شارك في اختطاف طائرة سابينا عام 1972

خبر « ألاقى زيك فين يا علي » ... قصة شهيد وبطولة عائلته

الساعة 01:38 م|02 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

منذ استشهاد شقيقها « علي طه » (أبو اسنينة) رفضت « سهيلة » أن تتدثر (تغطي نفسها) صيفا وشتاءً حتى تسترجع جثمانه الطاهرة من سلطات الاحتلال « الإسرائيلي »، قالت لابنته « رائدة » « كيف أنام وأتدفى وأبوكي في البرد وما اندفن ». ولم تكتف « سهيلة » بذلك بل سعت بكل ما استطاعت وأكثر لإخراج « علي » من برده ودفنه في دفن التراب.

تفاصيل استرجاع « سهيلة » لجثمان شقيقها الفدائي ودفنه حولته ابنة الشهيد « علي » « رائدة » لمسرحية بعنوان « ألاقي زيك فين يا علي »، وبدأت بعرضها منذ العام الماضي في بيروت، حيث كانت تسكن مع والدتها، وكان العرض الأول لها بتنظيم من مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله يوم أمس الثلاثاء.

و« علي » هو فدائي عضو مجموعة منظمة أيلول الأسود التي قامت بخطف طائرة سابينا البلجيكية في العام 1972 والقادمة من بروكسل إلى مطار اللد بالداخل الفلسطيني المحتل، لتحرير مائة أسير فلسطيني في سجون الاحتلال. استشهد « علي » خلال اشتباك مع قوة احتلالية اقتحمت الطائرة.

« رائدة » كانت الكبرى بين شقيقاتها الأربعة، سبعه سنوات، إلا إن ذكريات الأيام الأولى من استشهاد والدها حفر في نفسها عميقها، استرجعت القليل منه على المسرح، ولربما بقي الكثير بين طيات روحها.

وبدأت « رائدة » عرضها المسرحي، من إخراج المخرجة اللبنانية لينا الأبيض، بالحديث عن يوم استشهاد والدها ومعرفة والدتها بذلك قائلة:« سمعنا صوت صراخ والدتي، وامتلأ المنزل بالنساءِ والرجالِ الذين كانوا يلتفون حول والدتي لتهدئتها، ولم نفهم الأمر في البداية، وبقينا ثلاثة أيام في منزل الجيران، إنها المرة الوحيدة التي تسمح لنا والدتي بالنوم خارج المنزل ».

وبعد أيام اصطحبنا الجيران مع والدتنا إلى جنازةٍ كبيرةٍ، حمل فيها نعشين، وتوجهت إلى مقبرة الشهداء، دون أن نفهم نحن البنات الأربعة سبب انهيار والدتنا ولا سبب المسيرة الضخمة ولا سر النعوش الفارغة.

خلال ذلك، لم تنقطع « رائدة » عن مدرستها، مدرسة النجاح التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حملت يوم استشهاد والدها الصحيفة التي نشرت خبر استشهاده لمدرسها، وقالت له « ما معنى شهيد » فرد عليها أنه من يموت من أجل أكثر شيء يحبه « فلسطين »، فردت عليه:« وهل كان أبي يحب فلسطين أكثر منا؟ ».

بقي هذا السر الذي طرحته « رائدة » على أستاذها في ذهنها لسنوات طويلة، كما ظهر في عرضها المسرحي، ولم تتصالح مع والدها « علي » كما لفظته وصفا طوال المسرحية الذي أحب فلسطين أكثر منها ومن والدتها وشقيقاتها الثلاثة، قالت إنها في سن 25 فتحت بيت عزاء لوالدها وتقبلت استشهاده.

وقبل الحديث عن عمتها في الوطن الذي كان غائباً عنها، استعرضت « رائدة » صورة حالة عائلة الشهيد من بعده، الزوجة والابنة والابن، وما تعرضوا له بعد استشهاده، « كان حال والدتها السيدة صغيرة السن والجميلة الأصعب، ولكن هي وشقيقاتها كان لهن نصيب كبير من رعاية منظمة التحرير ورئيسيها في حينه الرئيس الراحل ياسر عرفات »أبو عمار« .

وقالت »زارنا أبو عمار بعد استشهاد أبي في المنزل وقال لي ولشقيقاتي أنا أبوكن ومنذ ذلك الحين كان لنا اهتمام خاص« . استمر هذا الاهتمام إلى ما بعد تخرج »رائدة« وعملها صحافية مرافقة لأبو عمار في تونس، وهو الاهتمام الذي جعل إحدى صديقات الطفولة تغار من يتمها وتتمنى أن يستشهد والدها لتحظى ما حظيت به »رائدة« ، وكان لها ما كان بعد استشهاد والدها.

وفي الحديث عن عمتها، روت »رائدة« كيف علمت بما قامت به عمتها في الوطن »فلسطين« بعد خمسة سنوات من دفنه، فبعد عام ونصف على استشهاد والدها اتصلت والدتها بعمتها وسألتها عن دفنه، فأجابت عمتها أنه لا يزال في ثلاجات الاحتلال، ومنذ ذلك الحين وإلى حين دفنه بقيت والدتها تحلم به كل يوم ويطلب منها أن تخرجه من برده.

وفي الوطن كانت العمة »سهيلة« تسعى وبشكل دائم لاسترجاع جثمان أخيها ودفنه، من خلال المحامية التي كانت تتابع القضية ومن خلال رسائل بعثتها إلى كل المستويات السياسية في حكومة الاحتلال.

وفي إحدى الأيام سمعت »سهيلة« عن زيارة هنري كسنجر إلى فلسطين، وأصرت على مقابلته بعد أن كتبت رسالتين واحد باللغة الإنجليزية وأخرى بالعربية وتوجهت إلى الفندق الذي كان فيه، وكيف تحدت الحراس وقامت بالهرب منهم والوصول إلى غرفته ومقابلته والطلب منه أن يتدخل لمساعدتها في دفن شقيقها.

تركت »سهيلة« الفندق دون أن يكون لديها أي جواب مقنع من الرجل الذي رد على كل ما قالته وقامت مرافقته بترجمته له بكلمة »أوكي« ، عادت »سهيلة« ونامت دون غطاء كما اعتادت منذ استشهاد شقيقها، وفي المساء كان الرد غير المتوقع.

زار »سهيلة« شقيقها وقال لها إنه تلقى اتصالا هاتفيا في محله الواقع في شارع الوادي من الإدارة المدنية يخبره فيه أن تذهب »سهيلة« هي وزوجها وأولادها إلى مقر الإدارة في بيت أيل وتستلم جثمان »علي« .

توجهت سهيلة إلى »بيت إيل« وهناك قابلتها ضابطة من قوات الاحتلال تدعى مريام، قالت لها حينها أن ممنوع عليها دفنه في القدس وإنما في الخليل، مدينتها الأصلية، لم تعارض »سهلية« كان المهم أن تخرج »علي« من برده، وتوجهت صباح اليوم الثاني إلى الخليل لاستيلام جثمان شقيقها ودفنه.

قالت »رائدة« نقلا عن عمتها: » لم أنام طوال الليل لبست أجمل ما لدي من أسود وبقيت واقفة طال الليل خلف الباب، وما أنا قال المؤذن الله أكبر فجراً حتى خرجت لأذهب إلى الخليل لدفن علي، ووجدت كل أهالي القدس أمام منزلي لمرافقتي« .

دفنت سهيلة شقيقها وعادت إلى منزلها وطلبت من أبنائها تغطيتها لتنام، رغم حرارة الصيف، فقد »فكت نذرها« بعد دفن »علي".

كلمات دلالية