خبر المقاومة قيثارة الشباب ../ بقلم: عوض أبو دقة

الساعة 08:00 ص|20 أكتوبر 2016

عظيمةٌ هي المناسبات التي يحييها أبناء شعبنا الصامد الأبي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، فهي وعلى اختلاف مشارب من صنعوها ودشنوها، تتقاطع في الغالب، بكونها تستحضر الفعل المقاوم، الذي يُجمع عليه الكل الوطني.

في هذه الإطلالة سأتناول، ثلاث مناسبات هامة، شكلت علامات فارقة في مسيرة الشعب الفلسطيني الكفاحية والجهادية، الأولى الانطلاقة الجهادية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أو معركة الشجاعية، التي كانت في السادس من أكتوبر عام 1987، والثانية عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في السابع عشر من أكتوبر عام 2001، والثالثة عملية الطعن التي نفذها الشهيد مهند الحلبي بالقدس المحتلة في الثالث من أكتوبر عام 2015.

ولعل اختياري لهذه المناسبات الثلاث يأتي لقصدٍ قد يتضح للكثيرين بعد انتهائي من الكتابة، إلا أنني أحسب أن البعض سيلتقط الإشارة دون أن يستفيض في قراءة ما كتبت، فما ذكرتها محطات مفصلية في الفعل المقاوم لشعبنا، الذي أثبت أنه ولّاد، وقادر على تجديد أدواته، وأساليبه في المواجهة والاشتباك متماهيًا بذلك مع الظروف التي يعيشها.

وإذا وقفنا عند المحطة الأولى: معركة الشجاعية، نجد أنفسنا أمام حدثٍ تاريخي، دشن مرحلةً جديدةً في المواجهة، باعتبار أنها كانت شرارة اندلاع « انتفاضة الحجارة » المباركة، التي أبدع خلالها أبناء شعبنا في المواجهة، ومقارعة الاحتلال.

صحيحٌ أن حركة الجهاد الإسلامي سبقت تلك الانتفاضة بعمليات نوعية، سطرها ثلة من الشهداء، والأسرى، والمحررين تحديدًا بالسكاكين، إلا أن تركيز الحركة على معركة الشجاعية باعتبارها ذكرى انطلاقتها الجهادية، فيه رؤية مستنيرة وراشدة، فهي تريد بذلك أن تعتز بكون رسالتها وأفكارها ورؤاها تخطت حد كوادرها وأنصارها، وامتدت إلى الجماهير.

إن نجاح الجهاد الإسلامي في ايصال رؤاه ورسالته للجماهير، يضمن لمشروعه الاستمرارية والحياة، ولعل عنوان المهرجان الذي أعلنته الحركة لإحياء ذكرى انطلاقتها الجهادية الـ 29 وتنوي تنظيمه الجمعة (21/10) على أرض ساحة الكتيبة بغزة، (الجهاد .. ميلادنا المتجدد) ينبثق من هذا الاستنتاج الذي توصلتُ إليه.

فالجهاد الإسلامي بهذه المناسبة سيؤكد أن المقاومة متجددة، وولّادة، وقادرة على صناعة الأمل والحياة، وأن مسيرتها متوهجة، ووقادة، لا يمكن أن تنطفئ، أو تخبو، فلقد غدت خيارًا شعبيًا وجماهيريًا.

أما المحطة الثانية التي استوقفتني فهي عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، على يد خلية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في السابع عشر من أكتوبر عام 2001، وتحديدًا إبان انتفاضة الأقصى الثانية.

ولقد حملت هذه العملية رسائل عدة لعل أبرزها أن المقاومة قادرةٌ على الإبداع، التخطيط، المناورة، والوصول للعدو وقياداته وضربهم في عقر تحصيناتهم، وأن باستطاعتها كذلك تجاوز الإجراءات الأمنية المعقدة التي يتبعها الاحتلال.

ولعل اختيار الجبهة الشعبية لزئيفي كي يكون هدفًا في عملية الاغتيال لم يكن محض صدفة، فإذا عدنا لسيرة هذه الشخصية نجد أنه دأب بصورة متواصلة على وصف العرب والفلسطينيين بـ« القمل » و« السرطان »، إضافةً لكونه صاحب نظرية « الترانسفير » (ترحيل الفلسطينيين)، والمناداة بغزو الأردن، وتوطين الفلسطينيين فيها، بمعنى آخر أرادت العملية أن تضرب هذه النظرية في الصميم من خلال ضرب مُنظرها، والمحرض عليها، وأحسب أنها نجحت في ذلك.

كما أن هذه العملية كانت ردًا ثوريًا وعقابًا من طراز خاص على الجريمة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي حين أقدمت طائراته على اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، أواخر شهر آب/ أغسطس عام 2001.

ولقد أكسبت هذه العملية انتفاضة الأقصى زخمًا إضافيًا، وأمدتها بالقوة الدافعة، وشحنتها بالطاقة والعزم فرأينا إبداعات قوى وأذرع المقاومة خلالها، التي آلمت العدو المحتل، وأجبرته على الهروب من نيرانها في قطاع غزة.

وعند الوقوف على المحطة الثالثة، عملية الطعن التي نفذها الشهيد مهند الحلبي في مدينة القدس، في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2015، نستفيء ظلال « انتفاضة القدس » المستمرة، والتي كان لهذا الفارس شرف تفجيرها بما سطّر من بطولة.

وبتقديري فإن هذا البطل كان يُبصر بنور الله، حينما نقش على صفحته الشخصية على « فيس بوك » عشية استشهاده هذه الكلمات: « حسب ما أرى، فإن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت، نحن شعب لا يرضى بالذل .. الشعب سينتفض، بل إنه ينتفض ». وبالفعل كان فعلُ مهند الجهادي باكورةً لسلسلة عملياتٍ نوعية نفذها شباب وفتية .. فتيات وشابات، انتصارًا للأحرار والحرائر في القدس والأقصى.

ولعل الأدوات التي استخدمها منفذو العمليات البطولية إبان « انتفاضة القدس » بسيطةً إذا ما قورنت بتلك التي تم استخدامها في الضفة والقدس إبان « انتفاضة الأقصى »، ورغم ذلك إلا أن وقع هذه العمليات اليوم يُحدث ذات التأثير، وربما أشد.

ولقد أثبتت هذه الانتفاضة المشتعلة في أزقة القدس، وشوارع الخليل، وأحياء طولكرم، ومخيمات نابلس، وبلدات جنين، ومفترقات بيت لحم، أن المقاومة لغةُ الحوار الوحيدة مع الاحتلال، وأنها قيثارة الشباب، وحصنهم المنيع الذي لا يمكن اختراقه أو نخره.

 

 

كلمات دلالية