خبر عهد القرضاوي لشلح: دلالات واستحقاقات

الساعة 07:43 ص|06 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

عبد الرحمن شهاب وعبد السلام أحمد

تنبع أهمية الإشادة التي أطلقها الشيخ القرضاوي والإسناد الذي أبداه لخطاب الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان عبد الله، في الذكرى الـ 29 لانطلاقة الجهاد الإسلامي، من جانبين؛ الجانب الأول: محتوى الخطاب نفسه، والذي عالج د. شلح من خلاله ثلاثة محاور رئيسية (الموقف التاريخي للحركة من إيران، رؤيته للخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي - مبادرة النقاط العشر، واعادة صياغة مكانة الحركة مما سمّي « الاسلام السياسي »)، الجانب الثاني: يكمن من أهمية القرضاوي نفسه وما يمثله؛ فهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومن ابرز العلماء المجددين والمدافعين عن قضايا الإسلام والذود عن ثغوره، وكتاباته لها أبلغ  تأثير في مجامع قلوب وعقول ملايين المسلمين على طول العالم الإسلامي وعرضه، والمرجع الأول لكبرى الحركات الإسلامية السنية - الاخوان المسلمين.

المستوى الإسلامي

هذه الإشادة والدعم الواضح والقوي - وإن تأخرت كثيرًا - تشكل ذخرًا استراتيجيًا وشهادة إسناد دامغة من ابرز المراجع في العالم الإسلامي السني بصوابية موقف ومسار وسياسة حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين في التعاطي مع القضية الفلسطينية بشكل خاص، والموازين التي تستند إليها الحركة في العلاقة مع الأطراف العربية والإسلامية سواء كانت دولًا أو أحزابًا أو جماعات. وكذلك رؤيتها الفكرية ووعيها العميق للمخاطر الجسيمة التي تحدثها النزاعات المذهبية في بنيان الأمة، وذلك بعد سنوات من الغمز واللمز في السر والعلن، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران، سيما بعد الإخفاقات المتكررة لكثير من الجماعات الإسلامية في تحديد أولوياتها وتشخيص حلفائها وأصدقائها وأعدائها في أكثر من موقع في العالم العربي والإسلامي.

حركة الجهاد - كما هو معروف - نأت بنفسها عن الاصطفافات المذهبية والشحن الطائفي والعرقي والمذهبي، والذي تفجّر عميقًا فيما عرف بـ « الربيع العربي » وظهور جماعات مصطنعة تقاتل تحت رايات مذهبية وطائفية وقبلية وتستدعي تاريخ الفتن والنوازل والنكبات.

وفي أشد اللحظات قتامة، ومحاصرتها ماليًا، في زمن أصبحت المقاومة تتحمل وحدها مسؤولية رعاية عوائل الشهداء والأسرى والجرحى وعوائل المتفرغين للمقاومة، وتوفير مأوى للمشردين؛ رفضت الحركة أن تستسلم وتذعن للواقع المعتل والمريض، وظلت ترفع بصوت عالٍ يسمعه الأصم: بوصلتنا فلسطين، ولن نكون أدوات تستخدم في مخططات الغير، ولن نقبل بأن نكون شهود زور في أخطر مؤامرة تتعرض لها الأمة وتشغلها عن وحدتها ونهضتها وقضيتها المركزية - فلسطين، وإدراكها أن من يهلك بنيران الحروب الطائفية هم المسلمون لا غيرهم.

إنها الحرب المذهبية التي خشيها الدكتور فتحي الشقاقي - رحمه الله -حين ظل يشيد بمحاولات التقريب بين المذاهب، ويحثّ على إعادة إحيائها باعتبارها من أشرف مراتب الجهاد وأعلاه في عصر الهيمنة الصهيوأمريكية، إدراكًا منه بأن العصبية المذهبية عائق كبير أمام مشروع سياسي إسلامي نذر له حياته على مستوى الأمة بكل مكوناتها، يرتكز في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية على أساسين: وحدة الأمة ومركزية القضية الفلسطينية.

