خبر هل تتحول مبادرة د. شلح إلى مبادرة للانقاذ الوطني؟

الساعة 05:17 م|28 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

هل تتحول مبادرة د. شلح إلى مبادرة للانقاذ الوطني؟

هيثم أبو الغزلان

إذا كانت السياسة عند البعض هي « فن تحقيق الممكن »، فإنها عند البعض الآخر هي « فن تحقيق ما يبدو مستحيلا ». وشتّان بين الأمرين. فإذا انطلقنا من التعريف الأول للواقع الفلسطيني، فإن قلة قليلة تؤمن بنجاح المسار التفاوضي مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي ثبُت أنه لا نهاية له أمام واقع يبدو أنه يُرسّخ الاحتلال بدلًا من العكس. وإذا كان الرئيس أبو مازن قد أعلن مرارًا وتكرارًا تبرُّمه من المفاوضات التي لم توصل إلى دولة فلسطينية، فإن عددًا من قادة السلطة الفلسطينية أوضحوا هذا الأمر بشكل أكثر جلاء. فالدكتور « صائب عريقات » كبير المفاوضين الفلسطينيين وعضو اللجنة المركزيّة لحركة (فتح)، أعلن في تصريح صحافي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية (11-11-2009)، أن لحظة الحقيقة جاءت وعلينا مصارحة الشعب الفلسطيني بأننا لم نستطع تحقيق حل الدولتين خلال المفاوضات« . وكذلك أعلن الدكتور »أحمد مجدلاني« وزير العمل وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في تصريح نشرته وكالة »معا« (7-9-2015)، أن عباس سيعلن عن نهاية عملية أوسلو، وأن القيادة الفلسطينية تدرس هذه الخطوة على ضوء فشل هذه الاتفاقيات في إقامة الدولة الفلسطينية. وتوقع البعض حسب التهديدات التي أطلقها عدد من المسؤولين الفلسطينيين، أن يعلن رئيس السلطة عن نهاية أوسلو خلال خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ألقاه في سنة 2015، وأن يعلن أن فلسطين هي دولة أنشئت في ظل الاحتلال. وإذا كان ليس ثمة آفاق لإنجاز هدف الدولة المستقلة في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، فإن هدف »الدولة الواحدة« في حدود فلسطين الانتدابية خلال الفترة 1922- 1948، هو أصعب كثيرًا، وأبعد منالًا من هدف الدولة الفلسطينية في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967، لأن ذلك يفترض تغييرًا في موازين القوى محليًا وعربيًا ودوليًا..

لقد باتت المفاوضات مع إسرائيل تشكل مفارقة عجيبة؛ فهي من ناحية فشلت في استعادة ما يريده الفلسطينيون والعرب من إسرائيل، ما يعني وفق الاستنتاج المنطقي أن عليهم استخلاص العبرة من ذلك والخروج من المفاوضات، إلا أنه في الناحية الأخرى فإن قادة السلطة لم يخرجوا من تلك المفاوضات رغم أن باب التسوية مغلق فعليًا وإسرائيل هي الوحيدة المتحكمة بتلك المفاوضات. ويرى عدد من أصحاب الرأي أن الاندفاع في اتجاه تحقيق حلم الدولة تحول إلى شك عميق لا في تحقق هذا الحلم فحسب، بل فيما إذا كانت الدولة الموعودة، حتى في حال تحققت، ستؤمن تطلعات الفلسطينيين الأساسية أيضًا. فالأهداف الوطنية قد تهشّمت، وأصبحت الأولوية للمصالح المحلية والشخصية، وفقدت المؤسسات الوطنية معناها ومبرر الدفاع عنها، بعد أن فقد المشروع الوطني برمته ألقه وقوة جذبه.

وبعد 23 عاما من اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، بحسب نص رسائل الاعتراف المتبادل »وحقها في العيش في أمن وسلام، والتزام المنظمة بالعمل السلمي لحل الصراع بين الجانبين ونبذ الإرهاب، وإلزام جميع عناصر المنظمة بذلك« .. واعتبار التوقيع على إعلان المبادئ بأنه »يرمز لعصر جديد في تاريخ الشرق الأوسط، وأن كل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة سوف يتم حلها من خلال المفاوضات، وأن بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود، وبنود الميثاق التي تتناقض مع الالتزامات الواردة في خطاب الاعتراف، أصبحت غير ذات موضوع ولم تعد سارية المفعول« .. ولذلك ما طالب به الأمين العام د. رمضان شلح بـ »سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني إسرائيل« يعتبر أمرًا واقعيًا، ستكون له انعكاسات عديدة، ولكن إذا ما قيس ذلك بحجم ما هو حاصل فعلًا وعلى أرض الواقع، فإن ذلك يعتبر أمرًا عاديًا..

وفي وقت لا توجد فيه لدى الشعب الفلسطيني مؤسسة وطنية واحدة موحدة تقود مسيرته الكفاحية، وتحدد أهدافه الوطنية المرحلية والبعيدة المدى والاستراتيجيات والتكتيكات التي تخدم تلك الأهداف، فإن الاحتلال يقوم بالتهام الأرض، وممارسة التطهير العرقي، ويمارس العقوبات الجماعية بحق شعبنا. وهذا يعني أننا قد وصلنا إلى نهاية مرحلة، وأمامنا مرحلة أخرى يلزمها إعادة بناء وتنظيم وقيادة ووحدة داخلية فيما يتعلق بقواسم مشتركة بشأن مهمات المرحلة المقبلة.

إن توصيف واقع الحال الفلسطيني، واستمرار الإحتلال بإلتهام الأرض، والتحديات القائمة محلياً وعربياً ودولياً، تفرض العمل على الخروج من »عنق الزجاجة« إلى واقع فلسطيني فاعل وموحد. وتأتي مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور رمضان عبد الله شلح في سياق رؤية ومشروع حركة الجهاد الإسلامي، لواقع الحال الفلسطيني، وميزان القوى المختل لصالح الإحتلال، والإشغال العربي الداخلي الذي أدى الى تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية.

إن طرح مبادرة د.شلح التي رحبت بها قوى وشخصيات وفعاليات ولاقت ترحيباً جماهيرياً، تستدعي من أصحاب القرار الفلسطيني عقد جلسات حوار لمناقشة بنودها والعمل على توحيد الجهد الفلسطيني، وعدم العمل على إبقاء الساحة الفلسطينية ضمن حالة »مواتٍ سريري« ، وليس فيها من حياةٍ الا »انتفاضة القدس"، والمقاومة المتأهبة للقتال في جولة جديدة ضد جيش الاحلال.

وفي الختام إن الأسئلة التي تطرح نفسها كثيرة ومتنوعة: هل مبادرة حركة الجهاد الإسلامي واقعية؟ وما هو مفهوم الواقع؛ هل هو تغيير للواقع بأدوات الواقع أم الاستسلام للواقع الإسرائيلي؟ وإذا كانت قيادة السلطة الفلسطينية هددت أكثر من مرة بحل السلطة وإلغاء اتفاقية أوسلو، لماذا لا تُجرّب القيام بما تهدد به هي نفسها؟! ما هو توصيف واقع حالنا الفلسطيني؛ هل نعيش في ظل دولة مستقلة أم في ظل احتلال وتحرر وطني؟!

إن الإجابة على هذه الأسئلة ليس أمرًا بسيطًا، وإنما سيُعيد خلط الأمور وإشعالها باتجاه واقع جديد..

فهل يحصل ذلك؟!

كلمات دلالية