خبر « الجهاد الإسلامي ».. سفينة « لم تضل الطريق »

الساعة 09:52 ص|22 أكتوبر 2016

محمود عمر

منذ نشأة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، التي تستعد للاحتفال بذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرين، التزمت هذه الحركة بخط سياسي واحد لا يقبل المساومة أو التراجع،

يرتكز على عدة مبادئ شكلت لها طريقاً للتحول إلى حركة عظيمة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومن أهم هذه المبادئ، النأي عن الصراعات الداخلية والإقليمية غير الموضوعية، والحياد في المواقف، والتمسك بالقضايا الوطنية مثل القدس واللاجئين والأسرى، ووضعها في سلم أولويات العمل التنظيمي.

وواجهت حركة الجهاد الإسلامي بعض الانتقادات الإقليمية، بسبب مواقفها الحيادية، ورفضها الانسياق نحو أحداث سياسية تستهدف القضية الفلسطينية، كما رفضت الحركة الدخول في الانتخابات المحلية بسبب خضوعها إلى إملاءات وسياسات الاحتلال وهذا ما شكل سبباً رئيسياً في فضها وعدم عقدها إلى يومنا هذا.

وفي المقابل، لعبت حركة الجهاد الإسلامي دوراً كبيراً في جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتخفيف من معاناة شعبنا نتيجة الحصار الإسرائيلي على غزة، فكان لها دور في التخفيف من سياسات إغلاق معبر رفح، وساهمت بشكل ملموس في تذويب المشكلات التي سببت أزمات التيار الكهربائي المتكررة في غزة.

 

القضايا الوطنية والانتفاضة

على صعيد دور الحركة في تدويل القضايا الوطنية والدفاع عنها، فقد شهد مراقبون للجهاد الإسلامي اهتماماً بارزاً في قضايا الأسرى الفلسطينيين والقدس المحتلة، من خلال المداومة على تنظيم المسيرات والفعاليات المناصرة للأسرى، والتي كان لها أثر كبير في دعم صمود الأسرى المضربين عن الطعام، كيف لا وهي من أطلقت معركة الأمعاء الخاوية من خلال القيادي فيها خضر عدنان الذي قاد المسيرة بإضرابه الشهير عن الطعام الذي استمر 66 يوماً في عام 2012.

كما توصي الحركة أبناءها، بضرورة زيارة عائلات الأسرى والشهداء، والتخفيف من آلام ومعاناة أمهاتهم وأبنائهم، وتحشد كامل طاقاتها البشرية والمالية من أجل دعم القدس خاصة في الأوقات التي تتعرض فيه المدينة لأحداث طارئة غير اعتيادية.

نهج حركة الجهاد الإسلامي الوطني، انتقل من تعليمات قادتها إلى صدور أبنائها، الذين لم يعرفوا يوماً معنى للحقد سوى الحقد على الاحتلال الصهيوني، وهذا تجسّد بشكل واضح في دور هذه الحركة في إطلاق انتفاضة القدس المباركة، والتي أطلق شرارتها الشهيد البطل الذي تربى على نهج الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي، مهند الحلبي في أكتوبر 2015، والذي نفذ عملية طعن بطولية في القدس المحتلة أدت إلى مقتل إسرائيليين وإصابة آخرين.

ويقول المحلل السياسي عبد الستار قاسم، إن حركة الجهاد الإسلامي تميزت في مواقفها الوطنية التحشيدية في اتجاه تغذية المقاومة الفلسطينية من أجل النهوض بالواقع الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

وقال قاسم لـ« الاستقلال »: « رغم أن انتفاضة القدس انطلقت واستمرت شعبيةً فرديةً، إلا أن الفصائل الفلسطينية لم تكن بمنأى عن هذه الانتفاضة، بل كانت تمارس الحشد المستمر من أجل إدامة هذه الانتفاضة، وهذا ما عملت عليه حركة الجهاد الإسلامي تحديداً ».

وأوضح أن الجهاد الإسلامي، تحمل هماً وطنياً كبيراً، وخاصة في ملفات الأسرى والقدس، وبات بارزاً بشكل واضح هذا الدور من خلال مشاركتها وتنظيمها لمعظم فعاليات الأسرى والقدس.