أما وقد وقع المحظور واندلعت شرارة حرب تقاطع فيها السياسي مع المذهبي والطائفي وتحركت في ساحاتها قوى معادية حتى بات كأنه قدر هذه الشعوب؛ فكانت سياسة الحركة وأمينها العام الحالي « إن لم تكن قادرًا على وقف النزف عمليًا، فلا تنزلق إليه، لا بلسانك ولا بفعلك، وعض على أصل شجرة »، ورأت أن من مستلزمات (البوصلة فلسطين) الاستمرار على ذات الطريق  في رفض الفتنة وكل أشكال الصياغات التي تستند إلى التعصب الذي يفرق ولا يجمع ويبعد ولا يقرب، وأن المستفيد الأول والأخير هو العدو الصهيوني، حيث لا تخلو صحيفة صهيونية من التبشير بظهور بوادر غير مسبوقة من التعاون بين بلدان عربية وإسلامية وبين إسرائيل، وعن تبدل العداوة تجاه إسرائيل وتحولها  تجاه إيران والاخوان المسلمين وحماس والجهاد وحزب الله.

المستوى الفلسطيني

بوصلة الجهاد الإسلامي لم تضل طريقها رغم كل الضلال وسنوات التيه الفلسطيني، وهذا ما جعل المبادرة التي طرحها الدكتور رمضان تحظى بترحيبٍ من كل الاتجاهات، خاصة انه اعتبرها مدخلًا لحوار فلسطيني.

ومن هنا نعتقد انه قد آن الأوان للاستجابة إلى دعوته لحوار وطني شامل حول النقاط العشر، وبالمجمل فإن المبادرة أخرجت الحالة الفلسطينية من الارتهان إلى اتفاق ثنائي بين فتح وحماس وخلاف الطرفين المستمر حول تقاسم السلطة والمحاصصة، وإعادة الأمور إلى نقطة البداية، سيما أنها ركزت على  ضرورة إعادة تعريف العلاقة مع المحتل في ضوء فشل الرهان على التسوية السياسية وتنكر قادة الكيان للاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، واستغلال هذه الاتفاقات لفرض الواقع الصهيوني على الأرض، فالقضية الفلسطينية قضية  شعب بأكمله وأمة بأكملها وأكبر من أن تختزل في قضايا ذاتية وحزبية ورواتب موظفين.

نتفهم المخاوف التي يبديها البعض في التعاطي مع المبادرة، فهي لا تدعو إلى القفز في الظلام كما يقول البعض، وإنما إلى الشروع في حوار لتدارس النقاط، نقطة نقطة، والاحتمالات والبدائل والنتائج المترتبة، والحوار أسلوب حضاري لمعالجة الخلافات وتدارس الإشكاليات.  دعونا نجلس، فصائل وأحزاب ومثقفين، ونناقش ما هو الممكن وما هو المتعذر؟ وهل من الممكن تذليل الصعاب وتقديم المعالجات للمتعذر كي يعود ممكنا؟ وهكذا إلى أن نخرج من هذه الدائرة الجهنمية وهذا التيه المتواصل.

الاستحقاقات

القرضاوي

بمنزلته الاعتبارية عند أهل السنة، وبعد هذا العهد والإسناد - الذي تأخر طويلا رغم ان الحركة تستحقه وبجدارة ودفعت ثمنه غاليا - يجب ألا يبقى رسالة مقطوعة من التاريخ، ولكن يجب أن يبنى عليها، بتوقف كل مظاهر التشكيك في استقلالية قرار الحركة وفي عقيدة أبنائها والتشكيك في المواقف المتقدمة والمستنيرة لكوادرها، والتوقف عن محاصرتها ماديًا في العالم الإسلامي السني على المستويين الرسمي والشعبي، الذي حرمت منه الحركة بدعوى انها في فلك مناوئ.

إيران

لقد دفعت حركة الجهاد الإسلامي نظير موقفها من الثورة الاسلامية، وقبل أن تقف كدولة على أقدامها وتمتلك المال والإمكانيات، ثمنًا باهظا نزعم انه حرمها من أن تكون اليوم هي الفصيل الأكبر حجمًا ورسوخًا على الساحة الفلسطينية، بما يوازي قدرة وامكانيات حزب الله اليوم ناهيك عن ان الجهاد الاسلامي لو امتلك الإمكانيات المادية في ذلك الحين لاستطاع أن يغير وجه المنطقة؛ على حد وصف الشقاقي في إحدى شكاويه.

