خبر جريمة وطنية تصنعها أيد فلسطينية ..بقلم/ د. أحمد الشقاقي

الساعة 09:45 ص|20 نوفمبر 2016

أرقام صادمة تحدث الوزير أبو شهلا عنها بخصوص البطالة في الأراضي الفلسطينية، حيث وصلت إلى 400 ألف عاطل عن العمل، هذه الأرقام التي أصبحت تمر مرور الكرام في وسائل الإعلام، بعد أن انحرفت الغايات الوطنية عن أهدافها وأصبحت المصلحة الحزبية تفوق على ما سواها.

لا تكاد تخلو حارة أو بيت فلسطيني من الحديث عن المستقبل المجهول الذي ينتظر الشباب، الذين ضاق أفقهم، وانحسرت آمالهم في مستقبل غاب عن الأجندة الوطنية، وأصبحت التجمعات الأكاديمية والنخبوية تناقش تفاصيل ملَّ المتابع والمراقب من الاستماع إليها، وابتعدت عن جوهر الأزمات التي يعانيها المواطن. صحيح أن أزمات البلد تعود بالدرجة الأولى إلى الاحتلال الإسرائيلي، لكن اليد الفلسطينية باتت شريكة في هذا التراجع الذي أصبح ضحيته الشباب والخريجين، بعد انقسام قارب عمره العشر سنوات.

الطاقات الشابة التي باتت تنتظر لقاءً كروياً في صالة كافي أو مدرجات ملعب، لا تجد سبيلاً لها لاستثمار طاقتها في مسيرة النضال والبناء، بعد أن ارتفعت أسهم الهجرة، والهروب من الواقع في ظل فقد الأمل بحل قريب لهذه الموجة العاتية من الظلم والقهر.

أثارني أحد الطلبة في قاعات الدراسة الجامعية بسؤال بحكم تجربتي في دراسة الماجستير والدكتوراه عقب البكالوريوس مباشرة وكيف تمكنت من المواصلة؟ وما هي الطاقة التي دفعتني للاستمرار -كوني أعيش شبابهم وأرى الوطن بعيونهم- رغم سوداوية المشهد وانعدام المسئولية من أصحاب القرار، وقفت الإجابة أمام صراحة الطالب وقهر الواقع، لأحاول قدر الإمكان رفع معنويات جيل شاب يعيش اللحظة في أروقة الجامعات، بين الكتب والأبحاث يرى كرسي البطالة بانتظاره بعد سنوات!! لأتفاجأ بموقف جماعي للطلبة في قرارهم بالالتحاق بالجامعات يعود لضغط أولياء الأمور عليهم بالاستمرار في الطريق، عل الله يحدث بعد ذلك أمرا .

جملة التساؤلات التي يقدمها الطلبة تبحث عن إجابة المسئولين، فكيف لجيل نشأ وترعرع في ظل الانقسام منذ الابتدائية وهو الآن على وشك أن يكون خريجاً مهندساً أو إعلامياً أو محامياً أو...، ولا يكاد يغيب عن مسامع أذنيه تفاصيل انقسام أرهقته، وجعلته عرضة لكافة أشكال الهجوم من مخدرات وفساد وضياع. أيعقل أن تبقى الحالة الفلسطينية تراوح مكانها وقادة العمل السياسي الفلسطيني يمارسون دورهم التقليدي ويحظون برغد الحياة على حساب جيل فقد الهوية، وأضحى ينتظر فرصة بالخارج يتمسك بها، ويحلم بمخلص يدفعه للحياة، بعد أن عاش تفاصيل الموت بأنواعه في أرض الرباط.

الجريمة التي تكتمل أركانها بجيل لا يجد معنى لوجوده سوى ندب الحظ، يرى في طرفي الانقسام شركاء في مصيره الحالي، وما يغيب عن الساسة أن الجيل القادم أصبح أكثر إدراكاً ووعياً لما يجري حوله، والتطورات التكنولوجية الهائلة في عالم الاتصال وتبادل المعلومات، جعلته يطلع على تجارب الآخرين بشكل أكبر، والاتهامات التي تدور بين هذا الجيل لا تنحصر في جهة عن أخرى، بعضهم أسرته يعولها من يتقاضى راتبه من رام الله، وهو عاطل في بيته ويرى أن هذا الراتب هو شئون اجتماعية تقدمها الإرادة السياسة لكسب الولاء، وتحرم الجيل من فرصة وظيفية لصالح جيوب المسئولين وولاة الأمر. وهو ذات الجيل الذي يرى في ويلات الحصار على غزة نتيجة لتصلب الإرادة السياسية حول المصلحة الحزبية، التي تحرم أبنائها من راتب كامل بل والأشد عجبا أن تفتح باب الوظيفة لبضعة آلاف من العسكريين ولا تقدم وظيفة لخريج جامعي!!

عناوين هذه الجريمة لا تقتصر على الفصائل، بل تمتد لتصل إلى مؤسسات الدولية، ومنظمات مجتمع مدني تقتصر برامجها على ما يتواءم مع سياسة المانح، وتغيب عن التفاصيل الحقيقية للوجع الفلسطيني المسكون في أبنائه بالمخيمات والمدن الفلسطينية.

أمام هذا الواقع المظلم رسالة جيل فقد الثقة بمسئوليه، أن الواقع لا يبشر بخير، وأن القادم يستدعي أمانة ووطنية في التعاطي معهم، فطاقات الشباب المهدرة بحجة الوطن والقضية، ستقف لتحاسبهم فلم يعد من المقبول أن تستمر المعاناة بأيد فلسطينية.

 

صحفي وأكاديمي إعلامي

 

كلمات دلالية