تقرير ظاهرة « التسول » في غزة تستعيد عافيتها من جديد

الساعة 06:26 م|31 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

رجل في الأربعين من عمره ،حتى لا يعرفه أحد يستقل إحدى السيارات في العاشرة صباحاً، ليذهب لمدينة أخرى داخل القطاع، متخفياً في ملابس بالية، يتخذ من الرصيف مفرشاً له، يمد يده للمارة قائلاً :« يستر على ولاياك، رزقني »، وفي مشهد آخر، طفل لا يتجاوز عمره الـ13 عاماً يتجول بين السيارات يطرق بيده الشبابيك:« أعطيني شيكل ».

سيناريو تتكرر مشاهده في كل يوم، ما بين نساء يلبسون النقاب ويحتضنون أطفالاً في عمر الزهور، وُمقعد يجوب الأسواق على كرسي متحرك، ويمسك ورقة تقرير طبي بحالته المرضية، ويناشد الباعة والمتجولين بمساعدته بمبلغ بسيط من المال.

وأطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية في وقت سابق حملة للقضاء على ظاهرة التسول  في القطاع، ونوهت إلى أن عدد حالات التسول  التي تم رصدها وصلت نحو ثلاثمئة حالة، مشيرين إلى أن الخطة  التي تسير عليها الحملة  تضم عدة  محاور كالوعظ والإرشاد والتوعية والمعالجة القانونية والاقتصادية.

مراسلتنا زارت إحدى المتسولات المحجبات، وبعد إلحاح عليها شريطة عدم ذكر اسمها، قالت (ف. إ): « أنها تقتات وتحصل على المال من جلوسها في الأسواق العامة، وبين يديها طفلتها الرضيعة شذى، مشيرة إلى أن المبلغ الذي تجنيه حوالي 40 شيكلاً يومياً. »

وحول سؤالنا لها، ما الذي يجعلها تتسول، أجابت: « بدأت التسول عندما ساءت أوضاعنا المادية، بعد فشل عمل زوجي على بسطة للخضروات، وضاقت بنا الدنيا لدرجة أننا أصبحنا لا نجد ما نأكله، فاضطررت للتسول في الأسواق البعيدة عن بيتي، حتى يعرفني أحد من الأقارب والجيران ».

وتابعت (ف. إ) : زوجي يبحث عن عمل منذ ذلك الحين، لكن حالنا في غزة لا يخفى على أحد، مضيفة أنها لا تخجل من التسول ومد يدها للناس، معللة ذلك بأنها تساعد زوجها بمصاريف البيت.

ووفق دراسة قانونية وإحصائية لمؤسسة الضمير،  فإن 65.3% من الأطفال المتسولين تراوحت مدة تسولهم من سنة الى خمس سنوات، ما يعطي مؤشرا على أثر الحصار على زيادة نسبة التسول في المجتمع الغزي، كما أن ظاهرة التسول تنتشر في الأسر التي ينخفض فيها المستوى التعليمي لأولياء الأمور، كما أن الغالبية العظمى من آباء المتسولين عاطلون عن العمل، وتنتشر الظاهرة بين العائلات التي تتلقى مساعدات أو العائلات التي يبلغ متوسط الدخل الشهري لها 677.2 شيكل.

ومن جانبه، أكد الأخصائي الاجتماعي والنفسي محمد عابد لـ« وكالة فلسطين اليوم  »، أن ظاهرة التسول قد استشرت في مجتمعنا كفايروس خبيث، مشيراُ إلى أن الفقر يلعب الدور الأساسي الأول في تزايد حالات التسول، وكذلك العوامل الاجتماعية، مثل اليتيم أو انفصال الأبوين أو عدم الاستقرار الأسري والذي يدفع بالأطفال والنساء كحلقة أضعف في البناء الأسري، والتي تدفعهم إلى الشوارع للتسول.

وأوضح عابد، أن هناك عوامل ثقافية والتي تجعل بعض المجتمعات تتقبل فكرة المتسولين في الشوارع، ولا تعتبرها مرضاً اجتماعياً يحتاج وقفة جدية للحد والقضاء عليها.

وبين عابد، أن الأطفال والنساء هم أغلبية المتسولين في الشوارع يضاف إليهم الرجال أصحاب الإعاقات والعاهات الجسدية، والذين يعتبرونها رخصة لهم بالتسول رغم عدم حاجتهم الاقتصادية، لأن معظمهم مسجلون في دوائر الشؤون الاجتماعية ويتلقون مساعدات مادية وعينية.

وعلى الصعيد ذاته أوضح عابد، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض على قطاع غزة جعلت المتسول يستسهل هذه الظاهرة ويمتهنها مهنة له، ويعزف عن الخروج للعمل .

ونبه إلى أن خروج الأطفال من مدارسهم للتسول يعني انتشار الأمية، والأكثر خطورة من ذلك تعرضهم للاستغلال بكل أنواعه، مما ينتج عن ذلك مشاكل اجتماعية أكثر خطورة، وهو ما ينطبق أيضا على النساء المتسولات في الشوارع .

هذا وأكد الناطق باسم الشرطة المقدم أيمن البطنيجي في وقت سابق، أن الشرطة ألقت القبض على الكثير من المتسولين في حملة نفذتها بالأمس في شوارع غزة وخاصة قرب المساجد، موضحا أن أغلب هؤلاء هم من فئة النساء والفتيات والأطفال الصغار.

وقال البطنيجي ” إن المثير في الأمر أن الكثير من هؤلاء المتسولين تم أخذ تعهد عليهم سابقا بعدم الرجوع إلى التسول في الشوارع والطرقات وقرب الأماكن الهامة بغزة، لكن يبدو أن لا شيء يردعهم وعادوا إلى مد اليد للناس وطلب المال مرة أخرى”.

ووفق ما ذكره البطنيجي، فإن الشرطة الفلسطينية أخذت تعهدات على بعض المتسولين بعدم الرجوع إلى التسول والوقوف أمام المساجد وقرب المفترقات .

كلمات دلالية