خبر مخاوف « إسرائيل » من أميركا والواقع الفلسطيني

الساعة 06:26 ص|01 نوفمبر 2016

فلسطين اليوم

حلمي موسى 

تتحسب إسرائيل هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، من أمرين قد يحدثان قريبا في أي وقت: موقف أميركي مختلف في الأمم المتحدة من سياسة إسرائيل الاستيطانية وغياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الساحة. ورغم كل ما هو معروف عن العلاقة الأميركية الإسرائيلية فإن مخاوف حكومة نتنياهو من خطوة أميركية في الأمم المتحدة بعد الانتخابات الرئاسية في منتصف الشهر المقبل تبدو جدية تماما. ويذهب كثيرون إلى حد القول بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يثأر للإهانات التي وجهها له رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتأييده أو امتناعه عن التصويت على مشروع قرار يدين الاستيطان في مجلس الأمن.

ومن الجائز أن الإحساس العربي والفلسطيني السيئ تجاه الموقف الأميركي سوف تثبت صحته أيضا هذه المرة وأن تخاذل الرئيس أوباما لن يتغير. ولكن، كما هي العادة في إسرائيل، يبنون على أسوأ الاحتمالات، ونتنياهو يشيع أجواء تشاؤمية بأن أوباما سوف يفعلها هذه المرة. ولهذا السبب فإنه ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، يحذران المستوطنين من الفترة الحرجة المتمثلة بالسبعين يوما بين يوم الانتخابات ويوم تولي الرئيس الجديد مهام منصبه في البيت الأبيض. وهما يطالبان المستوطنين بتجنب أية تحركات قد تقود إلى استفزاز أميركا ودفعها لاستغلالها من أجل استصدار قرارات في مجلس الأمن الدولي.

ورغم أن السفير الأميركي في تل أبيب، دان شابيرو أعلن أن الإدارة الأميركية ليست في وارد تأييد خطوات من طرف واحد ضد إسرائل في الأمم المتحدة، إلا أن الشكوك التي تنهش نتنياهو وحكومته تمنعهم من تصديق هذا الكلام. فالخوف من طعنة المغادر يكاد يشل الحكم الإسرائيلي الذي اتخذ الاستيطان ديدنا له على مدى ولايات نتنياهو الثلاث الأخيرة. ومع ذلك هناك في إسرائيل من لا يقبلون بالتزام الصمت والانحناء أمام العاصفة ويصرون على أن تتخذ الحكومة مواقف علنية مع الاستيطان وتمنع إخلاء مستوطنة عمونه، حتى لو كان ثمن ذلك موقف أميركي حاد. فالمستوطنون يتعاملون على أنهم بتركيزهم على الاستيطان يمارسون «حقهم» على أرضهم، وهو حق لا ينتظرون لا من العرب ولا من الأجانب السماح بممارسته أو رفضه.

ولكن القلق في إسرائيل لا يقتصر فقط على التخوف من خطوة أميركية، خصوصا في ظل رغبة أوروبية عموما وفرنسية خصوصا لتحريك ملف التسوية. والكل يعلم بوجود المبادرة الفرنسية المتمثلة بعقد مؤتمر دولي في باريس بهدف إيجاد تسوية للنزاع. ونظر الإسرائيليون بغضب إلى تقبل إدارة أوباما لهذا المؤتمر وعدم ممارستها أفعالا حادة للاعتراض عليه وإفشاله. وهذا يعزز المخاوف باحتمال أن تستغل إدارة أوباما السبعين يوما لتشجيع الفرنسيين على خطوات لا تقبل بها إسرائيل ولا ترتضيها.

والواقع أن التحركات الدولية والأميركية، إن تمت، تجري في سياق واقع يزداد تأزما على الصعيد الفلسطيني. وفيما تواجه السلطة الفلسطينية في رام الله مشاكل متزايدة بعضها اقتصادي وأمني وبعضها الآخر سياسي وتنظيمي على خلفية صراع الوراثة الدائر، تواجه السلطة في غزة احتمالات الحرب مع إسرائيل. صحيح أن ليبرمان في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «القدس» الصادرة في القدس المحتلة، حاول أن يفتح كوة في العلاقة مع حماس بإعلانه استعداد إسرائيل لإنشاء مطار وميناء في غزة إذا كفت إطلاقات الصواريخ وحفر الأنفاق.

والمفارقة هي أن حماس وسلطتها في غزة تعجز عن قبول معادلة ليبرمان هذه لأنها تنسف أساس الشرعية التي دفعت الفلسطينيين في غزة لقبول حكم حماس أو السكوت عنه، وهو المقاومة. وإذا كانت حماس تمر بضائقة راهنة ارتباطا بالوضع الإقليمي وتضعضع مكانة التيارات الإسلامية في السلطات العربية فإن ذلك لن يدفعها لقبول منطق ليبرمان. ومع ذلك فإن دعوة ليبرمان انطوت ليس فقط على منطق «فرق تسد» وإنما تجاوزت ذلك للتأكيد على أن إسرائيل، غير الراغبة أصلا بالسلام، مستعدة للتعاطي مع مراكز قوة أكثر من استعدادها للتعامل مع مؤسسة وقيادة وطنية فلسطينية.

ويرى كثيرون أن جانبا من التعاطي الإسرائيلي هذا يعود إلى واقع أن قادة الفلسطينيين أنفسهم صاروا يكرسون الانقسام الداخلي ويتجنبون المصالحة الفعلية ويبتعدون عن مفهوم الهوية الوطنية الجامعة. ومنطقي الافتراض أن هذ السلوك، كما يبدو، جزء من سياق عربي جامع يشدد على ما يفرق ويتغاضى عما يجمع. وهو ما دفع متطرفين إسرائيليين للقول بأن على الفلسطينيين أن يشكروا ربهم لوجود إسرائيل الذي يمنع انزلاقهم إلى ما تعيشه شعوب عربية أخرى من اقتتال وتناحر دامي.

في كل حال، ورغم أن الفلسطينيين، سواء في الضفة أو القطاع، من دون تجاهل إخوانهم في الشتات، يرزحون تحت نير أعباء ثقيلة تدفع بعضهم إلى المطالبة بتقبل أي حل إلا أن روح المقاومة لا تزال تدفع كثيرين للانتفاض على الواقع القائم. المشكلة في نظر هؤلاء هي أين يوجهون جهدهم، نحو إعادة تنظيم الواقع الفلسطيني الصعب، بما فيه منظومته السياسية، أم نحو الصدام المباشر والفوري مع الاحتلال. وهنا يبرز الخلاف خصوصا في ضوء التجارب الماضية غير المبشرة.

وأيا يكن الحال، يبدو أن الشهور القليلة المقبلة ستشهد تحركات في اتجاهين متناقضين: جهد دولي لإيجاد مخارج من حالة الجمود القائمة وجهد فلسطيني للتصدي للاحتلال. وإسرائيل التي تواجه ما تسميه «انتفاضة الأفراد» منذ أكثر من 13 شهرا حتى الآن تتمنى أن لا تتسارع الأحداث نحو هبّة شعبية أو انتفاضة واسعة. ومع ذلك، هناك في إسرائيل خطط استعدادا لمواجهة هذه الحالة، والمؤسف أنه لا توجد خطط فلسطينية منظمة لتقريب الانتفاضة.

كلمات دلالية