وأضاف قاسم: « وهذا الدور لم يبدأ في هذه الانتفاضة، فلا نزال نذكر جيداً دور الجهاد الإسلامي في الانتفاضة الأولى، التي نشطت فيما يعرف بحرب السكاكين، والانتفاضة الثانية حيث كانت سباقة في إطلاق العمليات الاستشهادية وضرب الأهداف الإسرائيلية وحصد القتلى الصهاينة من صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه ».

ولفت النظر إلى أن مواقف الجهاد الإسلامي من الصراع مع الاحتلال، هو موقف متماسك متأصل، مضيفاً: « الجهاد خرجت معلنة رفضها الاحتلال الإسرائيلي الذي يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وأن الخيار الأمثل لإنهاء هذا الاحتلال هو المقاومة المسلحة، ولم تتزعزع في مبادئها حتى يومنا هذا ».

 

حيادية المواقف

« الحيادية ».. هو مصطلح لطالما تمسكت به حركة الجهاد الإسلامي في مواقفها المرتبطة بالصراعات الإقليمية التي أثبتت أن الانحياز لأحد أطرافها هو أحد مقومات تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يتوجب أن يبقي عينيه صوب مقاومة الاحتلال فقط. حيادية حركة الجهاد الإسلامي تجاه القضايا المعاصرة، تنبع من مسئولية وطنية لحماية القضية الفلسطينية من الانزلاق في متاهات الانحياز إلى أطراف متصارعة في حروب وصراعات لا تهدف إلا لتجزئة الوطن العربي وصرف نظر العالم عن القضية الفلسطينية التي ينبغي لها أن تبقى على سلم أولوية مشكلات العالم المعاصر.

 ومنذ نشأة الانقسام الفلسطيني في حزيران 2007، كانت حركة الجهاد الإسلامي لاعباً رئيسياً في جهود إنهاء هذا الانقسام بين حركتي فتح وحماس وتحقيق المصالحة الفلسطينية، حيث رعت عشرات اللقاءات عبر قادتها، خاصة القيادي خالد البطش الذي يتولى منصب منسق لجنة القوى الوطنية والإسلامية، كما تولى منصب منسق لجنة الحريات العامة في ملف المصالحة الفلسطينية.

 

رأب الصدع

أستاذ العلوم السياسة في جامعة النجاح الوطنية، د.عمر جعارة، اعتبر أن الدور الذي قامت به حركة الجهاد الإسلامي في رأب الصدع الفلسطيني وتحقيق الوحدة، هو « دور وطني بامتياز »، مشيراً إلى أن استشعارها ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية رغم انها ليست طرفاً في الانقسام، يدلل على وطنيتها كحركة تصب كامل طاقاتها ومواردها في مواجهة الاحتلال.

وقال جعارة لـ« الاستقلال »: « لا يمكن لأي شخص إنكار هذا الدور، فهو دور ملموس، وبرز ذلك من خلال اللقاءات التي عقدتها الحركة من أجل توحيد الصف الفلسطيني وتوحيد الكلمة، وهذا كله مراده مواجهة الاحتلال من خلال خندق فلسطيني واحد ».

وشدد على ضرورة استمرار الجهود الفصائلية من أجل تحقيق الوحدة، مضيفاً: « يجب على الفصائل أن توقف دور الشاهد والحكم أيضاً، وأن تحدد موقفها بشكل واضح تجاه من يعرقل المصالحة دون أي تردد ».

 

الانتخابات المحلية

في الثامن من أغسطس 2016، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي عن امتناعها عن المشاركة في الانتخابات البلدية والمحلية التي أعلنت عنها السلطة الفلسطينية في رام الله، معتبرةً أن الانتخابات ليست هي المدخل المناسب أو الوسيلة المرجوة للخروج من المأزق الوطني الفلسطيني الراهن.

القيادي في حركة الجهاد الإسلامي القذافي القططي، أرجع قرار حركته بعدم المشاركة بهذه الانتخابات، إلى ثلاثة عوامل ومسببات رئيسية، وهي الاحتلال الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني، والحصار المستمر على غزة.

