خبر لماذا نحتاج إلى فكر فتحي الشقاقي اليوم ؟ بقلم د. وليد القططي

الساعة 10:19 ص|06 أكتوبر 2016

فلسطين اليوم

بعد أكثر من عشرين عاماً على استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأمينها العام الأول , من المفيد أن نُلقي نظرة سريعة على بعض ملامح فكره , لنرى كم نحن بحاجة إلى إعادة استلهام مضامين هذا الفكر , والعمل على تفعيلها في واقعنا الحالي , في ظل هذا البحر المضطرب بأمواج الفوضى الهدّامة , التي ضربت سفينتي الوطن الصغير الفلسطيني والوطن الكبير العربي , ومن ورائهما الأمة الإسلامية , فتحطمتا لنغرق في بحر لُجّي تغشاه ظُلمات الفتن بعضها فوق بعض . وعندما نتحدث عن فكر الشقاقي نخرج من الإطار الحزبي إلى الإطار الوطني الأكبر , الذي كان يهيمن على عقل وروح الشهيد , كغيره من الرموز الوطنية التي خرجت من ثوبها الحزبي لتصبح رموزاً وطنية جامعة للشعب الفلسطينـــــي ... وانطلاقـــــاً من هذا الإطار الوطنـــي والإسلامي لفكر الشقاقي فإننـــا نحتاج إلى فكره اليوم للأسباب التالية :

أولاً : نحتاجه لإعادة التأكيد على شعاره المركزي الذي طرحه محوراً في الفكر والعمل الإسلامي والوطني وهو مركزية القضية الفلسطينية للأمتين العربية والإسلامية وللحركة الإسلامية , بعد انشغال العرب والمسلمين بصراعات داخلية أكلت الأخضر واليابس , ودمرت مقدراتهم وشغلتهم عن قضايا الأمة الكبرى , وضربتهم لعنة ( الربيع العربي ) فحوّلت أنظارهم عن العدو المركزي للأمة ( إسرائيل ) . إلى اختراع أعداء من داخل الأمة , يضرب بعضها رقاب بعض . فإعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كقضية جامعة للأمة يعني امتلاكها لمشروع يحقق وحدتها ونهضتها وعزتها وكرامتها .

ثانياً : نحتاجه لإعادة تصويب بوصلة الصراع والجهاد والمقاومة نحو القدس وفلسطين , التي طالما أكد على أهمية عدم انحرافها , بعد أن رُفعت رايات الجهاد الكاذبة في الكثير من البلاد ما عدا فلسطين , وبعد أن وجُهت البنادق إلى كل الاتجاهات ما عدا الكيان الصهيوني , وبعد أن أصبحت فلسطين مكاناً يخرج منها

( المجاهدون ) إلى شتى أنحاء الأرض ليمارسوا طقوس القتل والوحشية باسم الإسلام وتحت راية الجهاد تحيطهم كل الشبهات وتصحبهم كل اللعنات , بدلاً من أن يأتوا إليها مجاهدين منزهين من كل الشبهات ويصحبهم رضوان الله وعونه .

ثالثاً : نحتاجه لإعادة التأكيد على محورية خيار المقاومة والجهاد لإنجاز مشروع تحرير فلسطين الذي عاش حياته مُبشراً به ، بعد أن تُهنا لأكثر من عشرين عاماً في متاهات السلام المُزّيف وأزقة المفاوضات العبثية , لنخرج من متاهتنا فنجد الاحتلال قد تكرّس , والاستيطان قد تمدد , والانقسام قد تعمّق , فإذا نحن فريقان يقتتلان , وسلطة تحت الاحتلال محاصرة بالمستوطنات ومُكبّلة بالاتفاقيات التي حوّلت العدو إلى الطرف الآخر , والمحتل إلى شريك السلام , فإعادة الاعتبار لخيار المقاومة والجهاد بعد أن وضع في قفص الاتهام هو إعادة الاعتبار لكل الشهداء الذين ارتقوا على هذا الدرب منذ أول الشهداء حتى آخرهم .

