« لؤي السعدي ».. من بلدة عتيل قضاء طولكرم، ذلك القائد الشاب الفذ، صاحب العقلية الفريدة التي مرغت أنوف قادة الاحتلال في التراب، بعمليات وهجمات مسلحة أذهلت العالم، وأصابت العدو بالحيرة.. كيف لا وبصماته لا زالت حاضرة في « نتانيا »، تلك المدينة المحتلة التي ضربها تلامذة السعدي، عندما فجر أحدهم حزامه الناسف في مجمع تجاري ليوقع عشرات القتلى والجرحى.
في أعقاب العملية بنتانيا، وجه قادة الاستخبارات الإسرائيلية أصابع الاتهام مباشرة إلى القائد لؤي جهاد فتح الله السعدي (28 عاما)، القائد العام لسرايا القدس، في شمال الضفة الغربية، واتخذوا القرار الحاسم « لؤي مطلوب حيا أو ميتا » لتبدأ رحلة المطاردة.
وأصبح القبض على السعدي ملحّا بالنسبة للشاباك، بعد أن استطاع إخراج عملية استشهادية في شهر شباط /فبراير 2005، والتي نفذها أحد أعضاء الجهاد في نادي (ستييدج) الليلي بتل أبيب، وأدت إلى مقتل وإصابة عدد من الإسرائيليين.
المطاردة
بتاريخ 10 آذار/ مارس 2005، استطاع الشاباك الوصول إلى أحد المقربين من السعدي، وهو محمد أبو خليل، حيث اغتالته قوات الاحتلال في قرية النزلة الوسطى، ليس بعيدا عن الأراضي المحتلة عام 48. وبررت قوات الاحتلال اغتياله بأنه احد المسؤولين عن العملية الاستشهادية في نادي (ستييدج) في تل أبيب.
كان نشاط السعدي يمتد من شمال الضفة إلى جنوبها، وكانت سلطات الاحتلال اعتقلت أكثر من 500 عنصر وكادر من حركة الجهاد الإسلامي، خلال الأشهر التي سبقت اغتياله، دون أن تتمكن من الوصول إليه، ولكنها قالت إنها نجحت في تفكيك خليتين تعملان بإشرافه، الأولى تتكون من ثمانية عناصر من محافظات بيت لحم والقدس وطولكرم وكانت تنوي تنفيذ عملية مزدوجة في حي راموت الاستيطاني بالقدس الغربية، والثانية مكونة من سبعة عناصر من محافظة الخليل خططت لإطلاق صاروخ من نوع آر بي جي على نقطة للجيش الإسرائيلي تقع بين بلدتي أذنا وترقوميا، قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية، يعقبها اختطاف جنود أو جثث قتلى منهم، لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
وأصبح اقتحام بلدة عتيل ومداهمة منزل عائلة السعدي أمرا يوميا بالنسبة لقوات الاحتلال التي عمدت أكثر من مرة إلى اعتقال والده وشقيقته هديل، مثلما حدث في 11 حزيران/ يونيو 2005، عندما داهمت المنزل واعتقلت والده جهاد السعدي وشقيقته هديل التي كانت تدخل عامها السابع عشر، وبدلا من الاحتفال بعيد ميلادها وجدت نفسها في السجن، وتعاني هديل من إعاقة خلقية. وفي كل اقتحام للمنزل، كان يتم الاعتداء على سكانه، وإطلاق القنابل الصوتية والغاز المدمع داخله.
وفي 30 حزيران/ يونيو 2005، اقتحمت قوات الاحتلال بلدة عتيل، بحثا عن لؤي السعدي ورفاقه، واحتلت منازل في البلدة وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية ونقاط مراقبة، منها منزل عائلة لؤي واحتجزت أفرادها بعد أن قطعت كل اتصالاتهم مع العالم الخارجي.
وقال العميد عز الدين الشريف محافظ طولكرم حينها، إن قوات الاحتلال لم تترك مغارة أو كهفا في ريف طولكرم دون أن تنسفه بحثا عن السعدي ولكنها فشلت.
وفي غمرة المطاردة الطويلة للؤي اكتشفت امرأة من قرية عتيل أشياء غريبة على شجرة قبالة منزل لؤي، وعندما استدعت من يراها تبين أنها مجسات مراقبة، وتم استدعاء الشرطة الفلسطينية، وعندما وصل أفراد من هذه الشرطة بلباسهم المدني لمعرفة الأشياء الغربية على الشجرة فوجئوا بقوات خاصة إسرائيلية تطبق عليهم وتعتدي عليهم بالضرب.
