خبر قراءة هادئة في مبادرة أمين عام الجهاد الاسلامي.. محاولة للخروج من المأزق الحالي وامكانية تطبيقها على أرض الواقع

الساعة 11:28 ص|07 نوفمبر 2016

طرح الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي، الدكتور رمضان عبد الله شلح (أبو عبد الله)، مبادرة من حوالي عشر نقاط خلال القائه كلمة أمام جمع غفير من المحتفلين في قطاع غزة يوم الجمعة الموافق 21 تشرين الاول 2016 بمناسبة مرور 29 عاماً على انطلاق حركة الجهاد الاسلامي على يد مؤسسها وامينها العام الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي الذي اغتيل في مالطا عام 1995. وقد شارك في هذا الاحتفال الجماهيري ممثلو جميع الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتهم القائد الحمساوي الدكتور محمود الزهار الذي القى كلمة مهمة حيا فيها المقاومة الفلسطينية، والجهاد الاسلامي، مؤكدا على أن خيار المقاومة مستمر ومتواصل.

مبادرة الامين العام للجهاد الاسلامي مهمة، اذ تضمنت مطالب ودعوات من اجل الخروج من المأزق الفلسطيني، وقد لاقت ردود فعل ايجابية. وهذا التحليل يحاول قراءة هذه المبادرة، وامكانية تنفيذها وتطبيقها على ارض الواقع في ظل الظروف والمعطيات الحالية فلسطينيا وعربيا ودولياً.

 

ما جاء في المبادرة

تضمنت مبادرة الدكتور شلح نقاطاً مهمة رئيسية يمكن تلخيصها بالآتي:

  • دعوة الرئيس محمود عباس الى الغاء اتفاق اوسلو بعد أن فشلت منظمة التحرير في التوصل الى اتفاقية لاقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967.
  • دعوة منظمة التحرير الى سحب اعترافها باسرائيل باعتبارها: “أم الكبائر والمصائب والكوارث في التاريخ الفلسطيني”.
  • ضرورة بناء منظمة التحرير لتصبح الاطار الوطني الجامع الذي يضم الكل الفلسطيني.
  • اعلان المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بأنها “مرحلة تحرر وطني من الاحتلال”، وان الاولوية هي لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المقاومة المسلحة. وهذا يتطلب اعادة الاعتبار للمقاومة والثورة الفلسطينية، وتعزيز انتفاضة القدس لتصبح انتفاضة شاملة، وقادرة على هزيمة الاحتلال ودحره عن أرضنا بلا قيد أو شرط.
  • ضرورة انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، واعداد استراتيجية جديدة شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق اوسلو بما ينهي وجود سلطتين وكيانين في غزة ورام الله.
  • الدعوة الى الخروج من حالة اختزال فلسطين ارضاً وشعباً في الضفة وقطاع غزة، والتأكيد على ان الشعب هو شعب واحد، وهذا يتطلب كل مكونات الشعب في آلـ 1948 و1967 ومناطق الشتات.
  • ضرورة الاتصال مع كافة الاطراف العربية والاسلامية لتتحمل مسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، وما تتعرض له من مخاطر، داعياً السلطات المصرية الى العمل على انهاء الحصار على القطاع والسماح باعادة الاعمار.
  • مطالبة قيادة منظمة التحرير بملاحقة قادة الاحتلال امام المحاكم الجنائية الدولية كمجرمي حرب، والعمل على تفعيل المقاطعة الدولية للاحتلال في كل المجالات، معتبراً ان ذلك يتطلب “التحرر من حالة الاستسلام للارادة الاميركية والمشيئة الاسرائيلية”.
  • الدعوة الى اطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد الذي سيعيد الاعتبار للقضية، ويضعها على الطريق الصحيح لاستعادة الارض والحقوق.

 

توقيت المبادرة

جاءت المبادرة في وقت حساس ومصيري اذ ان الجهود السياسية مجمدة، والتحركات السياسية هي “مكانك قف” رغم بناء آمال محدودة وغير مضمونة على المبادرة الفرنسية بعقد مؤتمر دولي قبل اواخر هذا العام، وتأتي ايضا في ظل اتهامات متبادلة بين حركتي “فتح” و”حماس”، وغياب افق تحقيق مصالحة، وفي جو متوتر بعد تأجيل انتخابات المجالس المحلية.

