تقرير الشهيد محمد نصر: قنبلة الانتقام.. سيرة في جنين وجسد في مقابر الأرقام

الساعة 04:39 م|10 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

أطفال صغار يجلسون في ساحة المنزل ، ينتظرون وصولنا بفارغ الصبر لسماع سيرة عمهم الذي لم يروه ولا يعرفون عنه سوا أنه استشهد في عملية استشهادية ومازال جثمانه الطاهر محتجزا لدى قوات الاحتلال في مقابر الأرقام.

الشهيد محمد محمود بكر نصر (29 عاما)، ولد في بلدة قباطية جنوب مدينة جنين بالضفة الغربية، وتربى وسط أسرة مناضلة. أنهى دراسة المرحلة الإعدادية، ومن ثم ترك الدراسة بسبب الظروف المادية الصعبة لأسرته حينها، ولمساعدة والده في تسيير أمور العائلة كونه الكبير في الأبناء ، وكون أشقاؤه صغارا، فعمل في الزراعة والمناشير « الحجر »، وبعدها التحق بصفوف جهاز الاستخبارات الفلسطينية لمدة 5 سنوات و تم فصله من وظيفته لانتمائه لحركة الجهاد الإسلامي .

صفاته ومشواره الجهادي

لحظات صمت خيمت على إخوته وابن عمته في حيرة من أمرهم كيف يبدؤون الحديث عن صفاته ومسيرته الجهادية. يقول ابن عمته: كان يصوم ويصلي وملتزما بالصلاة في المسجد، كان رجلا بمعنى الكلمة، خلوقا، وطيبا وكريما ويحمل كل صفات الرجولة ومحبوبا لدى أهل البلدة من أصحابه وكل من يعرفه« .

أما شقيقه الأصغر فيقول: محمد لم يفارق زوايا المنزل ، صوته يملأ المكان، صورته مرسومة على كل حائط في البيت، لا ننسى حركاته ومواقفه الرائعة، لا ننسى حنيته وعفويته وبساطته » .

وعن مشواره الجهادي يقول شقيقه: بدأ محمد مشواره الجهادي في عشاق الشهادة، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي حينها، إلى جانب الشهيدين عصام براهمة من قرية عنزا جنوب جنين و حافظ أبو معلا « سباعنة » من بلدته قباطية ، وحصل على قطعة سلاح ليقاوم بها« .

ويضيف: في يوم من الأيام عاد محمد للبيت وهو مصاب في فخذه الأيمن بعد أن خاض اشتباكا مع قوات الاحتلال إلى جانب الشهيدين البطلين براهمة وسباعنة ».

انتهت الانتفاضة الأولى، لكن حُلم محمد لم يتحقق في نيل الشهادة ، ومع ذلك لم يتراجع عن حلمه. موعدٌ آخر والحُلم يقترب في العام 1997 التحق شهيدنا البطل بجهاز الاستخبارات العسكرية التابع للسلطة الفلسطينية وكان على رأس عمله في مقر المقاطعة بمدينة جنين، وهناك أوكلت له مهمة مرافقة وحراسة القيادي في سرايا القدس الشهيد المجاهد إياد الحردان من بلدة عرابة لتبدأ الحكاية من جديد« .

طبيعة عمله كانت تفرض عليه ملازمة الشهيد إياد الحردان وهو ما كان يتمناه، فقد كان يتتلمذ على يد الشهيد في أوقات دوامه ، وفي أيام إجازته يمارس العمل الجهادي بسرية.

نبأ استشهاد الحردان

يقول شقيق الشهيد محمد نصر: في يوم استشهاد إياد الحردان، اتصلت على محمد من عملي عبر الهاتف أثناء تواجده في قطعة أرض لنا وأخبرته عن استشهاد صديقه إياد، فنزل الخبر عليه كالصاعقة ، وتأثر به كثيراً، وبعد 15 دقيقة وجدته قد حضر إلى ثلاجة الموتى في المستشفى ووجدته متأثرا، وكان يبكي عليه ويودعه والدمع لا يفارق وجهه.