وتحول لؤي السعدي إلى ما يشبه الأسطورة في منطقته ويتحدث عنه السكان هناك كونه الشخص الذي دوخ سلطة قوية مثل الكيان، حيث أصبح لؤي السعدي المطلوب الأول للاحتلال، وأصبحت مهمة القبض عليه أو قتله على سلّم أولويات العدو، وقد استعانت قوات الاحتلال عدة مرات بقوات خاصة للوصول إلى السعدي، لكن محاولاتها المتكررة باءت بالفشل.
وواصلت قوات الاحتلال حملة البحث عن لؤي السعدي، حيث ان تلك القوات لم تترك منطقة في طولكرم إلا وفتّشت فيها عنه وقد اغتالت أبرز المقربين من المجاهد السعدي، ومنهم الشهداء شفيق عبد الغني وعبد الفتاح رداد ومحمد أبو خليل.
وفي سبيل الوصول الى السعدي اعتقلت قوات الاحتلال ما يزيد عن خمسمائة مجاهد من حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، واقتحمت مناطق متفرقة من الضفة عشرات المرات دون التمكن من الوصول إليه، ودون معرفة مكان المجاهد المطلوب، وبذلك ازدادت المطالبات الإسرائيلية بقتل أو اعتقال السعدي، حتى لو استدعى ذلك قصف مخيم أو مدينة بأكملها، بحسب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي وقتها!!
سبب الملاحقة
وتتهم حكومة الاحتلال الشهيد لؤي السعدي، بالوقوف خلف عدد من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية، أهمها التخطيط لعمليتي « تل أبيب ونتانيا » الاستشهاديتين، اللتين قتلتا ما يزيد عن عشرة إسرائيليين، ثمانية منهم من الجنود، والوقوف خلف كمين مُحكم قرب طولكرم قُتل فيه ضابط استخبارات إسرائيلي، كما تنسب قوى الأمن الإسرائيلية إليه مسؤولية تجهيز خليتين ادعى الاحتلال تفكيكهما، الأولى تتكوّن بحسب التقرير السابق للشاباك من ثمانية مجاهدين من محافظات بيت لحم والقدس وطولكرم، وكانت تنوي تنفيذ عملية مزدوجة في حي راموت الاستيطاني في القدس. والثانية مكونة من سبعة عناصر من محافظة الخليل، خططت لإطلاق قذيفة (آر بي جي) على نقطة تابعة لجيش الاحتلال تقع بين بلدتي أذنا وترقوميا قرب الخليل جنوبي الضفة الغربية، يعقبها اختطاف جنود أو جثث قتلى منهم، لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
كرامات المجاهد السعدي
يروي أحد المقربين من السعدي « أنه في إحدى المرات التي كانت قوات الاحتلال تشدد حصارها على طولكرم وتقترب من المكان الذي يتحصن فيه لؤي خرج يقرأ قول الله تعالى: »وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون« ، وبعدها تمكن من الانسحاب بأمان، دون أن يراه جنود الاحتلال.
ويضيف: »لقد كان ذلك أمام عيوننا، كانت بالنسبة إلينا دفعة قوية تؤكد لنا أن الله معنا.. وهذا الحدث دليل على أننا نسير في الطريق الصحيح، طريق الرسول (صلي الله عليه وسلم)".
الشهادة..
كانت ساعات صباح يوم الاثنين (24/10/2005) من أشد ساعات الفرح لدى الإسرائيليين، الذين استبشروا خيراً باغتيال العقل المدبر والمخطط لعمليات الثأر الجهادية في أرضنا الفلسطينية المحتلة عام 48، القائد لؤي السعدي.
وتمكنت قوات الاحتلال من اغتيال لؤي السعدي وناشط آخر من سرايا القدس هو ماجد الأشقر, خلال عملية عسكرية واسعة شهدتها محافظة طولكرم وشاركت فيها طائرات مروحية واستكشاف وتم خلالها اعتقال أكثر من عشرة مواطنين فلسطينيين.
ولكن لم يدم فرح الصهاينة كثيراً، فجاءت عملية الخضيرة الاستشهادية لتؤكد للاحتلال أن المقاومة لن تعجز عن ضرب العمق المحتل في أي وقت تحدده.. وأن الجهاد الإسلامي شوكته قوية، عصية على الانكسار، وأن رجال سرايا القدس قادرون بإذن الله على ضرب الأمن الصهيوني رغم كل الحملات ضدها.
جدير بالذكر أن الشهيد لؤي السعدي، من سكان الحي الشرقي في بلدة عتيل شمال طولكرم, أعزب وله شقيق واحد وثلاث أخوات, درس حتى الصف العاشر الأساسي, واعتقل عام 1997 وحكم بالسجن مدة 6 سنوات بتهمة الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي.
أصبح مطاردا منذ عام ونصف كانت مليئة بمحاولات اعتقاله أو اغتياله حتى أن الامن الاسرائيلي بات يعد الخطط المحكمة للنيل من السعدي وكانت آخر محاولة اغتيال نجا منها السعدي عندما تمت محاصرته في بنسيون ناصيف جنوب مدينة طولكرم في آب الماضي.
