خبر ثلاث عقبات- هآرتس

الساعة 07:54 ص|20 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: غبريئيل موكيد

إن دولة اسرائيل، بلا شك، تحتاج الى خطة سياسية واضحة ومعقولة خاصة بها حول صراعها القومي مع الفلسطينيين. ولكن أمام خطة كهذه توجد عقبات ثلاث. صحيح أنها عقبات في الوعي وليست ذات صلة بامكانية بلورة خطة كهذه، لكن وجود هذه العقبات في وعي أجزاء كبيرة من المعسكرات السياسية والفكرية لدينا يشوه الأطر السياسية ويمنع، أو على الأقل يعيق، بلورة خطة سياسية معقولة من قبل اسرائيل.

العقبة الاولى هي تاريخية. والعقبة الثانية تتعلق بالاخلاق. أما العقبة الثالثة فيمكن تسميتها « مشكلة الشريك ». لذلك وكمقدمة لنقاش جوهر الخطة السياسية المعقولة من انتاج اسرائيلي، يجدر أولا محاولة اخلاء ساحة النقاش والوعي القومي البراغماتي من هذه العقبات الثلاث.

          في الجانب التاريخي لا تستجيع المبررات التاريخية أو تشويه التاريخ الغاء حقيقة أنه الآن وقبل ذلك توجد في هذه البلاد، بين النهر والبحر، أمتين، اليهودية الاسرائيلية والعربية الفلسطينية. ولا يستطيع أي تعليل تاريخي كهذا أو ذاك، قومي – علماني أو ديني من قبل واحدة من الأمتين أو كلتاهما معا، تغيير هذه الحقيقة.

          هاتان الأمتان تشكلتا هنا بالتدريج ومن خلال الصراع بينهما، على مدى الـ 150 سنة الماضية، والحل الوسط بينهما يجب أن يأتي بدون أي صلة بـ « الحقوق التاريخية » هذه أو تلك، بأقواس أو بدونها (رغم أن الرواية عن الحقوق التاريخية قد تبقى قائمة بحد ذاتها). ولكن من الواضح ايضا أن كل رواية تاريخية، ولا سيما عندما تصبح أحادية الجانب، وتناقض احيانا الحقائق التاريخية، تثير مشاكل خطيرة. على سبيل المثال، عند الحديث عنا، الأمة اليهودية في ارض اسرائيل (فلسطين) يريد اليمين المتطرف ضم السامرة بحجة الملكية التاريخية، رغم أن الحديث يدور عن مكان لم يكن في أيدي يهودية، عبرية أو اسرائيلية على مدى 2750 سنة (منذ ايام القضاء على مملكة اسرائيل الشمالية على يد آشور). هل ما فشل فيه معظم ملوك يهودا، وأسر صهيون في بابل، وملوك بيت الحشمونئيم وشروط الجليل (المقصود السيطرة على السامرة) سينجح فيه بنيامين نتنياهو والبيت اليهودي واليمين؟.

          الحقيقة هي أن التشويه التاريخي من قبل اليمين المتطرف لدينا، العلماني والديني، هو صفر قياسا بالتشويه التاريخي المبالغ فيه للفلسطينيين. فحسب اقوالهم هم أحفاد اليبوسيين والغرغشيين من قبل الاسلام، حيث أن أجداد أجدادهم عاشوا بعيدا عن شبه الجزيرة العربية. وكل ذلك في سياق أحلام خيالية حول القدس والأقصى، اللذان وُجدا دائما، وعلى ما يبدو ايضا وُجدا أيام « الملك داود »، والخيال حول الأمة الفلسطينية التي كانت موجودة هنا دائما (بدون صلة بالاحتلال العربي) وحول الدولة الفلسطينية السيادية التي احتلها الصهاينة (حسب رأي الفلسطينيين لم يسبق أن كانت هنا سيادة يهودية).

