خبر الغواصات النووية والمتملصة اف35 ستجعل يد « إسرائيل » أطول

الساعة 08:08 ص|15 ديسمبر 2016

فلسطين اليوم

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

مرحلة عجز العرب وانهيارهم هي مرحلة الحسم العسكري والسياسي بالنسبة لـ« إسرائيل »، مرحلة طحن ما تم تكسيره وقبض ثمن كل الفواتير السابقة عبر الحسم دون معارك، وجباية الاستسلام بمجرد التفكير بحجم المهددات، فـ« إسرائيل » تنطلق لحسم معركتها بدون رحمة وبدون حدود وبدون توقف حتى للاحتفال، فهي تشتغل بما يعزز حسمها على كل جبهات العرب، ورئيس وزرائها يصادق كل يوم - كما قال في احتفال استقبال المتملصة اف35 - على نشاطات أمنية، ستسهم هذه الطائرة في زيادة تأمين أمنهم، ويزيد من قدرتهم على الحسم وجود ترامب، الذي يبحث الآن جديًا أمر نقل السفارة إلى القدس وتراجع الفرنسيين عن مؤتمرهم ليس إلا عرضًا ومؤشرًا لاتجاهات الرياح في الفترة القادمة.

ينظر العرب باستغراب ينطوي على بلاهة فيما يتعلق بتعزيز الترسانة الحربية « الإسرائيلية »، وربما يتساءلون: ما حاجة « إسرائيل » لكل هذا الانفاق الكبير، وهي قبل ذلك كانت تفوقنا تفوقًا نوعيًا بهوة وساعة لا يمكن جسرها، وبتحالف عضوي مع أمريكا والغرب يؤمن لها تفوقًا دائمًا؟، وبدهشة الحائر ينظرون حولهم لتفقد الدول التي يفترض ان « إسرائيل » تعاظم قوتها للتصدي لتهديدات تلك الدول، فلا يجدون سوى دول مفككة منهارة أو دول ورقية آيلة للتمزق، وبعضها ربط استمرار وجودها بحماية « إسرائيل » ورعايتها لها، مكتفين أخيرًا بأن إيران هي العنوان للتعزيز النوعي للقوة « الإسرائيلية ».

في الاحتفال المهيب والكبير الذي نظمته إسرائيل في قاعدة « نيفاتيم » لسلاح الجو لاستقبال أو طائرتين من سرب المتملصة اف35، والتي أطلق عليها « اسرائيليًا » اسم « ادي »، أي العظيم، بحضور كبار قادة الدولة وأذرع الأمن ووزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر ورئيس الشركة المصدرة للطائرة شركة « لوكهيد مارتن » والسفير الأمريكي في « تل أبيب »؛ منحت الطائرة مكانة درع داوود الحامي بالتعبير « الإسرائيلي »، وفي الخطابين المركزيين لرئيس الدولة ريفلين ولرئيس الوزراء نتنياهو ركزا على القوه العظيمة التي تمنحها الطائرة لـ« إسرائيل » وقدرتها على تغيير وجه الشرق الأوسط، نتنياهو الذي قام بلصق رمز سلاح الجو على الطائرة قال « تستقبل اليوم »إسرائيل« قوة نوعية جديدة، طائرات وطياري الادير ستعمل في كل حلبة، قريبة وبعيدة، الذراع الطويلة باتت طويلة أكثر وذات قوة أكبر، كل من يفكر أن يهاجمنا سنهاجمه، وكل من يفكر بإبادتنا يضع نفسه في خطر وجودي، هذا شرط ضروري لتأمين بقائنا في منطقة يدوسون فيها على الضعيف ويحترمون القوي، فقط القوة تردع وتخلق الاحترام، وتنشأ تحالفات وتجلب السلام ». أما ريفلين فقال « القوة العظيمة للـ 22 طنًا من الفولاذ التي تهبط الآن هنا ستغير الشرق الأوسط، ومن الصعب التوقع الآن بعمق التغيير والتأثير الذي ستحدثه هذه القوة، لكن التغيير يبدأ الآن، الطائرات التي تهبط هنا تغير أدوات اللعبة ».

