خبر بعد 24 عاماً على استشهاده..عصام براهمة قصة عشق للسلاح ومقارعة الأعداء

الساعة 08:57 ص|12 ديسمبر 2016

فلسطين اليوم

تتزاحم الكلمات والصور، وتزداد الصفحات تلوناً بلون الدم ورائحة المسك، ورغم ذلك تقف الأقلام وقد جف حبرها، والألسنة قد عجزت عن الكلام عن عشاق الشهادة والاستشهاد، عشاق الكفاح والنضال..

للشهيد القائد الكبير عصام براهمة قصة مع عشق السلاح.. وحكايات مع مقارعة الأعداء.. وبصمات في كل الأرجاء.

الميلاد والدراسة

ولد الشهيد عصام عبد الرحمن موسى براهمة في قرية عنزا جنوب مدينة جنين بتاريخ 5/5/1963، في أسرة مكونة من 3 أشقاء وشقيقتين والوالدين، أنهى دراسة الثانوية العامة وانتظم لمدة عام في كلية المجتمع العصرية عقب الإفراج عنه من سجون الاحتلال بعد اعتقال دام أربع سنوات ونصف وهو في العشرينيات من عمره، وارتبط بعقد زواج مع إحدى الفتيات قبل استشهاده بعام ولكن عرس الشهادة كان أسرع.

صفاته

عن صفات الشهيد براهمة تتحدث والدته « أم هشام » بالقول: كان شجاعا جدا ، وكان يحب صيد الأفاعي، ويذهب مع والده لرعي الغنم، كان متفوقا في دراسته، بسيطا جدا، يتعامل مع الجميع، ويحب مجالسة الأطفال والعطف عليهم« .

وتضيف: وهو في سن الرابعة كنت أسأله عمّا يحب أن أحضر له عندما اذهب لسوق مدينة جنين، فكان يطلب لعبة (مسدس) ، وكان يلعب مع الأطفال ويقسمون أنفسهم لفريقين ».

وتوضح الوالدة أن الشهيد عصام كان ملتزما دينيا، ويحافظ على صيام يومي الاثنين والخميس منذ نعومة أظفاره ، ومحافظا على صلاة الجماعة في المسجد« .

أحد الأصدقاء المقربين من الشهيد في تلك الفترة، قال واصفا بعض خصاله: كان عصام ملتزما دينيا ومتواضعا ومندفعا نحو العمل الجهادي، وكان عنوانه العمل ضد الاحتلال بأي وسيلة عسكرية كانت، ومؤمنا بنهج الكفاح المسلح ».

ويقول صديقه أبو القسام وهو يحدق بصوره التي تملأ جدران المنزل وتزين أوراق الكتب التي تحتفظ بها والدته: كان عصام رجل تقيا نقيا ، محبا للجهاد والشهادة في سبيل الله، ترك متاع الدنيا وهاجر إلى الله« .

ويتابع: في إحدى المرات قال لي بشكل مباشر » لو كان يوم زفافي وكانت بجانب عروسي وجاءني أمرٌ من القيادة للقيام بمهمة جهادية لفعلت« ، كانت لديه شجاعة منقطعة النظير، يحب المساجد ويحافظ على الحلقات الدينية، وكان دائم الحث للشباب على حفظ القرآن الكريم وتحديدا سورة الأنفال؛ لما لها من شأن كبير في التاريخ الإسلامي، وتتحدث عن غزوة بدر الكبرى التي كانت أول لقاء بين الحق والباطل بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم ».

أقوال للشهيد

ومن مقولاته التي حدثنا عنها أبو القسام « يا شهادة في سبيل الله أبحث عنك في الأزقة وفي الشوارع وفي ساحات المساجد ، أريد أن أقبلك قبل أن يفرضوا الضرائب على القُبلات ، وأريد أن أضمكِ لأضلعي قبل أن يقطعوها »، وأيضا قال « فلتخرس كل الألسنة التي تنادي بغير الإسلام »، و« عاشت السواعد التي فجرت ثورة السكاكين ».

مشوار الجهاد

بدأ الشهيد عصام براهمة مشواره الجهادي بعد خروجه من السجن عام 1990 حيث بدأ ببث بذور فكر الجهاد الإسلامي في عنزا مسقط رأسه ، التي لم يكن لهذا الفكر أي وجود له فيها واستطاع وخلال فترة وجيزة استقطاب العديد من الشباب المسلم في القرية ، وبدأ بمباشرة أعمال التنظيم والتوجيه لهؤلاء الأعضاء، حيث تمكن و خلال فترة وجيزة من  تأسيس أول جهاز عسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تحت اسم « عشاق الشهادة » الذي استطاع تحت قيادته أن ينفذ العديد من أعمال المقاومة والجهاد ضد الإسرائيليين.

