خبر روسيا وإسرائيل: علاقة تنسيق المصالح

الساعة 01:40 م|13 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

نهاية الأسبوع المنصرم حطت طائرة رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف في مطار بن غوريون، ومن هناك توجه مباشرة إلى زيارة حائط البراق برفقة الحاخام الأكبر ليهود روسيا والحاخام الأكبر لإسرائيل، في محاولة منه لتخفيف وقع التصويت الروسي لصالح قرار اليونسكو الذي اعتبر القدس جزءًا من التراث الإسلامي. ميدفيديف لم يكتفِ بذلك؛ بل أعلن أن روسيا اعترفت دومًا بالعلاقة التاريخية لليهود بمدينة القدس.

الزيارة - التي يفترض أن تكون هامة واحتفالية لإسرائيل، والتي هي جزء من الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عامًا على إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين - لم تحظَ بأي تغطية أو اهتمام من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية، حتى إن هناك من اعتبر تجاهل الزيارة أمرًا مقصودًا.

ميدفيديف عقد في إسرائيل ثلاثة لقاءات منفصلة، مع نتنياهو والرئيس ريفلين ورئيس المعارضة هرتسوغ، ويبدو أن أهمية الزيارة تكمن في مجرد حدوثها، وفي تأكيد عمق العلاقة التي تزداد حميمية بين إسرائيل وروسيا، وفي عدد من الاتفاقات التجارية والاقتصادية التي وقعها الطرفان؛ ففي التصريحات واللقاءات الصحفية التي أعقبت اللقاءات الثلاثة تعمد ميدفيديف التأكيد على عمق العلاقة والشراكة بين البلدين، ووصف إسرائيل بأنه « يشعر بها وكأنه في بيته »، متجاهلًا أي حديث في السياسة أو كل ما يتعلق بالصراع أو المبادرة الروسية لعقد قمة ثلاثية، وكأن ميدفيديف كان يقوم بزيارة لدولة فنلندا، لقد اجتهد أن يكون مؤدبًا وحميميًا ودافئًا، حتى انه وعد ببذل الجهود للمساعدة في الإفراج عن الجنود الأسرى، وأكد على عمق الشراكة الروسية - الإسرائيلية في التعاون الاقتصادي، وتطلع روسيا للاستفادة من التقنية الإسرائيلية في مجال الزراعة، والتوحد في مواجهة « الإرهاب ».

في سنوات سابقة كان يمكن أن ينظر إلى مثل هذه الزيارة بأهمية كبيرة على المستوييْن الرسمي والشعبي، لكن في ظل تنامي العلاقات السياسية والأمنية والانفتاح الكبير بين بوتين ونتنياهو باتت مثل هذه اللقاءات مع رئيس حكومة محدود الصلاحيات أشبه باللقاءات البروتوكولية والروتينية، فالصفقات المهمة تعقد مع القيصر، وإسرائيل أصبحت دولة قادرة على أن تفرض على الآخرين ان يأخذوها على محمل الجدية بما تمتلكه من قوة وتأثير ونفوذ في الإقليم وفي العالم وفي مختلف المجالات.

