خبر تعيين فريدمان سفيراً ... شيءٌ أعمق من السياسة ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:30 ص|21 ديسمبر 2016

أثار قرار الرئيس الأمريكي المنتخب (دونالد ترامب) بتعيين اليهودي الصهيوني الأمريكي (ديفيد فريدمان) سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في الكيان الصهيوني ضجة إعلامية ناتجة عن كون فريدمان صهيوني متعصب لدولة (إسرائيل) من خلال أقواله وأفعاله الداعمة للكيان الصهيوني بل وللتيار الأكثر تطرفاً فيه – إذا جاز التعبير – فيما يُعرف باليمين الإسرائيلي. وبناء على هذا التعيين قرأت بعض التقييمات القلقة بشأن مستقبل القضية الفلسطينية وتوقعات بِشأن تطور مسارها لصالح الكيان الصهيوني في عهد ترامب القادم، وكأن عهد أوباما كان لصالح القضية الفلسطينية الذي كان عهده مليئاً ببيانات التنديد الفارغة التي كانت تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية في عهده بعد كل بناء استيطاني أو بعد كل تصرف إسرائيلي لا تستطيع الإدارة الأمريكية الدفاع عنه. وربما كل ما سيفعله ترامب هو الكشف عن الوجه الحقيقي لأمريكا بعد إزالة قناع الحيادية الخادع بين الطرفين.

والإخوة القلقون على القضية الفلسطينية من السياسة الخارجية الأمريكية القادمة تجاه القضية الفلسطينية ينظرون لعلاقة أمريكا بــ (إسرائيل) من الزاوية السياسية فقط دون التعمّق في طبيعة هذه العلاقة ذات البعد العقائدي المرتبط بالمذهب البروتستانتي المسؤول عن نشأة المسيحية الصهيونية ومن ثم الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني والدولة العبرية. ودون التعمّق في رؤية التشابه بين نشأة كل من الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) المستندتين إلى فكر استعماري عنصري استعلائي استيطاني إحلالي واحد، ودون التعمّق في مركزية الدولة العبرية في المشروع الغربي المعاصر ضد الأمة من خلال وراثة أمريكا لزعامة هذا المشروع من بريطانيا. وهذا لا يعني تجاهل دور المال اليهودي والإعلام اليهودي واللوبي الصهيوني في التأثير على الرأي العام الأمريكي وتوجهات السياسة الأمريكية ورسم سياسة أمريكا الخارجية لصالح الكيان الصهيوني.

بالنسبة للبعد العقائدي لعلاقة أمريكا بــ ( إسرائيل ) ، فهي ترجع إلى ظهور المذهب البروتستانتي في القرن ( 16م ) كحركة إصلاح أوروبية داخل الكنيسة الكاثوليكية على يد ( مارتن لوثر ) ، ومن أهم معتقداتها الإيمان بالعهد القديم (التوراة) إضافة للعهد الجديد (الإنجيل)، والنظر لليهود وفق رؤية توراتية بأنهم أصحاب الأرض المقدّسة (فلسطين) المشردون في الأرض ، وأنهم  سُيجمعون فيها من جديد كشرط لعودة المسيح المنتظر، الذي سيقوم بتنصيراليهود وهزيمة الأشرار في معركة (هار مجدون) لتبدأ بعدها الألفية السعيدة، وبناء على هذه العقيدة ظهرت المسيحية الصهيونية التي دعت إلى إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين قبل ظهور اليهودية الصهيونية، والتي يؤمن بها معظم رؤساء أمريكا الذين يُعتبر (34) رئيساً منهم من أصل ( 44) رئيساً ينتمي بشكل واضح للمذهب البروتستانتي ومنهم ( ريجان ) الذي قال « نحن الجيل الذي سنرى هار مجدون » .

وبالنسبة للتشابه بين نشأة الدولتين، فقد نشأتا على أساس فكر استعماري غربي يستند إلى فكرة عنصرية ترى أحقية وواجب الجنس الأبيض (المتحضر) في احتلال واستعمار أراضي الشعوب غير الأوربية (المتخّلفة) من أجل تعمير أراضيها وترقية سكانها، ولا ضير إن قُتل وهُجّر واُستعبد في سبيل ذلك الهدف (السامي) الملايين من السكان الأصليين. فمع اكتشاف أمريكا للأوروبيين هاجر (البيوريتاريون) إلى الأرض الجديدة وأسسوا مجتمعاً جديداً أطلقوا عليه في البداية (أرض كنعان الجديدة) وسموا مستوطناتهم الأولى بأسماء عبرية، واعتبروا الأرض الجديدة خالية من السكان (أرض بلا شعب) تماماً كما روّجت الرواية الصهيونية عن فلسطين. وأبادوا ملايين السكان الأصليين الذين سموهم زوراً وبهتاناً (الهنود الحمر) وطردوا من تبقى منهم في معازل مُحاصرة ... إن الطبيعة التوراتية والتلموديه لكلا الاحتلالين ذو الطبيعة العنصرية الاحلالية الاستعلائية تقرّب بينهما بما يتعدى المصالح السياسية.

وهذه العلاقة ترجع إلى أن مشروع إقامة دولة لليهود موالية ومتحالفة مع الغرب الاستعماري تُزرع في قلب العالمين العربي والإسلامي، وتكون دولة حاجزة بين جناحيهم ، وكأداة لتحقيق استراتيجية الغرب في المنطقة لتحقيق وظائف مرتبطة بالمشروع الاستعماري الغربي ضد الأمة ، هو مشروع قديم طرحه ( نابليون بونابرت ) أثناء الحملة الفرنسية على مصر والشام عام 1799 م ، ثم تبنته بريطانيا ودعمه عدد من الدول الغربية الاستعمارية ليكون كياناً وظيفياً يضمن إبقاء حالة الهيمنة الغربية وتكريس التبعية والإلحاق بالمشروع الاستعماري ... وبعد وراثة أمريكا لبريطانيا زعامة المشروع الغربي تبت (إسرائيل) كرأس حربة للمشروع الغربي ولذلك أيدت كل المشاريع التي ساهمت في إقامة دولة ( إسرائيل ) بعد الحرب العالمية الأول فأيدت وعد بلفور 1917م ، وصك الانتداب 1922م ، وقرار التقسيم 1947م ، وأول من اعترف بـ ( إسرائيل ) 1948م .

وأخيراً من خلال العرض السابق يتضح لنا أن تعيين سفير أمريكي يهودي ذو وجه صهيوني سافر لن يغير كثيراً من طبيعة العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني أو في سياسة أمريكا الخارجية تجاه القضية الفلسطينية ، ذلك بأن هذه السياسة مبنية على أُسس ايديولوجية واستعمارية ومصلحية عميقة لن نستطيع تغييرها إلاّ عندما تُدرك أمريكا أن مصالحها في المنطقة مهددة خاصة النفطية والاقتصادية إذا استمرت في سياستها الداعمة للعدوانية الصهيونية ، وهذا التهديد للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة هو الكفيل وحده بإيجاد توازن بين المبادئ والمصالح الأمريكية، بل وترجيح كفة المصالح على الأيديولوجية، وحينها فقط ستغير أمريكا سياستها الخارجية تجاه القضية الفلسطينية وكل القضايا العربية .

كلمات دلالية