وتأتي هذه المبادرة في ظل استمرار الاقتحامات اليومية للحرم القدسي الشريف، وتواصل الانتفاضة /الهبة الجماهيرية بوتيرة هادئة جدا.

ولا بد من الاشارة الى ان الاوضاع العربية مأساوية، اذ ان سورية والعراق واليمن وليبيا في وضع غير مستقر نتيجة تآمر الغرب على اقطارنا العربية، وتواجد الارهاب في سورية والعراق وليبيا.

كذلك هناك محاولات اسرائيلية لجر دول عربية لا تقيم علاقات علنية مع اسرائيل، نحو التطبيع من خلال الادعاء بضرورة اجراء محادثات ومفاوضات حول المبادرة العربية التي اقرت في بيروت عام 2002، ومحاولة اسرائيل بالتعاون مع بعض الدول العربية على اجراء تعديل عليها من اجل أن تكون مقبولة من قبل اسرائيل. والتعديل يشمل اولاً وآخراً شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وكذلك القيام بالتطبيع مع اسرائيل لتشجيع الانسحاب الاسرائيلي من اراض عربية، وليس التطبيع بعد الانسحاب من جميع الاراضي العربية المحتلة منذ حزيران 1967.

وأهم ما في التوقيت ان المبادرة جاءت بعد ان تعالت اصوات فلسطينية سواء من فصائل فلسطينية او من حركات وقوى اسلامية تنادي بضرورة اقامة كيان فلسطيني يعتبر مرجعية للشعب الفلسطيني بديلا عن منظمة التحرير التي غابت نفوذها، الى حد كبير!

أي أن المبادرة جاءت كمحاولة لانقاذ الشعب الفلسطيني من مزيد من الانقسام، ومن حالة الازمة الداخلية التي يعيشها نتيجة غياب لافق سياسي واضح يؤدي الى “حلحلة” الامور، وتحقيق انفراج ما، او اختراق سياسي لهذا الجمود الذي يدفع ثمن معاناته ابناء شعبنا الفلسطيني.

 

امكانيات التطبيق؟

هل من الممكن تطبيق هذه المبادرة؟ سؤال يطرح ويناقش اذ ان المبادرة تضمنت نقاطاً مهمة وجيدة عديدة.

في الواقع هناك أمور أو نقاط قابلة للتنفيذ من بينها:-

  • تحقيق المصالحة بين القوى الفلسطينية المختلفة اذا تم تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والحزبية.
  • ضرورة بناء منظمة التحرير، وهذا أمر مطلوب، وتم تشكيل لجنة لذلك، ولكن لا بدّ من تفعيلها، لتحقيق الاهداف.
  • اجراء حوار فلسطيني فلسطيني شامل ليس بالامر الصعب اذا توفرت النوايا. وقد جرت جولات حوار سابقة، ولا بدّ من تجديد هذا الحوار وتفعيله، والالتزام من كل الاطراف باحترام وتطبيق ما يتفق عليه جميع المتحاورين!
  • الاتصالات مع الدول العربية لتتحمل مسؤولياتها، ولكن للاسف لا يستطيع الشعب الفلسطيني، ولا قيادته ان تؤثر على قرارات هذه الدول التي تتهرب من هذه المسؤولية، بل بالعكس تعمل على التطبيع مع اسرائيل.
  • الدعوة الى الخروج من حالة اختزال فلسطيني بالضفة والقطاع من الممكن تنفيذها اذا تمت الانتخابات لمجلس وطني جديد تشارك فيه كل القوى والحركات والفصائل الفلسطينية من دون استثناء، بيد أن الانقسام الفلسطيني يعرقل ذلك!

