خبر أسباب النفور « الإسرائيلي » والصهيوني من المرشح ترامب

الساعة 09:03 ص|09 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

بقلم: إسماعيل مهرة

أطلس للدراسات

عادة ما تشعر إسرائيل بارتياح وانتشاء كبيريْن في أوقات التنافس الانتخابي الأمريكي على رئاسة الولايات المتحدة، سواء تلك التمهيدية أو التنافسية بين الحزبية، فجميع المرشحين بدون استثناء يتسابقون على خطب ودها، ويتنافسون على من يظهر ولاءً أكبر ودعمًا وتعاطفًا معها، ابتداءً من الاعلان على الموافقة على ضم القدس ونقل السفارة، وصولًا الى دعم أمنها وضمان تفوقها وتبني مفاهيمها السياسية والأمنية؛ وذلك طمعًا في نيل رضى المؤسسات الصهيونية، وبالتالي الحصول على أموال دعمهم.

ويصل بهم حد المهانة والتزلف ان غالبية المرشحين الجمهوريين يضطرون لتزلف الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون (وهو صهيوني متطرف وصديق نتنياهو وصاحب صحيفة « إسرائيل اليوم »، يربح أمواله من المقامرة والدعارة وصناعة الجنس وشبكات الكازينوهات)، حيث يجتمعون أمامه ويقدمون خطب التنافس في دعم إسرائيل، ليقرر هو في النهاية من سيدعم من بينهم.

بيد ان المرشح للانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري الملياردير العنصري اليميني منفلت اللسان دونالد ترامب، ابن التاسعة وستون عامًا، يشذ عن هذه القاعدة، ويقدم نموذجًا جديدًا، نموذج المستقل سليط اللسان وصاحب الأفكار المتطرفة أحيانًا في غرابتها أو في خروجها عن قواعد توازنات واضطرارت اللعبة الانتخابية، نموذج المستقل والمتحرر الذي لا يعبأ بجماعات الضغط، ويقول ما يرضي جمهوره الأبيض المحسوبين على الطبقة الوسطى.

ربما بسبب الطريقة الارتجالية التي يحاول ويجتهد ان يقدم نفسه من خلالها، وبسبب ردود فعله العاطفية والساخرة غير المتعقلة وخطاباته المثيرة للجدل، والتي تخطف الأضواء عادة وتحظى بتصفيق كبير من قبل الحضور، وربما لأنه يعبر حقيقة عن المشاعر الحقيقية لشريحة أمريكية واسعة من بيض الطبقة الوسطى، والتي لا يستطيع ان يعبر عنها المرشحون الجمهوريون الآخرون بذات طريقة ترامب، على سبيل المثال تصريحاته ضد المكسيكيين وضد المسلمين؛ ربما بسبب كل ذلك يتفوق ترامب على كل منافسيه بنسبة كبيرة، حيث يحصل على نسبة 35% مقابل أقوى منافسيه ماركو روبيو الذي لا تزيد نسبته عن الـ 11%.

الأمر الذي بات يعتبر مصدر قلق كبير داخل أروقة الجمهوريين وداخل المؤسسات الأمريكية عامة، لكن أكثر من يشعر بالقلق ويخشى من تتويجه مرشحًا للحزب الجمهوري هي المؤسسات الصهيونية الأمريكية وكل من يدور في فلكهم، إضافة طبعًا لإسرائيل، وهو الأمر المستغرب تمامًا، حيث جرت العادة أن يحظى المرشحون الجمهوريون الأكثر يمينية وعنصرية بدعم اللوبيهات الصهيونية، وقد كان ترامب في السابق عزيز يهود أمريكا وعزيز نتنياهو، ففي انتخابات الكنيست 2013 نشر ترامب تسجيلًا مصورًا يدعم فيه انتخاب نتنياهو للكنيست، وفي الـ 2015 بعد ان دعا ترامب الى إسكان الفلسطينيين في برتوريكو تعويضًا لهم عن التنازل لإسرائيل عن الضفة وقطاع غزة؛ قامت الصحيفة اليهودية « الجماينر جورنال » بمنحه أرفع جوائزها تقديرًا منها لمساهمته في دعم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

إلا ان الاحتضان الدافئ لترامب من قبل إسرائيل والحركة الصهيونية قد بدأ يتغير في الأسابيع الأخيرة إلى حضن بارد ثم إلى نفور وعداء، وقد استغلوا تصريحه ضد إدخال المسلمين إلى أمريكا بعد جريمة فلوريدا لشن حملة واسعة عليه، متهمينه بالتطرف والعنصرية والجنون السياسي، وجند الإعلام الأمريكي للتشهير به من محطات الـ CNN إلى « فوكس نيوز » اليمينية، وكأن التحريض على المسلمين بات فجأة مذمومًا ومشابها للتحريض على اليهود.

