خبر تسهيلات لتحييد الفلسطينيين وإطالة فتيل الانفجار

الساعة 11:36 ص|07 ديسمبر 2016

فلسطين اليوم

مركز أطلس للدراسات « الإسرائيلية »

أَقَرت حكومة الاحتلال زيادة تصاريح العمال المسموح لهم بالعمل داخل الخط الأخضر بـ 15 ألف تصريح، إضافة لما يقارب الـ 75 ألف تصريح التي تصدر بشكل دوري وشبه ثابت لعمال الضفة، فضلًا عن غض النظر عن عشرات الآلاف من العمال الذين يعملون بلا تصاريح، والمسمّون « الماكثون غير القانونيين »، والذين أغلبهم من الضفة وبعضهم من القطاع، الذين استطاعوا بشكل ما الحصول على تصاريح دخول محدودة الأهداف والمدة الزمنية، ويتناول الإعلام أيضًا أحاديث عن توجهات الاحتلال لتقديم تسهيلات مختلفة في مجالات متعددة، عملًا على ما يبدو بخطة الجزرات الخاصة بليبرمان، هذا على جبهة الضفة، وعلى جبهة غزة تناولت التقارير الإعلامية مؤخرًا توجهات نوعية في إطار تعميق وتشجيع الهدوء أو ما يمكن تسميته « الإحسان النوعي تجاه البؤساء إن أحسنوا السلوك »، سواء في إطار مكافأة وتشجيع السلوك الحسن أو في إطار إطالة فتيل الهدوء وتنفيس الضغط المتصاعد درئًا للمواجهة قدر الإمكان، واستثمار ما يمكن من وقت الهدوء المستقطع والثمين بين المواجهات.

والغريب ان ذات السياسة (سياسة الجزرات) تحكم توجهات حكومة الاحتلال تجاه فلسطينيين الداخل، تسهيلات وتقديم منح للأفراد ولبعض القطاعات من خلف ظهر قياداتهم، فهي تحاربهم وتنكل بهم وتحرض عليهم وتمارس بحقهم أقبح السياسات العنصرية بوصفهم أقلية قومية، وضد هويتهم الجمعية؛ لكنها تظهر وكأنها تنفتح عليهم كأفراد وكيانات قطاعية طالما أبدوا ولاءهم وحسن سلوكهم وتطلعهم للاندماج كأفراد شاكرين إحسان دولة اليهود.

فرغم اختلاف المشهد الفلسطيني في الـ 48 وفي الضفة وفي القطاع، وخصوصية كل إقليم التي تطورت مع التباعد والانفصال، ومع التغير النوعي إلى حد ما في طبيعة الصراع وشكله وأدواته؛ إلا ان إسرائيل تحاول بعناد ومكابرة وذكاء أن تقنع نفسها - قبل ان تقنعنا وتقنع العالم - أننا لسنا إلا جماعات سكانية يمكن في النهاية تدجينها، ومع هزائمها المتوالية ستختار مضطرة البحث عن الملاذات الاقتصادية، سواء بشكل فردي أو كجماعات وقطاعات، وتكتفي بالحد الأدنى من الكيانية الإدارية، لكن الأمر في القطاع مختلف بشكل كبير عمّا هو في شقي الوطن، فليس لإسرائيل تطلعات تجاه أراضي القطاع، وتنظر إليه باعتباره عبئًا أمنيًا وديموغرافيًا، وأقصى تطلعاتها يتركز في توفير وضمان أمن مستوطناتها ومراقبة التسليح، ولا يهمها ان تحول القطاع إلى مكان إقامة الدولة الفلسطينية.

التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين كقضية انسانية يمكن احتوائها عبر استراتيجية العصا والإحسان هو ممر إجباري لدولة الاحتلال، ولا بديل لها عنه طالما استمرت تتمسك بمواصلة الضم والاستيطان وترفض أي حل يفضي إلى انسحاب الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، فليس بوسعها الاعتماد فقط على العصا الغليظة التي جربت كثيرًا ولم تنجح في كسر إرادة المقاومة الفلسطينية، كما لم تنجح في توفير الأمن للمستوطنين على جانبي الخط الأخضر، وخطة احتواء الشعوب المحتلة عبر بعض الرشاوي والاغراءات ليست ابتكارًا إسرائيليًا، فهي سياسة قديمة بقدم الاستعمار، حيث مارسها عبر سياسة « فرق تسد »، وكانت نتيجتها فشلًا ذريعًا ودحرًا للاستعمار.

