خبر رؤيا اليمين للقدس -هآرتس

الساعة 11:03 ص|24 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: نير حسون

 (المضمون: مبادرة خاصة من قبل رجال يمين تقدم البديل لتقسيم القدس وتحظى بمباركة وزراء في الحكومة. ويوجد في الخطة كل شيء: المواصلات، الديمغرافيا والسياحة، لكنها تتجاهل بشكل مطلق الفلسطينيين واحتياجاتهم - المصدر).

  مطار دولي كبير بين البحر الميت وأريحا، قطار من رام الله، منطقة صناعية وتجارية كبيرة بالقرب من قلندية وعشرات الفنادق الجديدة. هذه هي الخطة الجديدة للقدس للعام 2050 التي استكملت مؤخرا بمبادرة خاصة من متبرع يهودي، وهو رجل يمين من استراليا. ويعلن المخططون أنها لا تختص بحل المشكلات السياسية للمدينة، لكن الكثيرين يعتبرون أنها محاولة أولى من قبل اليمين لرسم رؤيا مستقبلية بعد 35 سنة، مستقبل بديل لتقسيمها بين الدولتين. أصحاب المبادرة عرضوا بعض أجزاءها على بلدية القدس ووزارات حكومية، ووزير السياحة ياريف لفين ووزير شؤون القدس زئيف الكين باركاها. وتوسع الخطة المساحة المتروبولينية للقدس حتى أريحا، غوش عصيون، رام الله وموديعين، لكنها تتجاهل السكان الفلسطينيين واحتياجاتهم.

خطة « القدس 5800 »، حيث سيصادف العام العبري 5800 في العام 2040، وهو العام الذي سيبدأ فيه المشروع، وهو مبادرة من كوين بريمستر، رجل الاعمال اليهودي من استراليا والمقرب من جهات يمينية في القدس، وخصوصا عضو المجلس البلدي النشيط اليميني آريه كينغ الذي كان من المبادرين للخطة. بريمستر جمع امواله من الاستثمار في شركة الاتصالات « سكايب » في بداية طريقها، وتجند في السابق لشراء الارض التي أقيمت عليها مستوطنة نوف تسيون داخل قرية جبل المكبر في جنوب القدس. وجُند ايضا لصفقات اخرى من اجل شراء العقارات من الفلسطينيين لصالح الاستيطان اليهودي، وهو يستثمر في فنادق واراضي في غربي القدس. مشروع « القدس 5800 » بدأ قبل حوالي خمس سنوات واستثمرت فيه حتى الآن 5 ملايين شيكل. وهذه ميزانية استثنائية لاعداد خطة من قبل مستثمر خاص. ومن اجل كتابة الخطة تم تجنيد مخططون وخبراء مواصلات وخبراء للتخطيط السياحي والهندسي.

« كانت الفكرة هي أن تتحرروا من المواقف السائدة اليوم، من المواقف السياسية، لا تسألوا اذا كانوا سيضعون جدارا أم لا، انظروا الى القدس بنظرة عليا، كيف يجب أن تكون »، قال أودي ريغونس، مدير عام صحيفة « ميكور ريشون » سابقا، ونائب مدير عام صحيفة « معاريف » وهو مسؤول رفيع المستوى في جمعية العاد، وهو الآن مدير المشروع. « الرؤيا هي اثارة التفكير حول القدس والتفكير الى الأمام ».

 

 

          يبدو أن المخططين قد استجابوا للتحدي وفتحوا مخيلتهم. القدس 2050 حسب الخطة هي « مدينة دولية مزدهرة ». وحسب رؤيتهم سيعيش في المدينة ومحيطها 5 ملايين شخص وسيزورها 12 مليون سائح سنويا. وستكون مكتظة بالسياح والفنادق وفيها مواصلات متطورة، لكنها ستُدار حسب مباديء بيئية متشددة. ولكن الأهم في الخطة، حسب ادعاء من ينتقدونها، هو تجاهل الوضع السياسي في القدس. وتتعاطى الخطة مع القدس على أنها متروبولين، وتوسع حدود التخطيط الى ما وراء الحدود البلدية الحالية للمدينة. حدود المتروبولين حسب « القدس 5800 » تشمل موديعين وغوش عصيون وبيت لحم وأريحا ورام الله. والخطة لا تتطرق لاحتياجات السكان الفلسطينيين أو تطوير الاحياء العربية التي هي المشكلة التخطيطية الاكثر صعوبة في القدس، ولا تطرح امكانية أن تشمل القدس في العام 2050 مؤسسات سلطة فلسطينية أو أن يكون الفلسطينيون شركاء في تخطيطها.

