بالصور هنادي جرادات.. عروس فلسطين التي هزت عقر دار المحتل

الساعة 03:48 م|08 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

في منزل متواضع وغرف صغيرة تعج بصور الأبطال، تجلس « أم فادي »، والدة الشهيدة هنادي جرادات تحدث حفيدتيها « هنادي وليان » عن قصة فلسطين الجريحة، وقصة عروس فلسطين التي زينت مدينة حيفا بالورد الأحمر وعطرتها بالمسك والياسمين.

جلست وعينيها تبرق بالدمع، وملامح وجهها تروي قصة بطولة ابنتها، ولسان حالها يقول: الحمد لله الذي أكرمنا واتخذ منا الشهداء الأوفياء لفلسطين« .

ولدت الشهيدة هنادي تيسير عبد المالك جرادات (28 عاما) وترعرعت في مخيم جنين، بتاريخ 21/9/1975 وسط أسرة مكونة من ولدين و7 بنات منهن 5 متزوجات وشهيد.

درست في مدرسة فاطمة خاتون حتى الصف السادس الابتدائي، ومن ثم انتقلت لتكمل المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدرسة الزهراء الثانوية في جنين، حيث أنهت الثانوية العامة من الفرع الأدبي، ولم تكن تأمل بأن تكمل دراستها في الجامعة، نظراً لوضع عائلتها، لكن والدها أصر على ذلك رغم معاناته ومرضه.

صفاتها

كانت هنادي ملتزمة بتعاليم دين الإسلام واللباس الشرعي، جريئة وقوية وثقتها عالية بنفسها، وإذا أصرّت على شيء تحققه مهما كلفها الأمر، كانت كريمة تجود بما تستطيع، مرحة تتعامل بأريحية مع الناس وفي نفس الوقت جدية وصارمة وكانت بمثابة الأم والأب لشقيقاتها.

كانت الشهيدة هنادي تهتم بالرسم والخط العربي، حيث رسمت مدينة عكا بالقلم والألوان، تعبيرا عن حبها لفلسطين المحتلة.

صامت الشهرين الأخيرين من حياتها كاملين، وختمت القرآن الكريم ست مرات، وفي أيامها الأخيرة كانت تحب الجلوس لوحدها وتجلس مع أخواتها يتحدثن بشكل طبيعي وتقول لهن »ملائكة فادي تبتسم« تقصد شقيقها الشهيد، وكانت تكتم سرا في أعماقها لم تطلع عليه أحدا.

حلم الدراسة

منذ صغرها وهي تحلم بأن تصبح محامية، تقول والدتها، وعندما كانت تشاهد التلفاز وتظهر إحدى المحاميات تطلب من والدها ألا يغيّر القناة، وعندما انتهت من الثانوية العامة قالت لوالدها: لا أريد دراسة الحقوق؛ لأن الوضع المادي لا يساعد على ذلك » لأن الدراسة في حينها كانت فقط في الأردن، إلا أن والدها قال لها: ستدرسين ما تريدين وتحققي حُلمك« .

سجلت الشهيدة هنادي في كلية الحقوق بجامعة جرش الأهلية في الأردن عام 1994م، وبعد انتهاء دراستها بعام مارست التدريب في مجال المحاماة، حيث شارفت فترة تدريبها على الانتهاء قبل تسعة أشهر من تنفيذها العملية الاستشهادية.

مواقف من حياتها

يرحل الشهداء تاركين خلفهم صورا ومواقف وتضحيات ترسم لنا خارطة الطريق نحو القدس لتكون نموذجا يُفتخر به منذ طفولتهم وحتى مماتهم.

تحدثنا والدتها عن مواقف هنادي: في إحدى الأيام توجهت لدائرة الأراضي في جنين والتقيت هناك بأحد القضاة الذي قال لي: كانت المحكمة تهتز تحت قدميها عندما تدخل قاعة المرافعات »، وتضيف والدتها أنها كانت متقمصة لشخصية والدها تماما.

وتمضي « أم فادي » في حديثها قائلة: كانت تحمل شخصية والدها أينما تذهب، حيث كان من شدة حبه لها يجلس معها لمناقشة قضايا البيت لمشاركته الرأي والقرار« .

وتضيف: كنت أذهب في صغرها للسؤال عنها في المدرسة، فتقول لي المعلمة إن هنادي شعلة متفوقة وواثقة من نفسها ومتحدثة ».

تتمالك الأم نفسها وتحبس الدموع، وإلى جانبها حفيدتها هنادي الصغيرة ابنة التسعة أعوام، والتي تحمل الكثير من صفات عمتها الشهيدة، وتحلم بدراسة المحاماة اقتداءً بعمتها الشهيدة وتحب الخط العربي أيضا.

في أحد الأيام توجهت هنادي لمعسكر سالم الإسرائيلي غرب جنين لتقديم طلب للحصول على تصريح طبي لوالدها، وعادت يومها غاضبة على ما سمعته من ضباط المخابرات حيث أخبروها أن عائلة جرادات إرهابية وطردوها، فقالت لهم قبل خروجها: لا أريد منكم تصاريح.