وحسب المقربين من السعدي فإنه كان يعاني من ضعف الرؤية ويعتمد على الآخرين لمساعدته في التنقل والحركة.
وصية الشهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... و الصلاة و السلام على سيدنا محمد وبعد:
هذه وصيتي العابد لربه الجندي في سبيل الله لؤي جهاد السعدي وأرجو من والدتي و إخوتي و أحبابي تطبيقها و الأخذ بها في البداية _ أحمد الله على إكرامه لي بأن جعلني مسلما و مجاهدا في سبيله فالجهاد في سبيل الله فريضة على كل مسلم كالصلاة و الصيام و باقي الفرائض فلا يعقل أن نأخذ الفرائض السهلة و التي لا يوجد بها ضرر أو تعب أو مشقة .... فهذا قمة الإثم أن نأخذ أمور في الإسلام و نترك أمور أخرى بحجج و ذرائع فارغة يزينها الشيطان الرجيم و التمسك بهذه الدنيا الفانية و التي لو كانت تعدل جناح بعوضة عند الله ما سقى كافر شربة ماء فالجهاد في سبيل الله كما ورد في كتاب الله و الأحاديث الشريفة أفضل الأعمال بعد الإيمان بعد الإيمان بالله و أن الجهاد سياحة هذه الأمة و بأن الجهاد ذروة سنام الإسلام و بأن الجهاد أفضل من الحج و أفضل من عمارة المسجد الحرام و بأن المجاهد خير الناس و أكرمهم عند الله المجاهد أفضل من قيام غيره الليل و صيامه النهار و إن المجاهد الله يرفع المجاهد مائة درجة و بأن المجاهد في ضمان الله و كفالته ... و أمور أخرى كثيرة كرم الله بها المجاهدين ... أو هل يعقل أن أترك كل هذا التكريم الإلهي و علو المنزلة في الآخرة مقابل دنيا فانية كلها متاعب و حتى نعيمها ناقص ... لا و الله أهلي و أخوتي أحبابي و أصدقائي ... امضوا على هذا الطريق التي لا طريق سواها .... امضوا لرفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .... امضوا لتطبيق حكم الله و شرعه ... لا تنتظروا إلى العواقب أو إلى الخلف فالسجن و العذاب و المطاردة و الشهادة يظن الكافر مهما كان بأنه يعاقب المجاهدين بها ولكن ( يمكر الله و الله خير الماكرين ) فالسجن بنعمة الله يبدل إلى استراحة و للتزويد و للشحن للاستمرار على هذه الطريقة المباركة ... و المطاردة فرصة من الله لتقنية النفس و الاستعداد للرحيل ... إما القتل و إما الشهادة فعدونا الكافر لا يقدم ولا يؤخر بها فهذا قدر الله و الحمد لله على اصطفائه لنا شهداء و الحمد لله على قدره .....
أهلي أخوتي أحبابي .......
عندما يرزقني ربي و يكرمني الشهادة في سبيله فلا تبكوا و لا تحزنوا فإنا فزت ورب الكعبة .... فأنا فزت ورب الكعبة و أنا الآن شهيدا في سبيل الله فافرحوا و ابتهجوا لأنني فزت و نجحت و الحمد لله بإذنه الآن أنا مع الرسل و الصديقين و الشهداء فلا تنسى يا والدي و يا والدتي ويا أخوتي هذه الوصية ....
و أيضا أوصيكم بإتباع الشرع في كل الأمور واحذروا البدع و أن لا أدفن بما يسمى بحوطة العائلة وأن لا يرتفع قبري أما بالنسبة للصور احذروا التبذير و التقديس من طباعتها وأيضا يوزع والدي عني 1000 شيكل وأن تحافظوا على أتباع الشرع بكل الأمور التي تخصني ....
والدي و والدتي وأخي فتح الله و أخوتي ...
اصبروا و صابروا و تمسكوا بحبل الله و بإذن الله سأشفع لكم عند الرحمن الرحيم و سيكون اللقاء في الجنة في الفردوس الأعلى و حافظوا على الصلاة و على قراءة القرآن و صيام النوافل و الإخلاص في النية .
أخوتي أبناء الإسلام : لا تركنوا الدنيا و لا تركنوا لشهواتها ولا تركنوا لأذناب اليهود واحذروا الخدع التي يريدون منا التفريط بمقدساتنا باسم الهدنة و السلام و كونوا أخوانا واحذروا الخلافات فيد الله مع الجماعة حافظوا على صلاة الجماعة في المسجد وقوموا بكل الطاعات بإذن الله سنلتقي في الجنة .
فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه سخطه ، الله اجعلنا من الراضين بقضائك و قدرتك و اقبلنا شهداء في سبيلك آمين.