خبر التجرؤ على أوباما للتنافس على زعامة اليمين

الساعة 07:59 ص|15 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

انتقد كثيرون وزير الحرب « الإسرائيلي » أفيغدور ليبرمان لتجرئه على الإدارة الأميركية ومقارنة اتفاقها النووي مع إيران باتفاقية ميونيخ التي اعتبرت اتفاقية استسلام للحكم النازي.

ورأى هؤلاء في إدراج المحرقة النازية في السجال مع أميركا بشأن الاتفاق النووي مع إيران نوعاً من اتهام أميركا بالتلاعب بمصير « إسرائيل ».

وكان يمكن القفز عن هذا الكلام لو أنه لم يكن موجهاً بشكل مباشر للرئيس الأميركي براك أوباما الذي ردد كلاماً مفاده أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أيضاً فوائد الاتفاق النووي مع إيران.

وفي كل حال فإن كلام أفيغدور ليبرمان الذي صدر باسم الناطقة بلسان وزارة الحرب كان استثنائياً في حدَّته وأثار تساؤلات جوهرية حول المقصود.

وفيما رأى البعض أن هذا الكلام استمرار للصراع مع إدارة أوباما حول حجم المعونة العسكرية للسنوات المقبلة قال آخرون إن هذا تنافس داخلي إسرائيلي.

فقد فهم ليبرمان من كلام أوباما أن قائل الكلام حول جدوى الاتفاق النووي كان رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت الذي كان في زيارة لأميركا. واعتقد البعض أن ليبرمان كان يحاول رسم حدود القيادة العسكرية الإسرائيلية التي بدت في الآونة الأخيرة وكأنها تتخذ مواقف مستقلة عن السلطة السياسية في العديد من القضايا وبينها الشأن النووي الإيراني والتعامل مع السلطة الفلسطينية.

غير أن التدقيق في كل أبعاد المسألة يظهر أن ليبرمان ربما كان يبحث عن فرصة للتنافس مع زعيم الليكود بنيامين نتنياهو على زعامة اليمين.

فمنذ توليه وزارة الحرب وهو يبدو وكأنه مهادن لنتنياهو فيما يتقدم زعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، جراء صداماته المتكررة مع نتنياهو ضمن مساعيه كسب زعامة اليمين. وربما وجد ليبرمان في عودة نتنياهو إلى السكة التي وضعتها أميركا بعد طول صرع مع الرئيس أوباما نفسه فرصة لإظهار أنه ليس «رخواً» كنتنياهو وأنه يستطيع على الدوام أن يكون صاحب «القامة المنتصبة».

وفي كل حال من الواضح أن ليبرمان شعر بسرعة أن الجميع انفضّ من حوله. فأميركا ليست كأي أمر آخر في الحياة الإسرائيلية، لأنها عماد وجود هذه الحياة إلى جانب الجيش. وليس صدفة أن يهرع نتنياهو للتنصل من كلام ليبرمان وأن يعمد الجيش إلى أن يأخذ مسافة بعيدة عن ليبرمان. وهذ ما سهّل إصدار وزارة الحرب بلاغاً ثانياً تراجعت فيه عن البلاغ الأول وشددت فيه على أهمية الاتفاق النووي، رغم بعض الثغرات فيه والخلافات مع أميركا بشأنها.

ويعتقد خبراء سياسيون في إسرائيل أن بلاغ ليبرمان وقبله مواقف نتنياهو تعزز الميل الذي يزداد اتساعاً في أميركا، والقائل بأن إسرائيل ناكرة للجميل مهما فعلت أميركا من أجلها.

فإذا كان وزير الحرب يتلقّى مطلع كل شهر مساعدة أميركية على الأقل بقيمة ربع مليار دولار يتجرأ ويتحدّى الإدارة الأميركية حتى وهو يتفاوض معها من أجل الاتفاق على المعونة للعقد المقبل، فماذا يمكن أن تنتظر من الآخرين.

ويرى هؤلاء أن إسرائيل هي الخاسرة في نهاية المطاف لأن ما تتصرّف به إدارة أوباما حتى الآن يبين أنها لا تغفر ولا تنسى.

ويقول الخبراء إن إدارة أوبما كانت على استعداد لمنح إسرائيل تعويضات طائلة عن الاتفاق النووي مع إيران لو وافقت حكومتها على تسهيل تمرير الاتفاق أثناء التفاوض بشأنه. ولكن هذه الإدارة نفسها تجدُ نفسها اليوم في حلّ من ذلك بعدما طوّعت وهزمت أنصار إسرائيل الجمهوريين في الكونغرس وصار بوسعها أن تفرض شروطها على إسرائيل.

وقبل شهور قصيرة ورغم الشراكة بين نتنياهو ووزير الحرب السابق إيهود باراك في كل ما يتصل بالموقف من الاتفاق النووي مع إيران، إلا أن الأخير أعلن سياسة نتنياهو تجاه إيران كانت فاشلة جداً.

وثمة إيحاءات بأن أوباما كان على استعداد لمنح إسرائيل 45 مليار دولار في العقد المقبل وليس أكثر بقليل من 30 مليار دولار مثلما يجري الحديث الآن. وهذا يعني أن سياسة نتنياهو وصراعه مع الإدارة الأميركية كلفت إسرائيل ما بين 7-10 مليارات دولار. ولكن ما هو أهم من ذلك أن نتنياهو خسر تعاطف ورضى المؤسسة العسكرية التي تدرك أهمية الموقف الأميركي ليس فقط له وإنما أيضاً للصناعات العسكرية الإسرائيلية التي تشكل القاطرة الأهم للاقتصاد الإسرائيلي عموماً.

وهكذا وخلال شهور قليلة من المفاوضات صار نتنياهو أكثر تقبّلاً للشروط الأميركية والأهم أكثر التزاماً للصمت.

ويبدو أن وزير حربه لم يتعلّم مما جرى مع نتنياهو، ولذلك أقدم على الفعلة التي ينتقدها حتى أقرب المقرّبين منه. وهذا ما يدفع الكثير في إسرائيل إلى الإيمان بأن نتنياهو أولاً وبعده وزير دفاعه أفيغدور ليبرمان ميالان ليس لأكل العنب وإنما لقتل الناطور.

وهنا تكمن الكارثة في نظر مَن طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق قانونية لمنع تكرار حوادث بالغة الأثر كهذه ليس فقط على أمن الاحتلال العام وإنما أيضاً على اقتصادها.

وعموماً، ورغم تراجع ليبرمان ليس ثمة ما يمنع تكرار المواقف الإسرائيلية هذه والصدامات مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.

فالبعض في إسرائيل لا يرى سبيلاً لإظهار قوته في العالم إلا عبر التجرؤ على أميركا. وأميركا كما هو واضح حتى الآن تناور، لكنها في كل الأحوال لا تزال تمنح إسرائيل ما هو أكثر من مقوّمات بقائها.

كلمات دلالية