خبر البديل الوحيد- معاريف

الساعة 07:56 ص|20 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: ميخائيل كلاينر

الاتحاد الاوروبي يتعثر. فخروج بريطانيا لم يكن سوى رصاصة البدء. ثمة أثر دومينو تتعاظم فيه الاصوات المؤيدة للترك في دول اوروبية اخرى ايضا. فالاطار الكونفدرالي، على كل ما فيه من خير، لا يكون كافيا دوما لخلق كيان سياسي قابل للعيش. هذا ليس فقط موضوع جغرافيا أو مصالح اقتصادية. هذا احيانا يكون موضوع زعامة. واحيانا نضج. واحيانا انعدام البديل.

الكثير ممن يؤيدون حل الدولتين للشعبين في بلاد اسرائيل ليسوا واعين على الاطلاق بانه قبل اكثر من مئة سنة كانت فكرة لم تنضح لتصبح عملية: اقامة اطار سياسي كونفدرالي على نمط الاتحاد الاوروبي، بالذات في منطقة الهلال الخصيب، التي تتضمن العراق، سوريا، الاردن، لبنان واسرائيل. والخطة التي كانت مثابة حل سياسي شامل للمسلمين، المسيحيين، الاشوريين، الاكراد واليهود وضعها الرئيس الامريكي وودرو ولسون في بداية الحرب العالمية الاولى.

عطل فكرة ولسون الجمهوريون الانعزاليون الذين سيطروا في الكونغرس في حينه. اما من ثبت الحقائق على الارض فكان البريطانيون والفرنسيون، الذين بضغط الحرب والحاجة لمنح تعويض لمساعديهم اختاروا تجاهل الصورة السياسية الكبرى وتفضيل مصالح فورية تشوه وجه الشرق الاوسط حتى اليوم.

          مهامة سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي كانت خلق نظام جديد في المنطقة مع تحريرها من عبء الحكم العثماني. وبقلم رصاص غليظ حطموها – وبالاساس حطموا الامة العربية – الى دول وشظايا دول حسب نهج ومنطق اخذا من « اليسا في بلاد العجائب » بعد وجبة زائدة من مخدر الهذيان. وليس عجيبا أن الهذيان الذي اتخذ اسم اتفاق سايكس – بيكو يحتفل في هذه الايام بمئة ربيع، تتفجر في وجوهنا بشكل ثورات حظيت بلقب الربيع العربي ولكن سرعان ما تحولت الى شتاء عربي قاتم ومهدد.

          مثلما في كل هزة أرضة يعرف الخبراء كيف يحللوا اسبابها في نظرة الى الوراء فقط، كذلك حين يرتدي نتاج اتفاق سايكس – بيكو صورة داعش وجبهة النصرة التي تهز الارض من تحت اقدام العالم العربي – لا يمنع هذا العالم الحر من مواصلة العمل حسب الصيغة اياها ومحاولة خلق كيانات سياسية غير قابلة للعيش في الشرق الاوسط.

          الحلول السياسية التي يحاولون فرضها على اسرائيل، والتي تتجاهل التركيبة الديمغرافية لجيرانها، تخلد مشاكل قومية وغيرها نشأت في اتفاق سايكس – بيكو ولم تنل حلها بعد. هكذا، مثلا، حكم الاقلية البدوية في الاردن على الاغلبية الفلسطينية؛ حكم الاقلية العلوية الشيعية في سوريا على الاغلبية السنية؛ حكم رئيس مسيحي على اغلبية مسلمة في لبنان؛ والمطالبة باقامة دولة فلسطينية في دخل الدولة اليهودية.

