خبر الخنازير البرية آفة تؤرق الفلسطينيين: عجز وشبهات

الساعة 05:39 ص|17 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

 

منذ عقد أو يزيد، بدأت أعداد الخنازير البرية تزداد كثيرا في الضفة الغربية المحتلة في فلسطين، إلى أن تفاقمت وأصبحت تُعد بالآلاف بحسب المزارعين. فما إن يسدل الليل ستائره، حتى تبدأ باستباحة أراضي المزارعين، خاصة في شمال الضفة، لتعيث فيها فساداً وخراباً وتدميراً، حيث تُعدّ التربة الرطبة والمناطق التي يطلق عليها السبخات (أماكن تجمع المياه) بيئة جاذبة لتلك الخنازير، لتبدد بذلك آمال المزارعين.

المزارع فايز طنيب (55 عاماً) من محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، يقول إن مزرعته (البالغة مساحتها 32 دونماً) تتعرّض منذ ما يزيد عن عامين، لمداهمات كثيرة ومكثّفة من قبل قطعان الخنازير البرية المتوحشة، موضحاً لـ «السفير» أنه «أسبوعياً تتعرّض مزرعتي للتخريب، الأمر الذي تسبب بخسارتي الكثير من المحاصيل الزراعية، كان آخرها خسارتي لمحصول الذرة بمساحة دونمٍ كامل، بفعل طحن وتكسير عروق وأغصان المزروعات».

طنيب، يؤكد أن خطر هذه الحيوانات لا يتوقف عند الخسائر المادية، بل يطال الأمن الشخصي للمزارعين، مضيفاً أنه تعب من التواصل مع الجهات الرسمية المختصة، لكنه يبرر عدم تحركها الفاعل بالقول «يبدو أن التقسيمات السياسية هي السبب وراء ما يعيق تعامل تلك الجهات مع هذه المشكلة وممارسة الدور المطلوب منها، حيث إن أغلب المناطق الزراعية الفلسطينية تقع في المناطق المصنفة (C) الواقعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية».

في بلدة بلعا التابعة لمحافظة طولكرم، يعمل 80 في المئة من سكانها، البالغ عددهم 10 آلاف مواطن، في الزراعة.

وبحسب رئيس البلدية رشدي أبو خضره، فإن طبيعة الجبال ووعورتها، تُعدّان بيئة مناسبة للخنازير الباحثة عن الماء والغذاء، وهو ما يدمّر المحاصيل الزراعية، علماً أن اعتداءات قطعان الخنازير لا تقتصر على تدمير المحاصيل، بل تمتد لمهاجمة المزارعين كلما سنحت لها الفرصة، وهو الأمر الذي دفع بالمزارعين للتسلح بالعصا أو ما شابه، والتخطيط للدفاع عن النفس.

من جهته، يقول الخبير الزراعي في جمعية التنمية الزراعية (الإغاثة الزراعية) صادق عودة إن الخنازير البرية قبل العام 1967 كانت شبه معدومة في الضفة الغربية، بحيث لم يسجل أي مشاهدات لها، غير أنه مع نهاية القرن الماضي، جلبت قوات الاحتلال أعدادا من الخنازير البرية والثعابين بواسطة شاحنات، وتم تفريغها في الضفة الغربية (بحسب شهود عيان فلسطينيين)، فأصبحت الأحراج القريبة من المستعمرات الإسرائيلية، إضافة إلى مياه الصرف الصحي التابعة للمستعمرات، مكاناً مناسباً لتكاثرها، مضيفاً أن «إقامة جدار الفصل العنصري، كان سببا إضافيا لمنع عودة تلك الخنازير للجانب الإسرائيلي، ونتيجة للتكاثر الطبيعي لهذه الخنازير، وعدم وجود المفترسات لصغار الخنازير مثل الضباع، ازدادت لتصبح من أكثر الآفات التي تهدد محاصيل المزارعين، خاصة في شمال الضفة الغربية، نظرا لأن الأسمدة الطبيعة المضافة للأشجار، وما ينتج منها من تكاثر للحشرات، يدفع الخنازير للحفر أسفل تلك الأشجار بحثا عن الديدان والحشرات، وهو ما ينتج منه خلع تلك المزروعات وتكسيرها وتدميرها».

ويؤكد عودة أن زراعة المحاصيل البعلية قد تراجعت فيها بنسبة 50 في المئة، وخاصة الفقوس، أما من استمر بزراعته من المزارعين في سهل دير بلوط (الذي يزرع به 70 في المئة من الفقوس الفلسطيني) فتتكاتف جهودهم من أجل القيام بدوريات حراسة ليلية منهم لحماية مزروعاتهم، وتنفيذ حملات جماعية لمكافحة الخنازير بواسطة السموم، علما أن قيمة التعويضات التي تقدمها وزارة الزراعة للمزارعين جراء تدمير المحاصيل بفعل الخنازير تحت بند الكوارث، تبقى قليلة مقارنة بحجم الخسارة المادية التي يتكبدها المزارع، بحسب عودة.