وما يثير الاستغراب والدهشة أكثر ان الأب الروحي للعنصرية وللتحريض ضد المسلمين بنيامين نتنياهو يعلن رفضه وانتقاده لأقوال ترامب ضد المسلمين، ويستغل تصريح ترامب ليرسل إشارات سلبية لترامب تجعله يلغي زيارته لإسرائيل، التي كانت مقررًا إجراؤها هذه الأيام، حيث أبلغ ترامب انه سيلتقي بنتنياهو لكن دون لقاء صحفي أو مظاهر احتفالية، وسيتم الاكتفاء بصورة فوتوغرافية، وأنه لن يستطيع التقاء موظفين حكوميين ولن يسمح له زيارة ساحات الأقصى، وسرب إليه انه ضيف غير مرغوب به؛ الأمر الذي استفز ترامب وأثار حفيظته، فعلق قائلًا على رفض نتنياهو لتصريحاته ضد المسلمين بأنه لا يصدق ان نتنياهو قال ذلك كونه يعرف نتنياهو وتوجهاته جيدًا، ويبدو ان ترامب محق جدًا في استغرابه ودهشته من انتقاد نتنياهو لتصريحه ضد دخول المسلمين الى أمريكا، والأسباب الحقيقة لنفور نتنياهو والمؤسسات الصهيونية الأمريكية من ترامب تعود بشكل رئيسي لأقوال ترامب في الأسابيع الأخيرة، سواء تلك المتعلقة بسطوة المال اليهودي على المرشحين أو تلك المتعلقة بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومكانة مدينة القدس.

مصابيح الصهيونية الحمراء بدأت بالاشتعال ضد ترامب وتشخيصه على انه لا سامي كاره لليهود، عندما قال ترامب في لقاء مع لوبي صهيوني انه يعرف أنهم لن ينتخبوه لأنه لا يحتاج إلى أموالهم، أي انهم لن ينتخبوا من لا يستطيعون شراءه بالمال، لأنه ثري جدًا ويعتمد على أمواله الخاصة لتمويل حملته الانتخابية، أي انه غير قابل لابتزازهم، وأضاف جملة ساخرة وصفت نظرته لليهود « لا أذكر يومًا أنني تحدثت في قاعة بها هذا العدد من السماسرة ومدراء المال »، في إشارة الى طبيعة مهنة اليهود؛ الأمر الذي أشعر الحاضرين بالدهشة وعدم الارتياح، وصنفوا أقواله بالعنصرية واللاسامية.

لم يكتفِ ترامب بهذه الأقوال، فقد صرح لاحقًا في اجتماع آخر انه لن يؤيد ضم القدس ولن يتعهد بنقل السفارة الأمريكية، بما يشكل خروجًا عن بديهيات خطابات المرشحين الجمهوريين في موضوع العلاقة مع إسرائيل، وأضاف أيضًا « لا أعرف الى أي مدى يوجد استعداد لدى الأطراف للوصول الى السلام، ولا أعرف إن كانت إسرائيل مستعدة لأن تقدم التنازل المطلوب للوصول للسلام »، وفي ذلك إشارة لتشككه بموقف نتنياهو تجاه السلام، وقد عاد وأكد أقواله تلك في لقاء مع وكالة « أسوشيتد برس » حيث قال « ان المستوطنات في الضفة تشكل نقطة خلاف كبيرة، والكثير الكثير يتعلق بإسرائيل وبرغبتها في الوصول الى السلام، وبمدى استعدادها لتقديم تنازلات في قضايا محددة، ربما لا تريد إسرائيل، وأنا لن اعترض على ذلك، لكن في هذه الحالة لن يحصل اتفاق سلام »، وأوضح انه « في حال وجد ان السلام ممكنًا فإنه سيصل إليه خلال ستة أشهر ».

صحيح ان ترامب هاجم الاتفاق النووي مع إيران، وهاجم سياسات أوباما واعتبره أسوأ شيء حصل لإسرائيل؛ لكنه يقدم نموذجًا جديدًا غير متملق أو متزلف للصهيونية، ويخرج عن طابوهات خطابات المرشحين، الأمر الذي بات يشكل مصدر قلق رئيسي لليهود، لا سيما وأن الأمر يتعلق بمنافس قوي، ويتعلق بزعيم انتخابي يشق طريقًا انتخابية لأول مرة بعيدًا عن مغازلة إسرائيل.

الموقف الإسرائيلي والصهيوني من دونالد ترامب ليس له علاقة جوهرية بموقف الأخير من المسلمين، رغم أنهم استغلوا موقفه من المسلمين لاستخدام وظيفي للتغطية على عدائهم لترامب نتيجة تصريحاته وأقواله ضد اليهود وضد بعض السياسات الإسرائيلية.

 

كلمات دلالية