على رأس طاقم المخططين يقف المهندس شلومو غيرتنر، ومن بين الخبراء الذين ساهموا في الخطة، سواء في صياغتها أو متابعتها، يمكن أن نجد آريه ليس، مدير عام شبكة « يسروطال » سابقا، والمهندس غيورا سولر، والديمغرافي يعقوب فايتلسون، والباحث في معهد القدس اسرائيل كمحي، ورئيس قسم الجغرافيا في الجامعة العبرية البروفيسور نوعم شوفل والمصممون يورام غنسبورغ وميخا بن نون.

لقد تم استكمال الخطة قبل اربعة اشهر. وفي مقدمة الكراسة التي تعرضها يباركها وزير السياحة ياريف لفين ووزير شؤون القدس زئيف الكين. وفي الاسبوع الماضي استكملت النشرة باللغة الانجليزية للخطة وبدأ عرضها على متخذي القرارات في البلدية والحكومة. ويعد كينغ ايضا بعرضها على الادارة الامريكية الجديدة على أمل أن تؤثر على سياسة الولايات المتحدة تجاه القدس. والسؤال الهام هو هل سينجح أصحاب الخطة في تحويلها أو تحويل جزء منها الى وثائق سياسية للسلطات. في بلدية القدس رفضوا هذه الامكانية وقالوا إن الحديث يدور عن مبادرة خاصة لا تتعلق بالبلدية. ولكن مخططو القدس 5800 عرضوا أجزاء منها في جلسات للبلدية وجلسات وزارات حكومية. وفي وزارة شؤون القدس برئاسة الكين يقولون إن أجزاء من الخطة تتداخل ايضا مع سياسة الحكومة تجاه القدس. « يمكن اعتبار أن أجزاء واسعة من الخطة المقترحة مطبقة من قبل الحكومة، لكن الحكومة لا تضع سياستها بناء على هذه الكراسة أو تلك ».

قبل كل شيء، مدينة يهودية

في بداية الخطة وضعت المباديء الستة الاساسية لها. وجميعها تتحدث عن يهودية القدس: « دولة اسرائيل هي قلب الشعب اليهودي والقدس هي قلب دولة اسرائيل والشعب اليهودي »، يقول المبدأ الاول. ويقول المبدأ الثاني إن زيادة سكان القدس اليهود لن تكون فقط بناء على التكاثر الطبيعي، بل من خلال الهجرة الى المدينة. والمبدأ الثالث يتحدث عن أن الخطة « وضعت من اجل بناء عملية تزيد من فرص دولة اسرائيل والشعب اليهودي في الازدهار ». والمباديء الاخرى تتحدث عن الحاجة الى التخطيط الديمغرافي من اجل الحفاظ على اغلبية يهودية في المدينة.

« نحن لم نتطرق الى سؤال كيف يمكن حل الصراع، حيث أن هذا هو موضوع خارج الخطة. ولكننا نفرض أنه لاعتبارات غير سياسية لن يكون بالامكان تقسيم القدس، لذلك فاننا نتعاطى مع المتروبولين على أنه تواصل جغرافي حيث توجد حرية في حركة الناس والبضائع ». ولكن القدس بالنسبة لهم هي قبل كل شيء مدينة يهودية، والجهود من اجل تقليص المركبات غير اليهودية واضحة في الكراسة، حيث أن فصل كامل خُصص للحديث عن « التحدي الديمغرافي ». ومطالبة الحكومة بتبني سياسة ديمغرافية تحافظ على نسبة السكان العرب مقارنة مع السكان اليهود، حيث لا تتجاوز نسبتهم اليوم 40 في المئة: « تحليل التطور الديمغرافي في اوساط اليهود والمسلمين في متروبولين القدس يُظهر أنه اذا لم تتبلور سياسة ديمغرافية توقف هجرة اليهود الى خارج حدود المتروبولين، فمن شأن نسبة المسلمين في المدينة أن تفوق نسبة اليهود فيها »، كما جاء في الفصل الديمغرافي.

ويذكر المخططون أن القدس هي مدينة مقدسة للديانات الثلاث، لكن الاهتمام بالديانات غير اليهودية محدود جدا، هذا اذا لم يكن موجودا. كلمة « فلسطينيون » لا تظهر أبدا في الكراسة. وكلمة « مسلمون » ذكرت 11 مرة، 8 مرات منها في الفصل الذي يتحدث عن التهديد الديمغرافي.

 

 

          أساس الخطة هو تحويل القدس الى عاصمة سياحية دولية. ويوصي المخططون بزيادة غرف الفنادق في المدينة، ويتحدثون عن العدد المتزايد في عدد السياح من العالم الذي سيصل بعد 35 سنة الى 12 مليون سائح في القدس كل سنة. لذلك هناك حاجة الى اقامة فنادق كبيرة تضيف عشرات آلاف الغرف للمدينة.