          من هنا نصل الى العقبة الثانية حول الحوار الاخلاقي الزائف الذي يسيطر على اوساط جزء كبير من معسكر اليسار في البلاد. هذه العقبة تعيق وجود خطة سياسية معقولة ومتوازنة، ايضا من قبل بعض الاوساط التي تؤيد الحل المعقول لدينا – هذا الامر يضر بنفس القدر الذي يضر به الجمود السياسي النابع من العقبة الاولى، التاريخية، التي توجد في معسكر اليمين. والقصد هو الرؤية المشوهة للصراع القومي في البلاد من وراء زجاج الموقف الاخلاقي الطاهر. في هذا المجال تجدر الاشارة أولا الى مقولة عمانوئيل كان بأن السياسة بدون اخلاق تكون قبيحة ومشوهة، لكن الاخلاق التي تدعي الطهارة بدون مراعاة الوضع السياسي والاجتماعي هي عمى – وبشكل ديالكتيكي تخطيء الاهداف. من الواضح أن قسم كبير من معسكر اليسار لدينا يتعاطى مع الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، ليس كصراع سياسي وأمني بين أمتين يجب البحث عن مخرج سياسي وأمني مستقبلي له، بل كمسألة اخلاقية خالصة (حيث أن طرفنا فيها هو المتهم الوحيد بشكل دائم). مسألة اخلاقية يجب أن نكفر بها عن اخطائنا في الوقت الذي يعتبرون فيه الفلسطينيون هم الطرف النقي والطاهر والضحية لافعالنا، الذي لا يتحمل أي مسؤولية عن الصراع وهو لم يخطيء أي اخطاء قومية متطرفة. وأضيف بأن الفلسطينيين أنفسهم، وليس فقط اليسار المتطرف عندنا، هم أبطال في هذه اللعبة الاخلاقية، حيث أنهم يشكلون رمز الطهارة ولم تكن لهم ولن تكون أي مسؤولية عن الصراع.

          لكن العقبة الحالية، الاكثر أهمية، في طريق بلورة خطة سياسية مستقلة وواقعية من قبل اسرائيل، كي تكون خطة حل وسط وتعكس ايضا المصالح القومية الخاصة بنا على المدى البعيد، هي مسألة « مشكلة الشريك ». هذه العقبة والجدل حولها تمنع في الوقت الحالي وجود خطة سياسية معقولة من قبلنا. وتأثيرها أكبر من تأثير العقبتين السابقتين: الحوار التاريخي المشوه من قبل اليمين والحوار الاخلاقي من قبل اليسار. وإذا كان الحوار الذي يعيق ما قيل سابقا يرتبط  مرة باليمين ومرة باليسار، فان الحوار حول مشكلة الشريك يجمعهما معا، كل معسكر حسب طريقته. مثلا لا يوجد شريك لنا في السلام في اوساط الفلسطينيين، ليس فقط حماس، بل ايضا قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، ليست شريكة في السلام. ويستنتج اليمين المتطرف عندنا أن اسرائيل يجب أن تضم الضفة الغربية أو اغلبيتها. مثلما قال الوزير أوري اريئيل في الآونة الاخيرة « لا يوجد لنا شريك، نحن سنبني الوطن ». والوزيرة اييلت شكيد التي قالت إنه حسب المواقف الفلسطينية « لا يجب اعادة أي اراضي للعدو ». أي أن قول « لا يوجد شريك » هو مثابة محفز من اجل السيطرة على كل الاراضي بين النهر والبحر، ويشمل ذلك ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، أو زج الفلسطينيين أكثر فأكثر في مناطق حكم ذاتي من خلال الضم الجزئي وتوسيع المستوطنات.

          في المقابل، جزء كبير في معسكر اليسار عندنا، او معسكر الوسط، يحاول الادعاء أنه رغم ذلك يوجد لنا شريك في السلام على شاكلة أبو مازن. وبهذه الطريقة يحاولون ربط وجود الخطة السياسية الاسرائيلية بالجدال حول وجود الشريك الفلسطيني في هذه الاثناء. ولكن يبدو أن اليمين محقا في هذه المسألة، في الوقت الحالي على الأقل. فبالاضافة الى التحريض ضد اليهود واسرائيل في وسائل الاعلام وفي الشبكات التعليمية الفلسطينية، وبالاضافة الى تملص أبو مازن من أي محاولة لاستئناف المفاوضات المباشرة، هناك على الاقل ثلاثة مواقف مبدئية للسلطة الفلسطينية، التي اذا لم تتغير فانها ستبعدها عن امكانية أن تكون شريكة في السلام الآن.

