خبر المعضلة الأردنية- اسرائيل اليوم

الساعة 07:51 ص|20 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: نداف شرغاي

ما العلاقة بين المستشارين الايطاليين للحفظ الفسيفسائي، الرسام الالماني غوستاف باورنفاير من القرن التاسع عشر ودموع ألم اليهود على جبل البيت (الحرم)، مكان (الهيكل)؟ وبالفعل، فان المحور الرابط هو الاردن، الذي احتج مليكه عبدالله مرة اخرى هذا الاسبوع على « العدوانية الاسرائيلية في المسجد الاقصى، واقتحام عناصر يهودية متطرفة، الى نطاق المسجد » على حد قوله.

التفسير هو ان اللوحة التي تعود الى 130 سنة للرسالم باورنفاير تمجد احدى غرف المملكة الاردنية في عمان. فمبعوثو الحسين، والد الملك عبدالله، اشتروها قبل سنوات عديدة. وتوثق اللوحة مجموعة من اليهود في باب القطانين، احد ابواب الحرم وهم ينظرون بعيون مستطلعة الى داخل الحرم.

المستشارون الايطاليون ينتمون لعصرنا. فقد أرسلهم الملك عبدالله مؤخرا كي يرمموا الفسيفساء في قبة الصخرة. وكانت سلطة الآثار الاسرائيلية قد اوقفت قبل عدة اسابيع عملهم هناك، بشكل مؤقت، لانه تضمن نصب سقالات داخل قبة الصخرة وتم بلا ترخيص.

الضلع الثالث في حل اللغز، دموع الالم لليهود على التمييز المتواصل بحقهم في الحرم والشروط التي ترافق زياراتهم اليه، يرتبط بالاردن. فهذه الدموع – كما تبين في الاشهر الاخيرة – أثارت غضب رجال الاوقاف الاردنية في الحرم، والذين تعاظمت قوتهم في الحرم في السنوات الاخيرة. وكانت النتيجة انه لاول مرة منذ حرب الايام الستة، ابعدت الشرطة عن الحرم يهودا كل خطيئتهم كانت البكاء على وضعهم في الحرم.

          ان هذا الواقع الغريب والقاسي لا يترك القيادة الاسرائيلية غير مبالية. فرئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست آفي ديختر، وزير الامن الداخلي الاسبق، يقول انه اصطلاح « حماية الاقصى » اتسع جدا في الاونة الاخيرة، وبات المسلمون يطبقونه ليس فقط على منطقة المسجد، بل وعلى كل منطقة الحرم. ويقول ديختر ان اسرائيل « لن تسمح بهذا ».

          أما وزير شؤون القدس، زئيف الكين، فيصف أقوال الملك الاردني عبدالله بانها « ضريبة كلامية للشارع الاردني ». ويشير الكين الى أن اسرائيل تقدم تنازلات غير مسبوقة في الحرم، بما في ذلك التنازل عن احقاق حق الصلاة لليهود هناك. وهو يعيد التوتر المتجدد مع عمان في مسألة الحرم الى الاسلام المتطرف.

          ولا تختلف محافل رسمية في القدس مع الكين وديختر، ولكنها تسعى الى الاشارة الى التعقيدات الجمة في العلاقات بين اسرائيل والاردن، والى المصلحة الاسرائيلية في حمايتها من كل شر.

          وبالفعل، فان صورة العلاقات بين اسرائيل والاردن معقدة وهشة، والسلوك الاسرائيلي تجاه المصالح الاردنية في الحرم ينبع من جملة أوسع اضعاف من مسألة الحرم. فلاسرائيل اتفاق سلام مع الاردن، وهي ترى فيه وفي العلاقات مع المملكة الهاشمية ذخرا استراتيجيا، اقليميا وأمنيا. فقد أعفى السلام مع الاردن اسرائيل من الحاجة الى صيانة خط حدود طويل وخطير. كما ان الاردن يفصل بين العراق واسرائيل، وكذا بين سوريا وبين السعودية، دولة النفط الكبرى والغنية، حليفة الولايات المتحدة.