يوم استشهاد شقيقها

30 دقيقة كانت قد مضت على اتصال هنادي بوالدتها التي تواجدت في الأردن لعلاج زوجها، حيث اتصلت بها وطمأنتها على أوضاع البيت، فإذا بأقاربها يصِلون لها بالأردن ليخبروها بنبأ استشهاد صالح جرادات وإصابة ابنها فادي، ولكنها لم تصدق أن فادي مصاب، كونه لم يكن يفارق صالح ويلازمه في كل مكان.

وصلت الأم صبيحة اليوم التالي لتودع مهجة قلبها، فوجدت ابنتها هنادي تقف وبدأت بتصبيرها والشد على عضدها.

وفي سياق حديثها قالت الأم: هنادي صبورة جداً، ولم تظهر عليها ملامح الحزن، بل أظهرت وجهها المبتسم الفرح بفوز شقيقها بالشهادة، لم نلمس في أي يوم من الأيام أي نية لها للثأر والانتصار لشقيقها فادي ورفيق دربه الشهيد صالح جرادات« .

اليوم قبل الأخير

كعادتها كل صباح، استيقظت هنادي وهي صائمة، وعاشت يومها الاعتيادي وتوجهت لعملها وعادت منه، وبعد الإفطار، تقول شقيقتها: جلسنا مع بعضنا البعض، ومن ثم أكملنا سهرتنا معها بعد نوم أمي ووالدي، وضحكنا وتبادلنا الأحاديث، وكانت في عادتها تسهر حتى ساعات الفجر ولم نلاحظ أي شيء غريب على تصرفاتها ».

يوم الوداع

ما أن أشرقت شمس صباح يوم 4/10/2003 حتى فتحت هنادي عينيها، حيث كان والدها مستيقظا، وبدأت تتحدث إليه، وأحضرت له كأس بابونج وجهزت نفسها للتوجه للعمل كالعادة. تقول والدتها: أخبرتني أنها ستتأخر في ذلك اليوم عن العودة للبيت؛ بسبب انشغالها بعمل في إحدى قرى جنين، ورافقتها أنا ووالدها حتى آخر الشارع وعدت للمنزل لجلب نظارة والدها لأجد هنادي قد غادرت لعملها« .

لحظة تلقي النبأ

بشعور النصر وحرقة فراق الأحبة، تعيش الأم تلك اللحظات وهي تقول: كنت أجلس قرب باب المنزل، وفجأة خرج صوت أحد الجيران يقول »هناك عملية استشهادية« ، فتوجهت للتلفاز وطلبت من بناتي الاتصال بأختهن خوفا من أن تقتحم قوات الاحتلال المدينة، بدأنا باتصالاتنا للبحث عن هنادي عند الأقارب، واتصلنا مع زميلتها في العمل دون فائدة، وشقيقاتها يضعن لها الأعذار » الغائب عذره معه « .

الله يعين أهله منفذ العملية ويا نياله » بهذه الكلمات بدأت الأم تتحدث عن الثواني الأخيرة قبل الإعلان عن اسم منفذ العملية، لتضيف بالقول: وأنا أجلس عند باب المنزل وبناتي يجلسن قرب التلفاز، ما هي إلا لحظات حتى خرج صوت بناتي يبكين ويصرخن، وبسرعة البرق توجهت للغرفة ليخبرنني أن هنادي هي من نفذت العملية.. حمدتُ الله وقلت: رحمها الله وأسأل الله أن يتقبلها، وقلبي يعتصر ألماً لفراقها وفخرا بأنها بطلة من أبطال فلسطين وحرائرها« .

لم يترك الاحتلال العائلة بحالها رغم المُصاب الجلل الذي حل بهم، وفي يوم العملية وعند الساعة الرابعة فجرا اقتحمت قوة من الجيش الإسرائيلي منزل العائلة بعد أن أقدم الجيران والأقارب على إخلائه من كل شيء، وقام الجيش بإخراج أهالي الحي من منازلهم ولغموا المنزل وقاموا بتفجيره.

بعد مرور 13 عاما

تردد الأم ووجهها مبتسم وعيناها تتألم وهي تستعيد تلك اللحظات العصيبة التي عاشتها منذ استشهاد ابنتها قبل 13 عاما، وتقول وهي صابرة محتسبة: الحمد لله رب العالمين، ربنا أكرمها واختارها تكون من الشهداء، وربنا خلق شعب فلسطين للتضحية، وأولادنا بأي لحظة مهيئين يكونوا ضمن قوافل الشهداء أو الأسرى ».

رحلت هنادي وتركت خلفها أوراقها ورسوماتها تحكي حكايتها للأطفال والأجيال، وصداها في زوايا البيت، تركت محبة أهلها وذويها وجيرانها الذي يستذكرون أخلاقها ومحاسنها ومواقفها التي لا تنسى.

رحلت هنادي وعادت بعد 3 سنوات للبيت، جاءت هنادي الطفلة البريئة الطموحة صاحبة الابتسامة، جاءت لتكمل مشوار عمتها في تعلم المحاماة وممارسة الرسم.

من الجدير بالذكر أن هنادي نفذت عملية استشهادية في مطعم مكسيم وسط مدينة حيفا شمال فلسطين المحتلة وقتلت فيها 20 إسرائيليا وأصابت 40 آخرين، ردا على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وجريمة قواته المستعربة في اغتيال شقيقها فادي ورفيق دربه القيادي في سرايا القدس الشهيد صالح جرادات يوم 12/6/2003 .



هنادي1

هنادي 3

هنادي 2

كلمات دلالية