          تفكير سياسي جديد حقا هو الذي يعيد النظر في الفرضيات الاساس ويحاول ان يفحص مجددا أفكارا سياسية رفضت في الماضي أو نزلت عن منصة التاريخ في هذه الظروف السياسية أو تلك. بين الربيع العربي ليوم الغفران هذا، والربيع العربي ليوم الغفران التالي، علينا أن نجري حساب نفس سياسي وان نضع على الطاولة مبادرة ذكية هدفها خدمة مصلحتنا الوجودية ومصلحة العناصر الاكثر اعتدالا في محيطنا. مبادرة تنزع الشوكة من ربيع عربي آخر وتخلص العالم الغربي من الهجمات الارهابية التي ستكلفه ضحايا اخرى.

          هذا هو الزمن للتحليل السليم للاخفاقات التي ولدت الربيع العربي الحالي وستولد المستقبلي ومحاولة اصلاح الشرق الاوسط على اساس هذا الفهم. في اتفاق سايكس – بيكو كان عنصر واحد هام من الضلال: كونه المدماك الاول في بناء الشرعية لاقامة دولة سرائيل. فبدلا من الثوران ضد الامبريالية البريطانية – الفرنسية لتي خدمت ذاتها وحدها، وبناء الامة العربية الكبرى بالتعاون مع اليهود العائدين الى وطنهم التاريخي، فضل العرب القتال ضد اسرائيل الاستسلام للامبريالية الاوروبية.       

          لقد أصبحت الصهيونية كيس ضربات المنطقة، العنصر الاسهل لاتهامه بكل مشكلة وفشل. وهكذا تمنع الجماهير المستاءة من الفقر من العمل ضد السلطات الفاسدة وتوجه الى العدو الحقيقي: اسرائيل.

          من يسمح لنا اليوم بان نسوق للعالم العربي صورة مرآة لذاته هو بالذات أبو مازن الذي سار شوطا بعيدا ورفع دعوى تعويض ضد بريطانيا على تصريح بلفور. فقد تلقينا فرصة وعلينا أن نستغلها.

          اتفاق سايكس بيكو اياه الذي أدى الى تصريح بلفور، الى قرار التقسيم واقامة الدولة، هو الذي منع خلق كتلة عربية – يهودية، مسيحية، كردية، آشورية، طبيعية، وخلق مسخا مثل الشعب الفلسطيني يستهدف تقويض المعقل الصهيوني في بلاد اسرائيل. لو كان العرب كافحوا اتفاق سايكس – بيكو بسبب الامر الاساس – تقسيم غير طبيعي للحكم في الدول العربية – بدلا من الامر التافه، الاعتراف باليهود ككيان سياسي، لكانت اقامة كونفدرالية من الدول العربية في الشرق الاوسط، مع الدولة اليهودية، ستخلق كتلة قوية، يتحرك اقتصاديا عبر عالم التكنولوجيا والرأس اليهودي وعبر المساحات، الكنوز الطبيعية وقوة العمل العربية. لا يزال لم يفت الاوان.

          ان النسغ الذي ربط عشرات عديدة من الدول والامارات الصغيرة لتصبح المانيا موحدة وقوية كان زعيما شديد النفوذ مثل اوتو فون بسمارك. اما النسغ الذي ربط المستعمرات البريطانية في امريكا الشمالية لتصبح دولة الولايات المتحدة فكان الكفاح ضد الامبريالية البريطانية ولاحقا الحرب الاهلية. والنسغ الكفيل بان يجعل فكرة الكونفدرالية الشرق اوسطية حلا سياسيا عمليا هو انعدام البديل. فالدولة الفلسطينية لن تقوم هنا، ليس فقط لانها تعرض للخطر وجودنا بل وايضا بسبب كونها محفزا لتفكيك الاردن. اما الكونفدرالية فستخدم الاستقرار في المنطقة، توفر حلولا بديلة للربيع العربي من العنف والارهاب، ستخلق كتلة اقتصادية رائدة، تمنح الرفاه والازدهار، وبالاساس ستغير عالم القيم العفن لجيراننا وستؤدي الى الحرية وربيع الشعوب الحقيقي.

كلمات دلالية