بقلم: عيسوي فريج
(المضمون: انعدام الفعل في حلب لن يؤدي فقط الى استمرار المذابح بل وسيعطي ريح اسناد لكل تلك القوى التي تسعى الى اعادة العالم الى عهود الظلام القاسية. واجب العمل ملقى علينا جميعنا، والا فان الوعد بان « هذا لن يتكرر » سيبقى شعارا فارغا من المضمون- المصدر).
« ذكرى الستة ملايين يهودي الذي أبيدوا في الكارثة – مثال رهيب على عدم الاكتراث والجرائم في القرن العشرين – على هذه الذكرى ان تكون محفورة في تاريخ الانسانية الى الابد ». هذا ما كتبه قبل شهر رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف في سجل الضيوف في مؤسسة « يد واسم »، في ختام زيارته الى المكان. اقوال هامة وصحيحة باستثناء أنه من المحزن أنه في نفس الوقت الذي كتبت فيه، كانت حكومة مدفيدف تشارك بتنفيذ قتل شعب الان، في حلب في سوريا.
مثلما في القرن العشرين، في القرن الواحد والعشرين ايضا يتغلب عدم الاكتراث على الانسانية. مئات الاف المواطنين – أطفال، نساء ورجال – يذبحون والعالم يقف جانبا. لخمس سنوات تدور في سوريا حرب، تزداد فقط وحشيتها وكذا أيضا عدم اكتراث العالم بها. حلب، رمز وحشية تلك الحرب، أصبحت وصمة عار على جبين الانسانية وعلى جبين زعماء يجيدون الكلمات الكبرى ولكنهم ضعفاء جدا في الافعال.
يدفع سكان حلب الثمن بحياتهم على المزاج السائد في عصر ترامب، عصر الانانية، عدم الاكتراث للمعاناة، الانطواء، لشعوب وزعماء يفضلون الصمت أمام الفظاعة أو في اقصى الاحوال ازاحتها بمجرد تنديد هزيل. صحيح، سوريا هي دولة ما كان معظم مواطنيها اغلب الظن سيرحبون بتقديم المساعدة من اسرائيل، ولكن على المستوى القيمي والتربوي، فان الانشغال بذكرى الكارثة ودروسها، محظور عليه أن يختفي عن واقع أيامنا. محظور على دولة اسرائيل التي تقدس الذكرى فقط ولكنها تنسى أهمية الدروس، حتى في الحالات التي لا يكون فيها الضحايا يهود. فزيارة الزعماء الى « يد واسم » محظور ان تعنى فقط بذكرى الماضي في ظل تجاهل دروس الحاضر.
توجد علاقة مباشرة بين الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين وعصرنا الحالي، علاقة تقوم على أساس الميل المتكرر للعالم لازاحة نظرته عن مشاهد الفظاعة، التنكر لمسؤوليته عن الاستمرار الذي لا يطاق لقتل شعب على نحو فظيع. فالمساعدة العسكرية، استيعاب اللاجئين، المساعدة الانسانية، لا يهم ماذا، المهم هو العمل وبسرعة. لان خمس سنوات من الانتظار كانت أطول مما ينبغي وثمنها اعلى مما ينبغي. فالمطالبة بالعمل هي ليس فقط حاجة قيمية واخلاقية بل ضرورة بالنسبة لذاك القسم من العالم الذي لا يزال يؤمن بالقيم الليبرالية، بكرامة الانسان. وانعدام الفعل لن يؤدي فقط الى استمرار المذابح بل وسيعطي ريح اسناد لكل تلك القوى التي تسعى الى اعادة العالم الى عهود الظلام القاسية. واجب العمل ملقى علينا جميعنا، والا فان الوعد بان « هذا لن يتكرر » سيبقى شعارا فارغا من المضمون.