جزء من مبالغات قدرة الادير على التغيير والتأثير في الشرق الأوسط موجهة بشكل كبير للداخل « الإسرائيلي »، ولصد الانتقادات التي اعتبرت شراء الادير بمبالغ طائرة غير مبرر في ظل الحالة الشرق أوسطية وتفوق « إسرائيل » الراهن، وفي ظل ما ينشر من عيوب تتعلق بالطائرة، حيث قدرتها المحدودة على حمل صواريخ أرض - جو، واستهلاكها للوقود الذي يجعل قدرتها على الطيران بدون إمداد وقود أثناء التحليق أقل من قدرة اف15، وكان الخطاب فرصة أيضًا للرد على الانتقادات الخاصة بشراء الغواصات النووية، فكلًا من نتنياهو وريفلين وباقي المتحدثين ركزوا في رسائلهم الداخلية على التأكيد على الحاجة الحيوية للإنفاق على جبهة الأمن، وأن « إسرائيل » لن تنعم بالسلام ولا بالأمن إلا عبر هذا الاستثمار الكبير، الذي قد يكون على حساب الاستثمار في الصحة والتعليم والجوانب الاجتماعية، الذي يردع الأعداء ويفرض « إسرائيل » كقوة عظمى في المنطقة ويجعل من الجنون تحديها ومن المجدي التحالف معها.

والرسالة الموجهة أساسًا للعرب هي رسالة تهديد واستعراض لقدرة الحسم، وحصر خيار العرب فقط بخيار التسليم والاستسلام وإرهاب إيران، بأن مخزون القدرة الإسرائيلية لردع إيران وحسم المعركة مع طموحاتها سيكتمل قريبًا بامتلاك صفقة الخمسين طائرة من سربي المتملصات، ونتنياهو هنا - وربما في رد على تساؤلات كثيره تقول ان التهديد الأكبر لإسرائيل منذ عقود لم يكن في صيغة الجيوش النظامية، بل في القضية الفلسطينية، وفي التشكيلات العسكرية للقوى والفصائل المسلحة ما دون الدولة، وفي الشعب الذي ينتفض بالحجر والسكين وبالمقاطعة والتظاهر بأدوات تحيد كل أسلحة إسرائيل النوعية؛ يقول ويتبنى نهج تجفيف المستنقع عوضًا عن قتل البعوض.

استسلام وردع المحيط العربي والإسلامي ونشوء التحالفات العلنية وتوقيع المزيد من أوراق التعاون والتفاهم سيكشف الغطاء عن الفلسطينيين، ويبقيهم بلا نصير أو داعم؛ ممّا سيطلق يد إسرائيل ويسرب إليهم روح اليأس والإحباط ويعزز من تفككهم وعزوفهم عن قياداتهم وعن الانخراط في النضال والتسليم بالأمر الواقع.

فرض الأمر الواقع التدريجي الذي يتحول شيئًا فشيئًا إلى نوعي هو الذي يراهن عليه نتنياهو، وهو الناظم والمحرك الأساسي لسياساته، وكل ما دون ذلك هو مجرد علاقات عامة هدفها خدمة فرض الأمر الواقع، وللحقيقة فقد نجح نجاحًا كبيرًا حتى الآن في هذه السياسة، ولا نراه يتوقف عند حد معين؛ بل ان شهيته للمزيد من القضم والحسم تزداد، وكما يقال مع الطعام تأت الشهية.

إسرائيل اليوم تحث الخطى سريعًا نحو الحسم، يساعدها في ذلك ما تتملكه من أدوات قوة عسكرية وقوة سياسية عبر تحالفاتها، فبالأمس كان في زيارة هامة لأذربيجان وكازاخستان، رئيس أذربيجان - الذي اعتبر إسرائيل الدولة الصديقة، وكشف لأول مرة عن عمق العلاقات الأمنية معها - اعترف ان بلاده اشترت أجهزة ومعدات وأسلحة من الصناعات العسكرية بقيمة خمسة مليار دولار، أما كازاخستان فستكون في العام القادم عضوًا في مجلس الأمن، وتراهن عليها إسرائيل بأن تصوت ضد المطالب الفلسطينية التي ستعرض للنقاش في مجلس الأمن.

ولإسرائيل اليوم صديق حميم في البيت الأبيض يفكر جديًا بقل سفارة بلاده إلى القدس، وأرسل وفدًا إلى القدس يفحص فندقًا قد يكون مكانًا ملائمًا للسفارة قبل ان يتم بنائها في قطعة الأرض التي تبرع بها ما يسمى « صندوق أراضي إسرائيل »، والسؤال هو ما الذي ينتظره مندوب فلسطين في الجامعة العربية، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي منظمة دول عدم الانحياز كي يحث هذه المنظمات على إرسال رسائل للرئيس المنتخب ترامب، تنتقد هذا التوجه وتحذر من تداعياته، وتعرب عن رفضها لانتهاك القانون الدولي وشرعنة احتلال مدينة القدس، بما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن وما يسمى بالشرعية الدولية - وهذا أقل الإيمان - لكنه فعّال بما يكفي ليعرف ترامب ان اللعب بالورقة الأهم في الشرق الأوسط بطريقة تتجاهل الالتزامات المعروفة والحقوق المشرعة أمر خطير وغير مقبول.

 

كلمات دلالية