رابعاً : نحتاجه لإعادة استلهام روح الوحدة التي كانت تسكنه , فيتحرك بها ويسعى لها , في الإطارين : الوطني والإسلامي , بعد أن أصبح الانقسام في الحركة الوطنية الفلسطينية واقعاً متغلغلاً في كافة مناحي حياتنا , وبعد أن أصبح التفسّخ والتشرذم والاختلاف في الأمة واقعاً مهيمناً في كل الجغرافيا العربية والإسلامية . ففي الإطار الوطني نحتاج إلى روح الوحدة الوطنية التي تعلو على الروح الحزبية والرؤية الفصائلية , وفي الإطار الإسلامي نحتاج إلى روح الوحدة الإسلامية للتأكيد على وحدة الأمة الإسلامية كأمة واحدة فوق كل المذاهب وقبل كل القوميات . تلك الروح الوحدوية التي جمعت بين الإسلام والعروبة والوطنية في بوتقة واحدة قلبها القدس ومركزها فلسطين .

خامساً : نحتاجه لإعادة تشرّب روح التسامح والتراحم والوسطية والاعتدال وتقّبل الآخر  المختلف , التي كانت تسكنه في مسيرته المباركة نحو ربه , بعد أن سيطرت روح التعصب والقسوة والتطرف والغلو ورفض الآخر المختلف في الدائرتين الوطنية والإسلامية , فاستخدمنا – أو البعض منا – لغة التخوين والتكفير كثقافة للتعامل مع الآخر المختلف لإخراجه من الدائرة الوطنية بتخوينه , ومن الدائرة الإسلامية بتكفيره , وكلاهما يقودان إلى نفس النتيجة التي تقصي الآخر وتلغيه معنوياً بنزع الصفة الإنسانية عنه , ثم تقصيه وتلغيه مادياً بقتله . نحتاج إلى ثقافة التسامح والتراحم والوسطية والاعتدال وتقّبل الآخر والتعددية كثقافة وطنية وإسلامية إيجابية , تعزز الوحدة والتعايش والسلام .

سادساً : نحتاجه لإعادة تصحيح بعض المفاهيم الفكرية التي أعاد تعريفها , ومنها مفهوم ( السلفية ) التي تعني الرجوع إلى النبع الصافي للإسلام ممثلاً في القرآن والسنة , وفهم النص مباشرة منهما بطريقة عقلانية اجتهادية , مع الاسترشاد بفهم السلف الصالح لتلك النصوص ، وليس بالضرورة فهمهم الحرفي للإسلام وإلغاء عقولنا . ومفهوم ( المنهجية ) في العمل الإسلامي والوطني الذي يرتكز على الفهم الصحيح للإسلام والتاريخ والواقع لمساعدتنا على فهم صحيح للماضي , وتشخيص دقيق للحاضر , ورؤية ثاقبة للمستقبل , لتساعدنا على وضع خطة واضحة للعمل تنبثق من رؤية فكرية واضحة . وأكد على الفهم الصحيح للتجديد , الذي يعني الموقف الوسط بين من يقدّس التراث ومن يرفضه , فالتجديد يبدأ من نقد التراث غير المفيد والضار ثم تجاوزه إلى ما هو أفضل منه . ومفهوم ( الثورية ) الذي يعني التغيير الجذري الشامل , ورفض أي حلول وسط تُبقي على الكيان الصهيوني في فلسطين .

سابعاً : نحتاجه لإعادة تصحيح وضع المرأة في مجتمعنا الفلسطيني الذي هو جزء من المجتمع العربي الإسلامي , بعد أن تطرف البعض فدعوها إلى الانحلال وتقليد الغرب في فكرها وسلوكها ولباسها , تحت مزاعم الحضارة والحداثة . وتطرف البعض الآخر في الاتجاه المعاكس فحبسوها داخل ثقافة أن المرأة عورة كلها , تحت مزاعم الحشمة والالتزام بالإسلام كما فهموه . فكانت رؤيته للمرأة وسط بين تطرفين , ونادى بإعطائها دور أكبر في الثورة والعمل الوطني , ومكانة أفضل في المجتمع , وحقوق مساوية للرجل وفق ضوابط الشرع , ومشاركة فاعلة في مناهضة التعليم الغربي والاقتصاد الوطني . واعتبر أن حجاب المرأة المسلمة رمز ديني وحضاري يحافظ على كرامتها وأنوثتها الحقيقية .