وقال القططي في تصريحات لـ« الاستقلال »: « الاحتلال الإسرائيلي لا يزال جاثما على أرضنا، فلا يزال هذا المحتل يتحكم في أغلب مفاصل الحياة الفلسطينية سواء بتجديد واستمرار الحصار في غزة أو بتواجده في الضفة وإقامة الحواجز وتوسيع المستوطنات. وهذا من أقوى مسببات فشل تقديم الخدمات الحياتية المثلى للمواطنين بسبب تعمده عدم إدخال الاحتياجات الضرورية والتضييق والتنغيص على حياة المواطنين ».

أما عن العامل الثاني، وهو الانقسام الفلسطيني النكد بين غزة والضفة الغربية، فيرى القططي أن غياب حكومة التوافق عن قطاع غزة، واستمرار سلطة الحكومتين في غزة والضفة، يعيق عمل أي بلديات منتخبة، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة المواطنين ومستوى الخدمات المقدم لهم.

وبيّن أن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة أصاب كل نواحي الحياة وألقى بظلاله السلبية على كافة المشاريع التنموية التي عملت عليها البلديات لتحسين ظروف الحياة الفلسطينية.

ومن هنا ارتأت الحركة أن تنأى بنفسها عن هذه الانتخابات حفاظاً على مصلحة جماهير شعبنا، ولاعتقادها أنها لن تكون قادرة في ظل هذه العوامل الثلاثة أن تقدم الخدمات المثالية للمواطنين في أفضل صورها، رغم أنها أبقت الباب مفتوحاً أمام ابنائها لانتخاب من أرادوا.

 

القضايا الحياتية

كان ولا يزال لحركة الجهاد الإسلامي، دور مميز في بحث المشكلات الحياتية التي يعاني منها شعبنا الفلسطيني الصامد، وخاصة مشكلتي معبر رفح والكهرباء، وكان للحركة جهود في هذا المسار والتي كان آخرها، زيارة وفد من الحركة للقاهرة في مايو 2016، للقاء المسئولين المصريين حيث نالوا منهم وعداً بالتخفيف من إغلاق معبر رفح.

كما ناقش وفد الحركة مع المسئولين المصريين ملفات أخرى، مثل المصالحة الفلسطينية والعلاقات بين حركة حماس والقيادة المصرية التي تشهد تردياً كبيراً، حيث شدد الوفد على ضرورة ألا تنسحب حساسية تلك العلاقة على الشعب الفلسطيني وقضيته. ونتيجة هذه الزيارة تم فتح معبر رفح لعدة أيام للمرة الأولى منذ 85 يوماً على إغلاقه، بعد أن كان قد وصل عدد طالبي السفر إلى الخارج إلى 25 ألف مواطن.

ومن جانب آخر، كان لحركة الجهاد الإسلامي جهود في تخفيف أزمة الكهرباء، من خلال عقد اللقاءات مع الشخصيات المختلفة من أجل إيجاد حلول لهذه الأزمة التي باتت تعد المشكلة الرئيسية في حياة المواطنين المدنية.

الكاتب والمحلّل السياسيّ أكرم عطالله، يرى أن النظام المصري يمنح حركة الجهاد الإسلامي احتراماً تجسد في التعاطي مع دعوات الجهاد للتخفيف من أزمة معبر رفح، مؤكداً أن الجهاد الإسلامي حركة لها وزنها في الشارع الفلسطيني وفي الإقليم العربي. وأوضح عطا الله لـ« الاستقلال » أن النظام المصري يحافظ على علاقات جيدة مع الفصائل الفلسطينية، نظراً لدور مصر التاريخي في الحفاظ على القضية الفلسطينية في تقديم الدماء والأرواح والأموال من أجل هذه القضية.

ورأى أن مواقف الجهاد الإسلامي الحيادية، أكسبتها احتراماً خاصاً من دول الإقليم، مضيفاً: « الجهاد الإسلامي أعلنت في أكثر من مناسبة أنها لا تتدخل في شئون الغير الداخلية وهذا أمر يحسب لها ». ولفت النظر إلى أن الاحترام بين مصر وحركة الجهاد هو احترام متبادل، حيث تولي حركة الجهاد مصر اهمية كبيرة في تولي الملفات الفلسطينية، « وهذا برز بشكل واضح خلال العدوان الأخير على غزة عام 2014، حيث دفعت الجهاد نحو أن تتولى مصر دورها لوقف هذا العدوان ».

كلمات دلالية