          الموقف الاول، القيادة الفلسطينية تعاني من انكار الواقع في كل ما يتعلق بوجود الأمتين في البلاد: غياب الرغبة لدى القيادة الفلسطينية للاعتراف بأن دولة اسرائيل هي تعبير عن حق تقرير المصير للأمة اليهودية في البلاد، الامر الذي يمنع التوصل الى انهاء الصراع (بنيامين نتنياهو كان محقا عندما قال « إنهم يريدون الاستقلال باسم حق تقرير المصير القومي دون قبول مبدأ التبادلة بخصوصنا). بالمناسبة، حتى لو بقيت أقلية يهودية في مناطق الدولة الفلسطينية المستقبلية فان ذلك لا يقلل من حق تقرير المصير للأمة الفلسطينية العربية.

          الموقف الثاني، لن تستطيع أي حكومة اسرائيلية حتى لو كانت برئاسة حزب العمل أو ميرتس القبول بمبدأ حق العودة لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين. المبدأ الذي يرفض الفلسطينيون التنازل عنه حتى الآن.

          الموقف الثالث، ليس هناك أي معنى للتوقيع على اتفاق سلام لا يعترف بنهاية الصراع، الامر الذي يشكل مفارقة بالنسبة للفلسطينيين. بلا شك، هذه ثلاث عقبات مركزية في طريق الفلسطينيين أمام الشراكة والسلام. وفي المقابل، مشكلات نزع السلاح والأمن واصلاح الحدود المتبادل وضمان الوضع الراهن للفلسطينيين والمسلمين في القدس، يمكن حلها الآن بشكل أكثر سهولة. وايضا وقف التحريض ضدنا في وسائل الاعلام وفي مناهج التعليم الفلسطينية.

          في جميع الحالات، على ضوء اللاءات الفلسطينية الثلاث، التي تشكل عقبة في طريق تحول الفلسطينيين الى شركاء حقيقيين في السلام، فان على دولة اسرائيل محاولة صياغة خطة سلام خاصة بها. وصياغة كهذه ستحسن مكانتنا الدولية، وكذلك تجاه مبادرات لجهات دولية وتنقل كرة الرفض الى الملعب الفلسطيني وتضع أمام الشعب هدفا مباشرا ومستقيما دون ازدواجية في الحديث ودون التلميح بأنه في ظل غياب الشريك يمكننا، بالتدريج أو بمرة واحدة، »ضم كل شيء« .

          التفسير أنه في المفاوضات الشرق اوسطية محظور كشف الاوراق مسبقا، لم يعد صحيحا منذ زمن، تماما مثل أن التفسير القديم حول حق اضافة المستوطنات والذي يعتبر أن ذلك سيقنع الفلسطينيين بأنهم سيخسرون المزيد بسبب التأخير.

          وماذا عن جوهر خطة السلام نفسها؟ هذا بالطبع موضوع للنقاش المنفصل. ولكن هناك أمران واضحان. فهي لا تستطيع الاستناد الى جدار الفصل الكامل بيننا وبين السلطة الفلسطينية. إن البلاد (اسرائيل/ فلسطين) صغيرة من اجل ذلك. يجب أن تكون خطة السلام الخاصة بها مقرونة بهدف كونفيدرالي وسوق مشتركة على ضفتي النهر والتعاون مع الجامعة العربية. إن تحقيق هدف كهذا للكونفيدرالية الثلاثية ممكن اليوم أكثر من السابق على خلفية انهيار سوريا والعراق. يمكن أن خطة السلام الخاصة بنا يجب أن تعتمد على هدف مستقبلي يشمل استبدال الشعار المعروف »ضفتين لنهر الاردن، هذه لنا وتلك ايضا« ، بمبدأ التعاون والتطوير: »ضفتين لنهر الاردن، هذه معنا وتلك ايضا". يمكن أن خطة السلام بين اسرائيل وفلسطين يجب أن تندمج اليوم في المستوى الاقليمي الأوسع.

كلمات دلالية