عندما يؤيد اهم المراجع عند السنة ويؤكد صوابية خط الجهاد الإسلامي في تحديد المواقف؛ فمن الطبيعي أن تقابل ذلك إيران بنفس الشهادة ودفع استحقاق تلك الشهادة، والاستحقاق المطلوب من إيران: أن تؤيد مواقف الجهاد الإسلامي، بلا تحفظ وبلا تردد وبلا شروط، وأن تدعم القضية الفلسطينية وفق رؤية الجهاد الاسلامي وبدون شروطات.

حماس

شهادة القرضاوي عند حماس ليس عليها غبار، ووقوف قادتها صفًا واحدًا رافعي إصبع السبابة مؤيدين ومعاهدين قائد حركة الجهاد وراسم استراتيجيتها وبوصلة توازناتها الدكتور رمضان شلح أثناء خطابه الشهير (خطاب المبادرة) يوجب عليها ان تتجاوز المدح الكلامي للجهاد إلى مستوى الاستحقاق، وهذا يتطلب:

1. مشاركة حقيقة في قرار الحرب والسلم « شركاء في الدم، شركاء في القرار ».

2. عدم التشكيك في مواقف الحركة، التي تبرز أحيانًا في أوقات تتمايز فيها مواقف الحركتين.

الجهاد الإسلامي

حركة الجهاد الإسلامي تقف اليوم على أبواب مرحلة ميلاد متجدد، فقد تجاوزت المبادرة التي طرحها الدكتور رمضان في مهرجان الانطلاقة الـ29، عثرات الأطراف الفلسطينية وأعادت للمشروع الفلسطيني سلامته ونظافة نضالاته، وحيث ان الأمين العام لحركة الجهاد قدّم تعريفًا جديدًا للحركة وملائمًا للمرحلة القادمة التي تتجاوز كل عثرات ما عرف بـ « الإسلام السياسي » فإن هذا يقتضي من الحركة ما يلي:

 

1. زيادة الثقة بالنفس وعدم التردد في الظهور بمواقف متمايزة أو التحرج من التنظير لها في الإعلام وفي الأروقة السياسية، فحركة الجهاد الإسلامي لا يمكن أن تتهم بعد اليوم بأنها تشق الصف الإسلامي أو الفلسطيني، لأنها أثبتت طوال ثلاثة عقود بأنها عنوان تَمَثُّل الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية الفلسطينية.

2. مطلوبٌ أن تكون أكثر فاعلية، وضاغطة على كل من يشق الصفين: الإسلامي أو الفلسطيني، وكل من يحرف البوصلة أو يخفي وجه الاحتلال من خلال زج الفلسطينيين في معارك جانبية.

3. تولى أهمية أكثر للفكر والثقافة في دوائر الحركة، وتمنح فرصة أكبر للكادر المثقف.

4. استيعاب كل الطاقات المهمشة ونظمها ضمن مؤسسات تخدم مشروع الحركة وثقافة أبنائها ضمن علاقة مرنة وفضفاضة تسمح للعقول بأن تحلق في كل الاتجاهات بقدر واسع من الحرية الفكرية.

5. على صعيد البنية التنظيمية، مطلوبٌ منها ان تعزز نظام المؤسسات حتى لو تطلب الأمر اعتماد اللامركزية في البنية التنظيمية في أجزاء من الجسم التنظيمي، بحيث تكون قادرة على استيعاب تمدد الحركة أفقيًا وعموديًا ضمن منظومة اتصال فاعلة ونشيطة وحيوية، بما يؤهلها لأن تكون عمود الخيمة في الساحة الفلسطينية.

6. تجدر الإشارة إلى أهمية اعتماد صيغة الحركة والتنظيم، بحيث تكون الحركة إطارًا خارجيًا أوسع من التنظيم، لها رموزه [Anchor] ا الفكرية والثقافية التي لا تغرق في الشأن التنظيمي والسياسي.

7. إعادة تعريف الدكتور رمضان للحركة يوجب عليها أن تعلى لواءها، بحيث تصبح قادرة على استيعاب مشارب فكرية مختلفة على أن تكون الحركة وبرنامجها هما الناظم لهذه المشارب المتنوعة.

 

  مركز اطلس للدراسات والبحوث  

كلمات دلالية