ويمضي شقيقه في حديثه: في تلك اللحظة توعد بالانتقام لصديقه ومعلمه الحردان و للشهيدة إيمان حجو التي استشهدت قبله بأيام ، وكان والدها يداوم معه في نفس المكان ».

ما بعد استشهاد إياد الحردان

كان شهيدنا يمارس عمله السري في سرايا القدس تزامنا مع عمله في جهاز الاستخبارات العسكرية خلال الفترة التي سبقت استشهاده، وفي حينها لم يكن يشعر به أحد إلا أسرته.

وبعد مضي 3 شهور، وصلت معلومات للسلطة بأنه يعمل في صفوف الجهاد الإسلامي ليتم فصله من عمله قبل استشهاده بأسبوع بعد تخييره بين الجهاد وبين الوظيفة.

ومن أبطال سرايا القدس الذين كان يعمل إلى جانبهم، الأسيران « محمد نصري أبو الرب والمجاهد الحاج علي الصفوري، والشهيد المجاهد محمد بشارات والشهيد الشيخ حمزة أبو الرب ».

يتذكر شقيقه من مواقفه عندما نفذ الشهيد عز الدين المصري عملية استشهادية في مطعم سبارو بمدينة القدس المحتلة، قام بشراء علب الحلوى وتوزيعها على الأطفال في الحي.

الاستشهاد

في صبيحة يوم 12/8/2001 خرج الشهيد نصر من بيته بعد أن دخل غرفة والده وودعها وودع شقيقته بطريقة لا تثير الشك واتجه إلى مدينة حيفا المحتلة. يقول شقيقه: في فترة الظهيرة اتصلنا عليه لتناول طعام الغداء، وقال لنا سآتي بعد قليل، ولم يأت، وفي تمام الساعة الثالثة عصرا، نزلت دمعة والدي وصرخ بنا أن نتصل عليه وبالفعل اتصلنا به أكثر من مرة ولكن لم يُجب، وفي المرة الأخيرة كان جواله مغلقا« .

ويتابع شقيقه أحمد: في تمام الساعة الرابعة عصرا اتصلت بي فتاة من المستشفى تسألني عن اسم محمد نصر من قباطية فأخبرتها بأنه أخي، فخيم عليها الصمت وقالت بأن هناك عملية استشهادية في حيفا ومنفذها محمد نصر من قباطية وقتل وجرح بها العديد من الإسرائيليين ، ومن شدة وقع الخبر وقع هاتفي وحاولنا الاتصال به مرة أخرى، وبعد ساعة بدأ المواطنون التوافد للبيت، وأعلن تلفزيون المنار الخبر رسميا، وردد الوالد إنا لله وإنا إليه راجعون صابرا محتسبا ».

وفي وصيته حث شهيدنا البطل جيل فلسطين القادم على مواصلة الجهاد والتقرب إلى الله، وطلب من أهله عدم البكاء عليه.

هدم منزله

بعد أسبوع من العملية أبلغت قوات الاحتلال بلدية قباطية والمحافظة بنيتهم هدم المنزل وقامت العائلة بإخلاء المنزل لمدة 3 أيام وعادوا إليه، وعلى أعتاب ذكرى استشهاده الأولى وبتاريخ 4/8/2002 اقتحمت قوات الاحتلال منزل الشهيد في ساعات الفجر ودون سابق إنذار ودون السماح للعائلة بإخلاء أي شيء منه، وقامت بتفجيره، مما تسبب بأضرار في منازل الحي وقاموا باعتقال أشقائه الأطفال وأفرجوا عنهم بعد 4 أيام.

ومن الجدير بالذكر أن قوات الاحتلال لا تزال تحتجز جثمان الشهيد نصر في مقابر الأرقام وترفض تسليمه لذويه.

واستشهد شقيقه عبد الرزاق، القائد الميداني في ألوية الناصر صلاح الدين، في قباطية بتاريخ 27/11/2006 في عملية اغتيال نفذتها القوات الخاصة جنوب جنين بعد اشتباك عنيف.

كلمات دلالية