وفي إسرائيل لا يؤمن أحد حقًا بأنه يمكن القضاء على التطلعات الفلسطينية بالتحرر وكنس الاحتلال ولا يمكن إخماد جذوة المقاومة دون حل سياسي يتوج بإقامة الدولة وعاصمتها القدس، حل يرضي الغالبية العظمى من الفلسطينيين؛ لكنهم في دوائر صنع القرار اختاروا التعامي، وفضلوا ان يكونوا عبيدًا لديكتاتورية الأمر الواقع، بحثوا عن الممكن والمتاح لديهم من حلول آنية لتوفير القدر الأكبر من الأمن دون الصدام مع الأيديولوجيا الصهيونية. وحسب دوائر الأمن من بين الـ 75 ألف الذين يعملون بتصاريح داخل الخط الأخضر فإن اثنين فقط شاركا في تنفيذ عمليات أثناء انتفاضة القدس، ويُنظر إلى هذا العدد بالمقارنة لعشرات الآلاف الذين حافظوا على « عدم التورط بالأحداث » على أنها نسبة هامشية جدًا، بل ويقدرون في الدوائر الأمنية ان تصريح العمل يحول عائلة صاحب التصريح إلى عائلة محايدة، ويجعلها حريصة على أن تنأى بنفسها عن الانخراط في المقاومة حفاظًا على لقمة العيش. أي ان تصاريح العمل تؤدي إلى تحييد العائلات الفلسطينية عن الاشتراك في النضال الوطني، وتفضيلها للبحث عن الملاذات الذاتية، في ظل تفشي البطالة المحلية والتعثر الاقتصادي والإحباط السياسي والاجتماعي، وفي ظل تزايد الأعباء والمتطلبات الاقتصادية للأسرة الفلسطينية التي تحولت إلى أسرة ذات نمط استهلاكي عالٍ.

لذلك حرص جيش الاحتلال طول السنة الماضية على عدم زيادة الضغط على الفلسطينيين في الضفة، وحرص على التقليل قدر الإمكان من العقوبات الجماعية وجعلها موضعية أكثر ومحدودة زمانيًا، سعيًا لتحييد الغالبية العظمى من السكان عن المشاركة في النشاطات الانتفاضية، ولحصر وعزل المجموعات الناشطة، ويعتقدون في أجهزة الأمن ان إصرار الجيش على انتهاج تلك السياسة - برغم مطالبة عدد من السياسيين بالمزيد من العقاب الجماعي - كان له دورًا كبيرًا في محاصرة الهبة وانخفاض لهيبها. لكنهم في ذات الأجهزة الأمنية يقدرون ان التسهيلات ليست بديلًا لمنح الأمل ووجود أفق سياسي، والتسهيلات وحدها ستمنح في أفضل الأحوال المزيد من وقت الهدوء، لكنها لن تمنع الانفجار القادم.

على جبهة القطاع يبدو جليًا ان مستوطني الغلاف سوية مع قيادة المنطقة الجنوبية يرغبون في خلق أجواء إيجابية مع القطاع، وإرسال رسائل تعزز أجواء التهدئة للقيادة السياسية في القطاع، لتشجيع ما يشخص إسرائيليًا على انه ميل واضح لدى قيادة حماس بالمحافظة على الهدوء، فلدى المستوطنين ولدى قيادة المنطقة الجنوبية مصلحة مشتركة في تعميق الهدوء وتعزيزه عبر كل ما يمكن أن يساعد على ذلك، فالمستوطنون يخافون الحرب التي ستؤدي إلى تدمير مستوطناتهم وضرب اقتصادهم وتقضي على أريحية نمط معيشتهم، بينما الهدوء يعتبر مكسبًا صافيًا، ويبدو انهم يعملون بحكمة شمعون بيرس عندما قال بعد إطباق الحصار على القطاع في العام 2007 ان مجتمعًا طبيعيًا لا يستطيع النوم باطمئنان عندما يكون جيرانه جوعى، والجيش من جهته - وهو الذي سيدفع الثمن الأكبر ماديًا ومعنويًا في حال اندلعت الحرب، والذي يدرك أكثر من غيره ان الحرب على القطاع ليست إلا تضحيات وأثمان ولجان تحقيق بدون أي مجد أو إنجاز استراتيجي - يتمسك أكثر من أي جهة أخرى بكل فرصة لإطالة فتيل الانفجار وتخفيف التوتر واستبعاد احتمالات الانفجار.

ولأن المستوى السياسي لا زال مكابرًا وعنيدًا ومتمسكًا بشعارات غوغائية وأسيرًا لخطاب القوة اليميني الذي يترجم باستمرار الحصار؛ فإن هامش إطالة الفتيل وتنفيس الضغط يظل هامشًا محدودًا، يعاني من محدودية التنوع ومن صغر سلة التسهيلات، حيث تنحصر خياراتهم بين التسهيلات المحدودة، إدخال بضع مئات من العمال، ومنح تصاريح التجار، وزيادة عدد الشاحنات، وخلق الكثير من الأجواء الإيجابية، إجراء عملية تضخيم للأجواء سواء بهدف التضليل الخارجي، حيث عقب أردوغان في لقائه مع القناة الثانية ان الحصار عمليًا رفع عن القطاع، أو سواء بهدف تحسين المزاج العام وخلق حالة من التفاؤل لدى سكان القطاع.

كلمات دلالية