خبر ما بين الشهادة والأسر .. الاحتلال يفرّق التوأم « علي ومحمد شيوخي »

الساعة 11:10 ص|26 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

لا يخفى على أحد، أن الرصاصة التي اخترقت جسد علي شيوخي، أطلقتها يد العدو .. اليد التي اعتادت أن تسرق أرواح فلسطينيين كثر، كباراً وصغاراً، وهي اليد نفسها التي حرمت العائلة المقدسية المفجوعة على فقيدها الشهيد، من ابنها الثاني محمد، توأم علي، بعدما اعتقلته بتهمة التحريض.

حياة عائلة « شيوخي » في بلدة سلوان شرقي القدس المحتلة، انقلبت رأساً على عقب، فمصيبتان هزتا بكل ما للكلمة من معنى أركان المنزل، لتأخذا معهما بهجة التوأم علي ومحمد، اللذان قدما إلى الحياة في الـ11 من شهر تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1996.

استشهد علي في الـ11 من شهر تشرين أول/ أكتوبر الجاري برصاص الاحتلال، في أعقاب مواجهات اندلعت بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين في بلدة سلوان.

وخوفاً من احتجاز جثمانه كباقي الشهداء الذين سقطوا منذ بدء « انتفاضة القدس » قبل عام، قام شبان المنطقة بإخفائه إلى حين الانتهاء من كافة الإجراءات المطلوبة لدفنه.

ووريَ علي الثرى بعيداً عن أنظار وعيون الاحتلال، في الوقت الذي قام به الأخير بإغلاق مداخل سلوان، تزامناً مع تصاعد وتيرة المواجهات التي وُصفت بالعنيفة.

وتصف سعاد، شقيقة التوأم، اللحظات الصعبة التي عاشتها في ذاك اليوم، قبل أن يصلها خبر استشهاد أخيها علي.

وتقول في حديثها لـ « قدس برس »، « كنت في عملي بالمشفى، حيث تلقيت اتصالاً من زوجي يطلب منّي أن لا أستقلّ المواصلات العامة، فالوضع بات سيئاً بسبب المواجهات، ونصحني بأن أطلب تاكسي أثناء عودتي ».

وتُضيف « أثناء تواجدي في المشفى اتّصل بي أحد أصدقاء علي، وأبلغني بأن ابن عمي استشهد (..) فقدتُ الوعي، وعندما صحوتُ اتصلت على ابن عمي وتفاجأت بأنه حي يرزق، وقد تحدّثت إليه ».

وعندما عاد صديق علي واتّصل بسعاد مجدّداً، قابلتْهُ بنبرة سيئة معتبرة بأن ما حدث قبل دقائق كان على سبيل المُزاح، لكنه أخبرها بأن المُصاب هو شقيقها علي، وأن وضعه الصحي حرج جداً.

الدقائق الأولى بعد ذاك الاتصال كانت الأقسى على سعاد، التي حاولت الاتصال بأخيها علي وشقيقاتها ووالدتها، لكن دون جدوى، في حين ردّ عليها والدها يقول « أنا تعبان يابا .. تعبان » قبل أن ينقطع الاتصال.

حاولت سعاد معاودة الاتصال بوالدتها ووالدها في نفس الوقت، علّها تفهم ماذا يحصل وتطمئن عن صحة علي، إلا أنها لم تفقه أنهم كانوا يتحدثون بالألغاز على الهاتف، خوفاً من الاحتلال ومكره، لا سيما وأنه كان يكثف في تلك الساعات، البحث عن جثمان أخيها المصاب.

وتقول « في الوقت الذي كانت فيه والدتي في طريقها لتُلقي نظرة الوداع على أخي، وكان والدي بجانب جثمانه، عاودت الاتصال بهاتف علي، فردّ عليّ شاب وأكد لي نبأ استشهاده قائلاً: علي راح من بين إيدينا ».

وبحرقة وببكاء شديدين، تضيف سعاد « لم أرى علي ولا استطعت وداعه، حرموني منه، وذهب هو وضحكاته بعيدا .. كان أطيب شخص في الدنيا كلها ».

في اللحظات التي سبقت استشهاده، وبينما كان ينزف بشدّة ويحتمي مع رفاقه في أحد الأماكن، أجرى الاتصال الأخير بشقيقته مرام، وقال لها « تعالوا ادفنوني.. لا تخلّوني بالثلاجة »، ثم طلب الماء من الشبّان الذين كانوا حوله، لكن أحداً لم يستطع أن يُلبّي طلبه، حيث كان الوضع يزداد سوءاً بسبب تخبّط الاحتلال في محاولته الوصول إلى المُصاب، وأي حركة من المتواجدين حوله ستكشف الأمر ومكان وجوده، وهو ما آلم والديه وذويه كثيراً.

وكأنّ الشهيد علي كان يشعر بما سيحدث معه، فعلى الرغم من عدم لم تودّعه أخواته، لكنّه ودّعهن واحدة واحدة، فقد زارهنّ طوال أيام الأسبوع الأخير الذي سبق استشهاده، فكان لكلّ واحدة منهنّ نصيبًا خاصّا (العائلة تتكون من تسعة أفراد؛ 5 إناث و4 ذكور).

استُشهد علي، وما زالت صدمة وفاته تُخيّم على العائلة، وما زاد الوضع سوءاً هو حرمانها من شقيقه محمد، توأمه ورفيق قلبه، حيث اعتقلته القوات الإسرائيلية وحوّلته للتحقيق في مراكزها متهمة إياه بـ « التحريض ».

وتستذكر سعاد تلك العلاقة التي ربطت التوأم ببعضهما، وقالت، « قبل سنوات أُصيب علي بمرض انفلونزا الخنازير لم نكن نعلم بذلك، لكنّ الأعراض التي بدت عليه جعلتنا نذهب لإجراء الفحوصات في المشفى، وأصرّ محمد على الخروج معنا ليطمئن على شقيقه التوأم، وهناك تفاجأنا حينما جلس محمد على كرسيّ الفحص، وإذ به حاملاً للمرض أكثر من علي، رغم أنه لم يكن يشكو من شيء ولم تبد عليه أية أعراض ».

عائلة الشيوخي عانت كثيرًا من الاحتلال، فقد اعتقلت سعاد سابقًا عام 2007 لمدة عامين إدارياً، إضافة إلى أربعة من أشقائها بينهم الشهيد علي، الذي قضى ما مجموعه عامين ونصف داخل سجون الاحتلال، حيث اعتُقل لأوّل مرّة عندما كان عمره 12 عاماً، والمرة الثانية في مرحلة الثانوية، فحرمه الاعتقال داخل السجون من إكمال دراسته.

تمنّى علي وحلُم يوماً أن يصبح محامياً، يقف في وجه الظلم، ليدافع عن حقوق وقضايا الأسرى الفلسطينيين، هكذا كان يقول لعائلته التي أصبحت اليوم تعيش على ذكريات شهيد، وأمل بحرية آخر أسير.

كلمات دلالية