ويشير عودة إلى أن اصطياد تلك الخنازير عن طريق السموم ليس سهلا، لأن الخنازير ذكية إذ إنها ترسل إحداها كضحية، فإذا أكلت الضحية أو شربت السموم وماتت، لا تعود بقية الخنازير للأكل.

بدورها، أقرّت وزارة الزراعة على لسان المدير العام للإدارة العامة للغابات والمراعي والحياة البرية حسام طليب أنه ليس لدى السلطة سوى فرقة مكونة من 14 رجل أمن مختصين للعمل على اصطياد هذه الخنازير»، مضيفاً «هناك حاجة لزيادة طاقم مكافحة الخنازير التابع للأجهزة الأمنية، كما هناك حاجة ملحة لإدخال المزيد من الطلقات النارية (التي نحضرها من إسرائيل) الخاصة لمكافحة هذه الخنازير البرية من خلال الارتباط العسكري الفلسطيني، إذ إننا طلبنا 100 ألف رصاصة خلال الفترات الماضية، غير أن كل ما وصلنا فقط 5 آلاف رصاصة».

ويشير طليب إلى أن الاحتلال يمنع إدخال بعض أنواع السموم لأراضي السلطة الفلسطينية منذ العام 2003 بذريعة تأثير هذه المبيدات على المياه الجوفية والتنوّع الحيوي والحياة البرية، وبحجج عسكرية إسرائيلية غير معلنة أهمها دخول هذه المبيدات في إعداد وتصنيع مواد متفجرة، وبالتالي، فإن وسائل المكافحة المتوفرة أثبتت عدم فعاليتها في أغلب المحافظات، بحيث لا تتجاوز فعاليتها نسبة الـ10 في المئة، خاصة مع الغطاء الذي تؤمنه المستوطنات والجدار للخنازير لعيشها قريباً منها، فاصطياد الخنازير غالبا ما يحتاج إلى التنسيق مع الإسرائيليين».

وحول ما إذا كانت الوزارة تمتلك مسحاً شاملاً لمساحات الأراضي المتضررة، أو تقديراً مالياً لقيمة الأضرار، أو حتى لأعداد الخنازير التقريبية، يجيب طليب «آفة الخنازير البرية من أخطر الآفات التي بات يعاني منها المزارع في الأراضي الفلسطينية منذ العام 2002، وخاصة في المناطق الجبلية والوسطى والأغوار، وعلى الرغم من عدم توفر مسوح تفصيلية شاملة لمساحة أو قيمة الأضرار التي تسببت فيها الخنازير البرية للمحاصيل الزراعية، إلا انه يمكننا القول إننا رصدنا ذلك في بعض المناطق، حيث يتكبد القطاع الزراعي في محافظة سلفيت على سبيل المثال، خسائر تصل ما نسبته 60 في المئة من إجمالي منتجات الخضار المكشوفة بسبب اعتداءات الخنازير سنويا، فيما تصل الخسائر في المحاصيل الحقلية إلى ما نسبته 25 في المئة سنويا، فيما تتأثر محاصيل البستنة من (لوزيات وتفاحيات) بنسبة 10 في المئة، أضف لذلك تخريب الخنازير البرية للجدران الاستنادية الحجرية (السلاسل الحجرية)، الأمر الذي أدى لأن يهجر الكثير من المزارعين أراضيهم، ناهيك عما تسببه من اعتداءات متفرقة على بعض المواطنين ومهاجمتهم في كثير من المناطق، من بينها ما حدث في قرية الطيبة في محافظة جنين وقرية بيت ريما في رام الله، والتي تسببت بجروح غائرة وصلت حد 30 سنتيمتراً، بحيث سجلت هذه الحالات وغيرها من قبل وزارة الصحة».

ويحمّل طليب الاحتلال جزءا كبيرا من المسؤولية في انتشار الخنازير البرية في الأراضي الفلسطينية، معتبراً أنها «ظاهرة مفتعلة، إذ لا يخفى على أحد نيات إسرائيل المبيتة من اجل استهداف القطاع الزراعي، وذلك عبر إطلاق وتهريب الخنازير البرية إلى الأراضي الفلسطينية، علما أن جدار الفصل العنصري، فاقم المشكلة بحيث تم إبعاد أعداد كبيرة من الخنازير للأراضي الفلسطينية، ناهيك عن أن المساحات المفتوحة المحاذية للمستعمرات الإسرائيلية، باتت بيئة مناسبة بالنسبة للخنازير البرية، خاصة ان الحيوانات النافقة تلقى في المياه العادمة المجاورة لتلك المستوطنات، وهي إحدى المشكلات التي تواجه مكافحة آفة الخنازير البرية عبر الوسائل الفاعلة».

 

كلمات دلالية