          على حدود الاردن، سواء من جهة العراق أم من جهة سوريا، يدق اليوم داعش، الذي يحاول بل واحيانا ينجح في أن يكتسب لنفسه معقلا من نطاق المملكة. وحسب منشورات أجنبية، ثمة تعاون وثيق على المستوى الامني والاستخباري بين اسرائيل والاردن. ويسمح الاردن لاسرائيل بتصدير البضائع عبر أراضيه الى دول الخليج. وهو يتعاون مع اسرائيل والسلطة الفلسطينية  في مشروع قناة البحرين الذي يفترض أن يضخ المياه من البحر الاحمر الى البيت الميت ويوازن الانخفاض السريع لمستواه. كما أن اسرائيل توفر للاردن الغاز الطبيعي بكميات كبيرة ومن المتوقع ان تربح من ذلك مليارات الشواكل.

          خطاب انتخابي؟

          في مسألة الاماكن المقدسة والحرم، الوضع معقد بقدر لا يقل: تاريخيا، خسر الاردن معركتين هامتين على الاماكن المقدسة للمسلمين. فقد خسرت الاسرة الهاشمية للسعوديين بعد الحرب العالمية الاولى دور حارس الاماكن الاسلامية المقدسة في مكة والمدينة، وكانت الترضية بالوصاية الثانوية على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس. وفي حرب الايام الستة، حين وحدت اسرائيل شطري القدس، خسرها الاردن هي ايضا. وفي اتفاق السلام الذي وقعه مع اسرائيل في 1994، استعاد الاردن نفوذا جزئيا في الحرم، أخذ فقط بالتعاظم منذئذ.

          في إطار الاتفاق، منحت اسرائيل « اولوية عليا للدور الاردني التاريخي في الحرم »، وعمليا وافقت على منحه مكانة عليا في الحرم في اطار الاتفاق الدائم الشامل.

          ويرتبط السلوك المعقد حيال الاردن ايضا بمصير النظام ذاته هناك. فسواء اسرائيل ام الولايات المتحدة تخشى على استقرار المملكة، ولا سيما على خلفية التركيبة السكانية هناك. فالبدو والعشائر الموالية للاسرة المالكة يشكلون 30 في المئة فقط من سكان الاردن، ولكنهم يشكلون العمود الفقري الامني والعسكري فيه، بينما الفلسطينيون، الذين هم الاغلبية في الاردن، فيشكلون مصدر قلق دائم. والتقدير هو أن تعزيز مكانة الاردن في دور الوصي على الاماكن الاسلامية المقدسة في القدس، يثبت حلم عبدالله. اما الهجوم المتجدد لعبدالله على اسرائيل في مسألة الحرم فينبغي تفسيره، برأي محافل سياسية في القدس، على خلفية الانتخابات للبرلمان الاردني ايضا والتي ستجرى بعد نحو شهر. وتقدر اوساط القدس بان عبدالله يحسب طريقه وتصريحاته، تمهيدا لهذه الانتخابات ايضا، ويسعى الى ان يقلص قدر الامكان تأثير الاسلام المتطرف على برلمانه.

          ان تعابير القرار الاستراتيجي الاسرائيلي لرفع مستوى قوة الاردن في الحرم بعيدة الاثر. فقد أودعت اسرائيل بيد الاردن ترميم السور الجنوبي والشرقي لنطاق الحرم، حيث ظهرت الشقوق. وهي تسلم عمليا بفيتو اردني مزدوج، سواء على تغيير جسر المغاربة فوق المبكى، أم على اخلاء نفايا البناء الحبيسة خلف الصفائح في « الحائط الصغير ». وهي تنسق بشكل غير رسمي مع الاردن في عدد اليهود المتدينين ممن يسمح بدخولهم الى الحرم، وشددت معاملتها مع الزوار اليهود الى الحرم.

          لقد سلمت اسرائيل، بل وفي فترة معينة شجعت، على الرفع الواضح لعدد رجال الاوقاف في الحرم – مئات عديدة من الموظفين اليوم. وفي اطار « تفاهمات كيري » (تشرين الاول 2015)، منحت اسرائيل لاول مرة مكانة رسمية للوضع الراهن الذي يمنع صلاة اليهود في الحرم، وجعلته من مبدأ يستهدف « الحفاظ على النظام العام ومنع العداء والشقاق بين الاديان » الى التزام دولي علني في اطار التفاهمات مع الاردن والولايات المتحدة.

 

كلمات دلالية