تقرير غزة: فقدوا الأمل في « بطالة ».. ففضلوا المجازفة

الساعة 08:57 ص|13 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

حفلات الخريجين تُزين صرح الجامعات في كل عام، مودعين حياة التعب والجهد في تحصيل الدرجات حالمين بموسم حصاد لثمار تعب تلك السنوات، لكن سرعان ما تنتهي لحظات الفرح وتصطدم أحلامهم أمام كابوس الواقع الذي يعيشه قطاع غزة في ظل انتشار البطالة وشح الوظائف الحكومية.

واقع من الاحباط الشديد يُخيم على خريجي الجامعات في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، منذ فرض الحصار عليها لأكثر من 10 سنوات؛ فالكثير من الطلبة يؤمنون بأنهم سيواجهون بطالة متضخمة بعد أن يتخرجوا من تخصصاتهم؛ ذلك لأن الأعداد الهائلة من الخريجين العاطلين عن العمل خَلَقت حالة من اليأس لديهم، فأصبحوا يرون الجامعة مرحلة لا داعي لها، بل مخاسر مادية تذهب سدى.

ومع شحِ الوظائف الحكومية، حتى أن عقود البطالة التي كانت تسد رمق الخريجين والعاطلين عن العمل لعدة أشهر أخذت في التناقص، يلجأ العاطلون لمشاريع خاصة صغيرة تسهم في حل أزمة مالية خانقة.  

فالمشاريع الصغيرة باتت حل جزئي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فاندفع الكثير من الخريجين لخوض التجربة زعم إيمانهم بأنه يشوبها المخاطر الكثيرة وربما يكون الفشل حليفها، فتتراكم عليه الدّيون بعد أن قدم كل ما يملك من أجل مشروع صغير ينقذه من حياة من الانهيار ودخولها ضمن ما يسمى الفقر.

شبح الديون

محمود نصار (25 عاماً) خريج لغة عربية عمل في حقل التعليم لمدة 6 شهور كعقد في مدارس الحكومة وبعد إنهاء فترة عمله، اضطر لإنشاء مشروع خاص به لبيع المطرزات التراثية وأدواتها؛ إضافة إلى مساهمته بتشغيل عدد من المهتمات في التطريز.

« نصار » والذي بدأ بالحديث عن مميزات مشروعه خلال حديث مع « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » استدرك قوله بأن المحل الذي بدأ في أولى مراحله مدراً للمال، ودخل مناسب للجميع بعد عام ونصف من إنشاءه تحول إلى شبح من الديون يطارده حتى اضطر مؤخراً إلى إغلاقه وبيع كافة معداته بخسارة كما وصف الحال.

وقال « نصار »: توجهت إلى احدى المؤسسات الداعمة لمشاريع الخريجين لدعم مشروعي وتمويله، ولكن ذلك التمويل كان بشروط السداد خلال فترة معينة وهذا ما سبب لدي عجز كبير في التمويل، أوقفت المشروع واضطررت لبيع كافة معداتي بالسوق بخسارة.

وأضاف « نصار » أن الأسعار الغالية التي تتميز بها المطرزات اليدوية لم تعد تلقى قبول من قبل الزبائن مما ساهم في تراكم الديون عليه؛ إضافة إلى تكلفة الايجار العالية للمحل الذي كان يحتوي البضاعة كانت من أبرز المعوقات التي دفعت نصار لإغلاق محله.

نحو حياة كريمة

« فداء أبو مغصيب » متزوجة وأم لطفلين خريجة بكالوريوس لغة انجليزية، لم يشفع لها مجموعها المرتفع في الجامعة ودورات التوفل التي حصلت عليها في أمل أن تجد فرصة عمل تعينها على تأمين متطلبات حياتها العائلية.

« أبو مغصيب » تصف في حديثها « لوكالة فلسطين اليوم الإخبارية » الوضع في غزة بالمتأزم قائلةً: « زوجي عاطل عن العمل وقلما يجد فرصة عمل تعينه على توفير قوت يومه؛ وظروف الحياة الصعبة دفعتني للتفكير بمشروع إعطاء دروس خصوصية باللغة الانجليزية داخل المنزل ».