العلاقات الإسرائيلية - الروسية في تحسن دائم

عشية قيام إسرائيل قدّم الاتحاد السوفييتي في حينه مساعدات ودعمًا لا محدود لإسرائيل، محاولًا التأثير عليها ومعتقدًا بأن إسرائيل التي تبنت نظام الكيبوتسات (المزارع الاشتراكية) يمكن أن تكون جزءًا من المعسكر الاشتراكي، لكن بن غوريون حسم الأمر سريعًا باعتبار إسرائيل جزءًا من المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، فتحول الاتحاد السوفييتي إلى مصدر التسليح والدعم السياسي للكثير من الدول العربية. العلاقة بين البلدين وصلت بعد حرب 1967 إلى قطع العلاقات الديبلوماسية، وقد استمرت القطيعة الديبلوماسية حتى العام 1991، حيث وقبل انهيار الاتحاد السوفيتي بشهرين، وفي عهد يلتسين، تم الاتفاق على إعادة العلاقات الديبلوماسية وفتح السفارات في موسكو وتل أبيب، وبعد وصول بوتين إلى الحكم وشارون إلى رئاسة الحكومة تعمقت العلاقات، وتوّج ذلك بزيارة تاريخية لبوتين إلى إسرائيل في العام 2005. ليبرمان الذي شغل حقيبة الخارجية في العام 2009 اشتغل جديًا على جعل روسيا جزءًا من حلفاء إسرائيل، ونجح في مد جسور العلاقة لتصل إلى تعاون أكبر في مجالات متعددة، وما ساعد في تمتين هذه العلاقة الرؤية السياسية الإسرائيلية التي بات نتنياهو يتبناها، وهي تنويع وتعدد علاقات إسرائيل مع الدول العظمى، ومع الدول التي يتوقع أن تحتل مكانة هامة في الاقتصاد والسياسة الدولية في ظل تراجع الدور الأمريكي في الساحة الدولية في عهد أوباما، نتنياهو - الذي يخص تعاظم الدور الصيني والهندي والروسي على حساب التراجع الأمريكي - وجّه جهوده وسياساته الخارجية لتعزيز علاقات إسرائيل مع هذه البلدان، وهي تشهد اليوم حالة من النمو والازدهار.

إسرائيل - التي اعتمدت في نشأتها وفي استمرار قيامها على رعاية الدول العظمى - لا زالت ترى في هذا الأساس أحد أهم مقومات أمنها القومي، لكن هذه العلاقات لا زالت في إطار العلاقة التكتيكية، ولا زالت العلاقة مع أمريكا تحظى بالمكانة الاستراتيجية وذات الأولوية الأهم عند صانع القرار الإسرائيلي، حتى في ظل ما عرف في إسرائيل بالتوترات بين البلدين في عهد أوباما.

إسرائيل في علاقتها مع الدول الاسيوية لا تقف متسولة على أبوابها؛ بل تأتيهم بما يحتاجون إليه وبما تملكه هي من تكنولوجيا وعلوم وتقنية ونفوذ سياسي، وهي بذلك تكسر طوق العزلة، وتساعد على التقارب السياسي وتخلق أسواقًا لصناعاتها.

لاقة تأمين المصالح

العلاقة مع روسيا في هذه المرحلة تكتسب أهمية فائقة بحكم تداعيات التدخل الروسي في سوريا، حيث باتت روسيا بجيشها وأسطولها ومناطق عملياتها دولة جارة لإسرائيل - بحسب الإعلام الإسرائيلي - وباتت ربّ البيت في سوريا؛ الأمر الذي فرض على الروس وعلى إسرائيل تعميق العلاقة والتنسيق العسكري لضمان مصالح الطرفين دون الإضرار بمصالح الطرف الآخر، ولتجنب تكرار ما حدث مع تركيا من إسقاط طائرة روسية. إسرائيل - التي تتابع ببالغ الاهتمام ما يحدث على الساحة السورية - يهمها أولًا وقبل كل شيء تأمين مصالحها الأمنية والسياسية، والقناة الروسية هي القناة الوحيدة المتاحة لضمان مصالحها، ولأن إسرائيل تملك القدرة على التأثير على نجاح أو فشل الجهود الروسية؛ فإن روسيا مستعدة لأن تصغي للمصالح الإسرائيلية وأن تذهب بعيدًا في ذلك، ففي النهاية روسيا اليوم ليست إلا دولة تطمح في توسيع نفوذها ومصالحها لاستعادة نفوذها الامبراطوري، وإسرائيل هي أحد أهم اللاعبين في المنطقة.

نتنياهو - الذي يولي العلاقة مع روسيا أهمية عليا، وقد تبدى ذلك من عدد زياراته لموسكو ومهاتفاته لبوتين خلال العام الجاري، وطلبه من الرئيس ريفلين أن يلغي زيارته لأستراليا لصالح

 

كلمات دلالية