خبر حساب النفس -يديعوت

الساعة 11:03 ص|06 سبتمبر 2016

فلسطين اليوم

بين وارسو والنكبة

بقلم: يرون لندن

(المضمون: ان من يطلب من غيره ان يضرب على صدره، ينبغي أن يطلب هذا أولا وقبل كل شيء لنفسه. فشعب قوي وواثق يمكنه أن يعترف بالمظالم التي احدقها دون ان تهتز شخصية وجوده. فهل هكذا نتصرف نحن؟ - المصدر).

 

تثور حفيظة حكومة بولندا على صياغات لا توضح بما يكفي بأن ليس البولنديين هم الذين أداروا معسكرات الابادة بل المحتلين الالمان. كما أنها تتنكر للمذابح التي ارتكبها البولنديون بحق اليهود إبان الحرب وبعدها. بولندا محقة في ادعائها بانها وقعت ضحية لالمانيا النازية، التي رأت في البولنديين مخلوقات دون وقتلت ثلاثة ملايين من مواطنيها غير اليهود، ولكنها كانت ولا تزال مصابة باللاسامية. فالى جانب الاخيار الذين خاطروا بل وضحوا بحياتهم لانقاذ اليهود، كانت جموع البولنديين غير مبالية لمصيرهم بل وشاركت في مطاردتهم. لم تقل اللاسامية في بولندا في عهد النظام

 

الشيوعي، وآخر الناجين أبعدوا من بولندا في اعقاب حرب الايام الستة. نحن نطلب حسابا للنفس، وبولندا لا تستجيب.

 

رفضها غير مفاجيء، لانه لا يسارع أي شعب الى الاعتراف بخطاياه. فلهذا السبب مطلوب هزة عميقة تسمح احيانا بتغيير الرواية الوطنية. وينطوي غرس الرواية الجديدة على عملية كسر دائم ومضنٍ، لان النكران هو كالعشبة البرية العنيدة التي تنبت مع ضعف الذاكرة. وتأتي الازمات الاجتماعية لتشجع نموها، والنكران هو دليل على خطورة هذه الازمات.

 

ترفض بولندا، لانها غارقة في أزمة ولان البولنديين يرون أنفسهم كضحايا. والضحايا يميلون الى الاستسلام لمسكنتهم. والحق أن البولنديين شهدوا معاناة جمة. ففي أواخر القرن الثامن عشر بترت بلادهم على أيدي جيرانها وقمعت كل ثوراتهم. هذه البلاد، المحشورة بين القوى العظمى التي تستخدمها كفاصل عن خصومها، لم تتحرر الا في اعقاب الحرب العالمية الاولى، ولم تمر سوى نحو عشرين سنة الى أن سقطت في ايدي روسيا السوفياتية التي سيطرت عليها عمليا حتى موعد قريب من انحلالها.

 

ان من يطلب من غيره ان يضرب على صدره، ينبغي أن يطلب هذا أولا وقبل كل شيء لنفسه. فشعب قوي وواثق يمكنه أن يعترف بالمظالم التي احدقها دون ان تهتز شخصية وجوده. فهل هكذا نتصرف نحن؟ إن جهود المؤسسة السياسية للمنع عن عرب اسرائيل كل تعبير عن فقدان وطنهم تدل على أننا غير واثقين بأنفسنا. مثل البولنديين، نحن ايضا نشعر كضحايا دائمين وانجازاتنا العظمى لا تشفي مرضنا. فنحن نخاف أن نهتز فنسقط اذا ما اعترفنا بانه توجد فينا شائبة. والاكاذيب التي نرويها لانفسنا هي مثابة المورفين الذي ينبغي زيادة حقنته لاسكات دودة الشك التي تعتمل في احساسنا بالعدل.

 

النكبة (وكم مرة ينبغي العودة لقول هذا) ليست كارثة. فالدعائيون الفلسطينيون يطورون المقارنة لاسباب يقصر اليراع عن تفسيرها، ولكني لست قلقا على روحهم بل على روح شعبي. واشهد على نفسي: فبوادر الشك في الرواية الصهيونية ثارت في قلبي عندما تبين لي بان معلميي كذبوا علي إذ قالوا ان كل العرب الذين تركوا بلداتهم في حرب التحرير اغراهم وعد زعمائهم بانهم سيعودون وسيرثون الممتلكات اليهودية. وحسب هذه القصة، فان احدا من العرب لم يقتل بعد ان أُقنع، واحدا لم يطرد من اجل توسيع مجال حكمنا. وفقط بعد أن وصلت الى شفا الرشد تبين لي

 

باننا طردنا، هدمنا، وفي حالات غير قليلة قتلنا ايضا. يمكن شرح الظروف، ولكن يجب الاعتراف بالحقائق وترك الحزانى يبكون على مصيرهم.

 

في كتاب هام لم يحظَ بانتباه كاف – « على شفا هوة » – يتصدى الباحث اورئيل أبلوف لاثار رعب الكف الذي يسيطر على الدول الصغيرة، والتي تعتبر اسرائيل واحدة منها. واقتبس هنا جملة واحدة: « الخطاب الاخلاقي الذي يعكس تحولات في طبيعة الامة وطرق تصديها للرعب كفيل بان يفيد أيضا بآخرها – للطعن أم للرأفة. فصعود واختفاء الشعوب لا يحدثان فقط بالدم والنار بل وايضا بالنسيان، بالعار، بالظلم وبالذنب ».

 

كلمات دلالية