بالمقابل هناك بنود أو نقاط في المبادرة من الصعب تطبيقها وتنفيذها ومن أهمها:-

  • الغاء اتفاق اوسلو، اذ ان ذلك يعني حل السلطة الوطنية، او دعوة اسرائيل الى احتلال الضفة الغربية من جديد مع انها تحتل الضفة في العديد من الامور والشؤون.
  • المطالبة بسحب اعتراف المنظمة باسرائيل، وهذا امر صعب اذ انه يعني الغاء كل الاتفاقيات، ووضع كل القادة الفلسطينيين في السجون أو تصفيتهم من قبل اسرائيل.
  • اعلان المرحلة القادمة هي مرحلة تحرر وطني من الاحتلال هذا ممكن، ولكنه قد يؤدي الى تبعات ونتائج خطيرة قد تؤدي الى المزيد من المعاناة لابناء شعبنا الفلسطيني.

ولا بدّ من الذكر ان هناك معطيات محلية ودولية تلعب دوراً كبيراً في قبول هذه الندوة أو رفضها.

 

معطيات معرقلة

ومن هذه المعطيات المعطلة لكل بنود المبادرة:

  • ليست هناك استراتيجية موحدة، فأي قرار بحل السلطة او الغاء اوسلو سيدخل ابناء شعبنا الفلسطيني في نفق مظلم جدا، وستتعرض قيادته الى ضغوطات ثقيلة جدا جدا.
  • ليست هناك نوايا جادة جدا لتحقيق المصالحة الوطنية، اذ ان هذه المصالحة، لو تمت، ستهيء الظروف لتحقيق وتنفيذ الجزء الاكبر من هذه المبادرة.
  • عدة دول لها مصلحة في بقاء الانقسام، وبالتالي ستعمل على “تخريب” أي جهد بهذا الخصوص!
  • ليست هناك مؤازرة عربية او اسلامية لهكذا مبادرة، أو للقضية الفلسطينية اذ ان كل دولة منهمكة في شؤونها الداخلية وخاصة العديد من الدول المشغولة في امورها الداخلية.
  • غياب ثقة الشعب بقادته من مختلف الفصائل والقوى، وسبب ذلك يعود الى انه تم التوصل الى عدة تفاهمات واتفاقات في السابق، ولكن لم تطبق أو تنفذ على الارض، وكل طرف بدأ بكيل التهم للجانب الآخر بأنه وراء عدم التطبيق!
  • هناك قوى وطنية فلسطينية ما زالت تؤمن بالحل السياسي، وبالتالي لا تريد أي مواجهات مع الاحتلال، وخاصة مواجهات عسكرية، لان مثل هذه المواجهات لن تكون لصالح القضية الفلسطينية، وستدمر العديد من الانجازات السياسية، وستؤدي الى عزل القضية الفلسطينية، والى تهرب اسرائيل من أي مفاوضات او استحقاقات! وهذه القوى سترفض المبادرة ولن تدعمها.
  • لان المبادرة انطلقت من الجهاد الاسلامي، فان قوى فلسطينية قد تعتبر ذلك نوعا من جر الشعب الفلسطيني الى مأزق كبير، وان من يقف وراء ذلك هو “ايران”، أي انهم سيتهمون الجهاد الاسلامي بانها تبنت آراء ومبادرة ايرانية!
  • الصراع بين مختلف القوى العالمية على ساحة الشرق الاوسط قد يلعب دورا مهما في تعطيل تطبيق المبادرة او اعطاءها الاهتمام اللازم!

انطلاقاً من كل ما ذكر، فان المبادرة جيدة، فيها البنود المأمولة والمطلوبة من كل أبناء الشعب الفلسطيني، وبالمقابل فيها بنود من الصعب تطبيقها ما دامت النوايا الجادة للمصالحة غائبة، وما دام الانقسام الفلسطيني قائماً، وما دام العرب ينصرون جهة دون أخرى، ومعنيين بعدم الاستقرار.. واضافة لذلك فان بعض الدول العربية تسير نحو التطبيع مع اسرائيل، وهذا التطبيع بحد ذاته سيكون عبارة عن خنجر يطعن القضية الفلسطينية والمبادرة المطروحة.

هناك مبادرات عديدة طرحت في السابق، ولكن لم تر التطبيق، واصبحت حبرا على ورق.. ولكن هذه المبادرة مهمة جدا، واذا لم تنفذ او يهتم بها، فان الوضع الفلسطيني سيكون مأساويا.. وسيبقى معانياً الى ان تأتي معجزة تُغيّر من المواقف المتصلبة، وتصب كلها لصالح القضية فقط!

كلمات دلالية