اغلبية المشاريع في الخطة وضعت في خطوطها العامة، لكن المبادرات الوحيدة التي تم تفصيلها هي « مشروع المغاطس »، الذي يعتبر « المشروع الاول في خطة القدس 5800 والذي تم البدء فيه ». الحديث يدور عن اعمار عدد من المغاطس في المنطقة التي توجد بين مدينة داود والحرم. وقد تبرع بريمستر بالاموال للمشروع. « هذا المشروع يكشف عن طبقات أثرية لم تكن معروفة للجمهور وهي تبعد عشرات الامتار عن الحرم. وايضا حديقة هعوفل، الحلقة التي تربط بين مدينة داود والحرم والتي كان فوقها الهيكل الذي بناه الملك سليمان ». وجاء في الكراسة ايضا: « يمكن اجراء اجتماعات ولقاءات لمئات المشاركين في ذلك المكان على خلفية مدينة داود والحرم ».

هناك مشروعان آخران تم وضعهما بتفصيل وهما التطوير الكثيف للحديقة القومية في عيمق رفائيل كحديقة سياحية كبيرة، وموقع لاعادة الطريقة الزراعية القديمة وعدد من الفنادق. أحدها حسب الخطة سيكون داخل حدود قرية الولجة.

سيقام فندق واحد في جبل المكبر على الاراضي التي بملكية بريمستر في نوف تسيون. وقد قال أحد المطلعين على الخطة في السياق إن الدافع الاساسي ليس سياسيا بل اقتصاديا. وحسب رأيه « يوجد هنا مستثمر يفكر في الاستثمارات المستقبلية. والخطة هي احدى الطرق لتحقيق ذلك ». « الامر معاكس تماما »، قال ريغونس، « أي مستثمر لا يريد بناء فنادق مردودها الاقتصادي يكون بعد 20 سنة ».

وفي الفصل الخاص بالمواصلات تم اقتراح اقامة مطار دولي كبير (له قدرة على استيعاب 35 مليون مسافر سنويا) في هوركانيا بين القدس والبحر الميت، ليس بعيدا عن أريحا. « لا يوجد أي مكان في اسرائيل مناسب لاقامة مطار آخر مثل هذا المكان، وكأن يد الله أوجدته »، قال رئيس طاقم المخططين شلومو غريتنر. « بعد البدء في التخطيط اكتشفنا أن الفلسطينيين ايضا خططوا لاقامة مطار هناك. ويمكن أن يكون ذلك مطار مشترك يستخدمه الفلسطينيون والاسرائيليون. ومن هناك يستطيع جميع سكان الضفة الغربية السفر الى جميع أنحاء العالم. هذه فرصة اقتصادية كبيرة، لكننا أسرى القوالب ». خطة اخرى تتحدث عن اقامة قطار جديد من رام الله عن طريق القدس والخليل وحتى بئر السبع.

« يوجد هنا شعبان، لكننا لا نتحدث عن الحلول الادارية والسياسية. نحن نقول إن هذا المكان يجب أن يبقى مفتوحا، فهكذا فقط يمكن أن يكون نمو حقيقي »، قال غريتنر، « ايضا في اوشفيتس توجد شعوب مختلفة وتتحدث لغات مختلفة ». ويهتم غريتنر والمخططون بشكل كبير بالحاجة الى الدفاع عن جبال القدس. وهو يعتبر ذلك سبب آخر للتخطيط العابر للحدود الذي يتجاهل المشكلات السياسية. أجزاء كبيرة من الخطة تتحدث عن التخطيط البيئي للقدس الذي يشمل الدفاع عن المناطق المفتوحة واستخدام الطاقة المتجددة والشوارع البيئية وما أشبه.

ومع ذلك، حسب المخططين، فان الهدف الاول للخطة هو عرض جواب يميني لخطط تقسيم القدس. المهندس والمصمم يهودا غرينفيلد هو الذي رسم لمبادرة جنيف خطة التقسيم المفصلة للمدينة. المبادرون لـ « القدس 5800 » استدعوه من اجل الانضمام الى طاقم المخططين، لكنه رفض ذلك. « هذه الخطة ليست سيئة اذا كانت هناك قوانين تأخذ الواقع في الحسبان. هذه ليست المدينة التي أعرفها »، قال غرينفيلد، « هذه الخطة مقطوعة تماما عن الواقع المقدسي. أنا لا أعرف كيف يتحدث الناس عنها بشكل جدي. ويمكن القول إننا سنقوم باعطاء المواطنة للفلسطينيين وايجاد اماكن عمل وتعليم من اجل ايجاد دولة واحدة بين البحر والنهر. هذه رؤيا لا أتفق معها، لكنها واقعية. ولكن هنا يوجد انفصال مطلق وهذا امر عبثي. إن خلق رواية واحدة يهودية هو أمر خيالي، مع العلم أنه توجد روايات اخرى يجب علينا التطرق اليها ».

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية