاحتجاجات المطلبية الفلسطينية ضد تقليصات الأونروا بمهنية لنواحي: نقل الأخبار المتعلقة بتلك الاحتجاجات، وإجراء التقارير والتحقيقات، والقيام بالبث الحي لتلك الاحتجاجات، واستضافة المسؤولين الفلسطينيين للتحدث وشرح طبيعة لاحتجاجات والمطالب الفلسطينية، وهذا يتوافق مع مضامين التغطية الاعلامية اللبنانية للموضوع الفلسطيني الذي يمكن اختصاره بثلاثة محاور أساسية: المواضيع الأمنية المرتبطة بفلسطينيين، المواضيع الاجتماعية والصحية التي يحتاجها اللاجئون، والمواضيع المترتبطة بالحقوق المدنية للاجئين. (5)

إن التعاطي الإعلامي بمتطلبات المهنية والموضوعية الصحفية والإعلامية، والقيام بتنحية الاعتبارات الحزبية والمصلحية الضيقة، سيساهم في الحفاظ على الثوابت والدفاع عنها وفي مقدمها الوجود الفلسطيني وقضية اللاجئين. كما أن صناعة الخبر والاعتماد على الصحفي الفلسطيني كمصدر، سيجعل القضية الفلسطينية تحافظ على أنصارها وأتباعها، وتكسب المزيد منهم.

إن ما تقدم يحتم وضع إستراتيجية إعلامية فلسطينية واضحة تتمثل في خطة وطنية جامعة ومشتركة تهدف إلى تحمُّل الإعلام الفلسطيني مسؤولياته الوطنية، والدفاع عن القضية الفلسطينية بوجه المؤامرات ومحاولات تشويهها وتصفيتها.

 

 

مصادر

  1. تمثيلات « السوري » و« الفلسطيني » في التغطيات الاخبارية، صادر عن مؤسسة « مهارات »، ص 47 + 48 + 49
  2. المصدر السابق نفسه، ص 49.
  3. رصد البرامج الحوارية في المحطات التلفزيونية، صادر عن « مهارات »، ص 16.
  4. تمثيلات « السوري » و« الفلسطيني » ، صادر عن « مهارات »، ص 14 و 15 و16.
  5. مصدر سابق.

كلمات دلالية