ومن الضربات الموجعة التي كان لها الأثر، قيامه بزرع عبوات ناسفة على شارع جنين نابلس المحاذي للقرية، والتي أدى انفجارها إلى إصابة العديد من الجنود الإسرائيليين.

تجدر الإشارة إلى أنه اعتقل للمرة الأولى بتهمة نشاطه في صفوف حركة فتح، حيث حكم عليه بأربعة أعوام، وداخل قلاع الأسر التقى قادة الجهاد الإسلامي وتأثر بنهجهم ، ولكنه أبقى على مسألة التحول من تنظيم لآخر حتى خروجه من السجن؛ حفاظا على النسيج بين الأسرى .

ويحدثنا أحد أصدقاءه المقربين عن الفترة التي سبقت اعتقاله، وكانت بمثابة انطلاقته العسكرية، ليضيف: نشأ عصام في أسرة فتحاوية في حينها، وبدأ مشواره النضالي في نهاية العام 1982 عندما كان ضمن أول تشكيل تنظيمي محلي لحركة فتح في القرية، اعتقل في شباط 1986 وصدر بحقه حكم بالسجن لأربع سنوات، بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل خلية عسكرية إلى جانب شخص آخر« ، فضّل عدم ذكر اسمه.

وعقب الإفراج عنه من سجون الاحتلال في العام 1990 كانت الانتفاضة الأولى في أوجها، فمارس الشهيد عصام براهمة العمل الاجتماعي ليؤسس بعدها الذراع العسكري الأول لحركة الجهاد الإسلامي عشاق الشهادة، ويمارس العمل العسكري إلى جانب أصدقاءه من التنظيمات الأخرى، الذين خاضوا معه تجربة الأسر ومن ضمنهم الشهيد حسن صالح براهمة والذي استشهد أثناء إعداده لعبوة ناسفة.

ليلة الاستشهاد

يقول »أبو القسام« : كانت الليلة الأخيرة للشهيد عصام ليلة لا تنسى في تاريخ ونضال قرية عنزا، يوم الخميس 10/12/1992، فعند السادسة مساءً ومع غروب الشمس، اقتحمت مجموعة كبيرة من القوات المستعربة قرية عنزا وحاصرت منزل عبد اللطيف براهمة »أبو صلاح« الذي كان يتواجد فيه الشهيد، بناءً على معلومات استخباراتية من أحد العملاء والذي بدوره دخل البيت قبل العملية وحدد هدفه.

ويضيف: طلبت القوات الإسرائيلية من الشهيد عصام تسليم نفسه لكنه رفض واستمر في إطلاق النار، حيث خرج كل من في المنزل وبقي وحيدا يواجه القوات المدججة بالأسلحة بمساندة طائرتين عسكريتين، وشارك في العملية الميجر جنرال داني يتوم وموشي يعلون أحد جنرالات الاحتلال إلى جانب إيهود باراك ».

ويتذكر أبو القسام أن عصام  استمر في المقاومة حتى الساعة الثالثة فجرا، حيث أن قوات الاحتلال قامت بإحراق المنزل وتفجيره باستخدام قذائف الأنيرجا الحارقة معتقدين أنه استشهد، لكن المفاجأة التي أفجعت الاحتلال أنه وعند دخول عدد من الجنود لإخراج جثته تفاجئوا بوابل من الرصاص يسقط عليهم وصيحات الله أكبر تملأ المكان، وأصيب عدد منهم بإصابات مباشرة ، ليتبين لهم أن عصام لا زال حيا وأنه تحصن في أعلى المنزل، فانسحب الجنود ودخل فوجٌ آخر بعد لحظات بعد أن تأكدوا أن صوت إطلاق النار قد توقف ليباغتهم مرة أخرى ويجرح 3 جنود ويستشهد معلنا انتهاء المعركة غير المتكافئة ناطقا الشهادتين".

يشار إلى أن قوات الاحتلال لم تتمكن من دخول المنزل إلا بعد تأكدهم من استشهاد عصام، حيث أعلن ذلك في الساعة السابعة صباحا، واحتجزت جثمانه حتى ساعات مساء ذلك اليوم.

رحل عصام تاركا خلفه راية الحق ترفرف خفاقتا في سماء فلسطين وسط أجواء حزن وغضب عمت أرجاء القرية والمنطقة على فراقه، ولكن سجل الخالدين ظلّ محتفظا بسيرته العطرة التي تفوح ببطولاته وتضحياته التي لم تتوقف حتى استشهاده.

كلمات دلالية