و« تابعت: واجهت الكثير من الانتقادات من المجتمع المحيط لي وخاصة أنني أم لطفلين أكبرهم عامان ونصف، وحاجة أطفالي بهذا السن إلى وجودي بجانبهم، ولكن متطلبات الحياة صعبة للغاية وعلينا أن نعيش بكرامة ».

وفي ظل ازدياد حالة البطالة بين صفوف الشباب خريجي الجامعات تقول « أبو مغصيب »: إن الفرصة الوحيدة أما الشباب لمحاربة الفقر والخروج من أزمة البطالة هي المبادرة في إنشاء مشاريع حتى وإن كانت صغيرة للغاية تلائم امكانياته وقدراته المادية« .

وعند الحديث عن الجمعيات والمؤسسات التي تدعم المشاريع الخاصة وتمولها خلال فترة معينة اعتبرت »أبو مغصيب« أن تلك المؤسسات تزيد من تأزم الوضع ولا تقوم بحله؛ موضحةً أن المؤسسات تشترط وجود كفيل موظف وهذا ما لا يتوفر، إضافة إلى شروط السداد التي تدخل في الربا كما تقول؛ وهي شروط لزيادة الأزمة على أصحاب المشاريع لا لحل أزماتهم.

ربح قليل

الشاب طارق سعد الدين، فضل المجازفة بالعمل على مشروع صغير اقترض رأس ماله من أقاربه للعمل عليه، فاستأجر مكاناً وحوله لمطعم صغير لصنع البيتزا والمعجنات، ويقوم بتوزيعها حسب الطلب بمواصلات مجانية لصاحب الطلب لتشجيعه على الشراء.

سعد الدين وكما بين لــ »وكالة فلسطين اليوم الإخبارية« ، أن الربح الذي يعود عليه من هذا العمل قليل، ولكنه قد يغنيه عن الجلوس على طرقات الشوارع حسبما يقول.

يضيف: »قدمتُ أوراقي في الكثير من المؤسسات ومشاريع البطالة التي أعلنت في السابق ولكن لم أتحصل على أي وظيفة بسبب كثرة الطلبات المقدمة، فلجأت لهذا المشروع الصغير« .

وضع متأزم

من جهته، أوضح أمين أبو عيشة أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسراء بغزة، أن معدل البطالة بين الخريجين الشباب في فلسطين بلغ نحو 60% خلال الربع الأول 2016؛ والتي تعتبر الأعلى عالمياً.

وعزا أبو عيشة سبب ارتفاع المعدل إلى هذا الحد، إلى عدم ملائمة التخصصات الجامعية لسوق العمل وعدم وجود سياسات تشغيلية واضحة تساهم في الحد من البطالة في قطاع غزة.

وبين أبو عيشة في حديث لـ »وكالة فلسطين اليوم الاخبارية" أن الوضع القائم بغزة زعزع ثقة الشباب بالجامعات الفلسطينية التي تقدم تخصصات أكاديمية لا تناسب السوق المحلي مما يزيد من حالات عزوف الشباب عن التعليم والتحاقهم بسوق العمل.

وأضاف، أن مشكلة العاطلين عن العمل تزيد من تدهور الوضع داخل المجتمع، و تعمل على ظهور مشاكل اجتماعية واقتصادية صعبة تزيد من معدل الفقر في المجتمع 

وقال أبو عيشة: إن المشاريع الصغيرة هي مشاريع تشغيلية مؤقته تعتبر مُحرك التشغيل للتقليل من بطالة العمل على اعتبار أن الخريج يحصل على عائد مادي بسيط يعينه على تيسير أموره الحياتية.

وأكد أن أغلب المؤسسات التي ظهرت مؤخراً بسبب تمويل المشاريع تعتبر مؤسسات إقراضية تفرض شروط تعمل على تأزم الوضع ولم تساهم خلال السنوات الأخيرة في التنمية المجتمعية داخل المجتمع الفلسطيني.

وشدد أبو عيشة على ضرورة إنهاء الانقسام وفرض رقابة من قبل وزارة التربية والتعليم على التخصصات المطروحة في الجامعات الفلسطينية؛ إضافة إلى ضرورة وجود سياسات تشغيلية واضحة تعلم على تنمية المجتمع والتعلم على التشغيل الدائم وليس المؤقت؛ لحل الازمة وإنقاذ مصير الخريجين من المجهول.

 

 

كلمات دلالية