بقلم: غابي افيطال
(المضمون: تكتسب اسرائيل مكانتها الاقليمية والدولية بفضل قوة ردعها العسكري وكذلك نجاحها الاقتصادي وتحالفاتها الاقليمية - المصدر).
لقد مرت 43 سنة منذ بدء حرب يوم الغفران. ومجرد ذكر كلمة « بدء » يثير مشكلة بنيوية يجب علاجها. لأن الحرب بدأت فعليا، كما تشير الساعة، وتوجد لذلك قيمة تاريخية. إلا أنها قد بدأت في اليوم الذي انتهت فيه حرب الاستنزاف، قبل ذلك بثلاث سنوات، 30 آب 1970. فقط بهذا الشكل يمكن طرح السؤال حول وضع دولة اسرائيل في ذلك الحين واليوم.
نظرا لأنه في 30 آب تم التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار بشروط غير مريحة لاسرائيل وبضغط من القوى العظمى، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. كانت العقبة الاولى هي أن مصر، بمساعدة الاتحاد السوفييتي، وسوريا ايضا بدأتا باعداد الصواريخ المضادة للطائرات الاكثر في العالم في تلك الفترة. وفي اليوم التالي أحضر السوريون بطاريات الصواريخ باتجاه قناة السويس دون أن تتمكن اسرائيل من الرد.
عشرات الطائرات التابعة لسلاح الجو تم اسقاطها في الايام الاولى من الحرب بسبب الصواريخ في الجنوب والشمال. وكانت مشكلة القوات البرية هي غياب سلاح الجو والكثير من الضحايا. اسرائيل في العام 1973 جلست آمنة على ضفاف قناة السويس. وكان سلاح الجو متأهبا دائما. وقبل الحرب بثلاثة اسابيع تم اسقاط 12 طائرة قتالية سورية. وتم استدعاء الاحتياط مرتين خلال سنة ونصف. وكل شيء بدا جيدا. فما الذي حدث اذا؟.
رغم تحليل الواقع مع الوسائل التكنولوجية المتقدمة والمعلومات الافضل التي قد تحلم بها الدولة، ومعلومات استخبارية كثيرة – العامل الانساني كان من المفروض أن يقرر، وقد فشل في ذلك. فشل في تقدير الطاقة الكامنة التي كانت لدى مصر والرغبة في الانتقام واعادة الكرامة القومية. الفجوة الثقافية بين رؤساء الاستخبارات وبين العدو اللدود، بدء بحرب الاستقلال، حرب 1956، حرب الايام الستة وحرب الاستنزاف، كانت كبيرة الى درجة أنه عندما طلب من جنود الجيش المصري والجيش السوري عدم الصوم في رمضان في الاول من تشرين الاول، وتم وضع هذه المعلومة أمام رؤساء الاستخبارات، لم يشتعل الضوء الاحمر.
المستوى السياسي والعسكري لم يدركا حجم المسؤولية التي ترتبت على اسرائيل في نهاية حرب الايام الستة. هذه المسؤولية التي تعطى للقوى العظمى الاقليمية. وهكذا كانت اسرائيل في
نظر العالم بشكل عام، وفي نظر القوتين العظميين بشكل خاص. دور القوة الاقليمية هو تطبيق قدرة الردع وكبح الشيوعية التي تتفشى، هذا على الاقل ما توقعته الولايات المتحدة. وكان من المهم لقادة اسرائيل أن يعرف العالم أننا لا نبادر الى الحرب. فقد رفض موشيه ديان تجنيد الاحتياط بشكل كامل قبل بدء الحرب بأربع ساعات. القوة العظمى لا يجب عليها التوسل أو تمتنع عن الضربة الاستباقية التي كان يمكنها منع نشوب الحرب.
في هذه الاثناء، امكانية اندلاع الحرب مع مصر أو الاردن أو السعودية وعدد من دول الخليج، اصبحت ضعيفة جدا بسبب اتفاقات السلام. لا حاجة للاكثار في الحديث عن سوريا، لأنها حسب رأيي قد خرجت من دائرة الحرب منذ سنوات. هذا ليس اطار بل هو نتيجة لعمليات عميقة تحدث في الشرق الاوسط والعالم. وروسيا ليست ركيزة تلقائية للدول العربية. وبقدر كبير من الحذر، ورغم السلاح الكثير في حوزة حزب الله، إلا أنه يمتنع عن استخدام قدرته الهجومية. وقد حدث ذلك بعد بضع جولات من الحروب المحلية التي لم تنتشر رغم التقديرات الاستخبارية المختلفة. المشكلة الفلسطينية تحتل مكانا أقل لدى العرب بشكل عام.
نشأ محور قوي يتشكل من اسرائيل واليونان وتركيا ومصر والسعودية وهو يسد الطريق أمام ايران. وحلم نهاية الزمان آخذ في التبلور يوما وراء يوم. يأتي هذا بسبب القوة العسكرية الرادعة والتجربة من جولات الحرب الاخيرة، والعلاقات المتشعبة مع دول العالم، بما في ذلك سياسة « عليكم أخذنا في الحسبان » وقوة اقتصادية تزداد من خلال حقول الغاز والشركات غير المسبوقة – كل ذلك يعمل على تغيير الصورة قياسا بفترة تلك الحرب.