ثامناً : نحتاجه لإعادة التركيز على الإنسان كمحور وموضوع للتغيير , وكأداة للتغيير , بعد أن تراجعت قيمة الإنسان وأُهدرت كرامته في ظل الأنظمة السياسية الشمولية والاستبدادية الفاسدة التي طُحن فيها الإنسان في ماكنة النظام السياسي الذي لا يخدم إلاّ نخبة قليلة من الحكام وأعوانهم ومنافقيهم . وفي ظل ثقافة دينية أشاعتها تيارات دينية متعصبة جامدة هي الوجه الآخر للأنظمة المستبدة , وقد تكون هي الوجه الأكثر قبحاً في تدمير إنسانية الإنسان وسحق كرامته . لذلك رفض الاستبداد في فكره الذي لا يقيد حرية الإنسان , ورفض الحكم المطلق وما يٌعرف بإمارة الاستيلاء , ورفض إغلاق باب الاجتهاد , وكل ما يؤدي إلى إهدار إنسانية  الإنسان وكرامته من خلال تعطيل حرية عقله في التفكير والإبداع .

تاسعاً : نحتاجه لإعادة إحياء خطابه السياسي الوحدوي المقاوم الحر , الذي جمع بين الانتماء لكل من الحركة الإسلامية والحركة الوطنية , على قاعدة الانتماء لأمة إسلامية واحدة وشعب فلسطيني واحد , والإيمان بدوائر الانتماء للوطنية الفلسطينية , والقومية العربية , والأمة الإسلامية , وإعطاء الصراع مع الكيان الصهيوني بُعداً وطنياً كجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني , وبُعداً إسلامياً حضارياً كجزء من المشروع الإسلامي المعاصر ضد المشروع الغربي – الصهيوني . والتأكيد على خطاب الجهاد والمقاومة لتحرير فلسطين كواجب شرعي ووطني , إضافة لكونه ركيزة مشروع التحرير والوحدة والنهضة للأمة جمعاء , وأهم أداة للتخلّص من التبعية السياسية والثقافية والاقتصادية .

عاشراً : نحتاجه لإعادة إحياء الشعارات والمقولات التي رفعها على امتداد مسيرة الدم الذي هزم السيف , ولا زالت تنبض بالحياة حتى يومنا هذا , وإلى أن يشاء الله تعالى , ومنها : زوال إسرائيل حتمية قرآنية , وتقديم الواجب على الإمكان , وإن فلسطين لا تتسع لأكثر من شعب واحد هو شعب فلسطين , وأن الصراع لا يمكن أن تنهيه مفاوضات تقوم على إملاء شروط المعتدي على الضعيف , وفلسطين مقتل المشروع الاستعماري لأن إسرائيل قلب هذا المشروع , وأن دم الشهداء هو شريان الحياة لشجرة المقاومة والجهاد والحرية , والمثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر ولا ينبغي أن ينكسر , ونحن لسنا ضد اليهود كأصحاب دين ولكننا ضد إسرائيل ككيان سياسي مغتصب ... وغيرها من الشعارات والمقولات .

... لكل هذه الأسباب وغيرها نحن بحاجة إلى إحياء فكر الدكتور فتحي الشقاقي ، وغيره من مفكري الشعب الفلسطيني الوحدويين الوطنيين ، ليس للبكاء على الأطلال وكتابة قصائد الرثاء , وإنما للاسترشاد بفكرهم في مواجهة كل هذا القبح المحيط بنا لاستعادة الجمال إلى حياتنا , ولتبديد ظـــلام هذا الليل الطويل حتى ينجلي ولإزالة الركام الحزبي عن فكر وطني وإسلامي من الطراز الأول .

 

كلمات دلالية