خبر الدولاب في حلب يدور على اصحابه -هآرتس

الساعة 11:00 ص|11 أغسطس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: تسفي برئيل

(المضمون: تشير الساحة في حلب على تغيير استراتيجي آخر في فهم طبيعية القتال في سوريا. فاذا كانت « دعيت » القوى العظمى للتدخل كي تساعد منظمات الثوار والنظام السوري ميليشياتها « الخاصة بها »، يبدو الان ان الترتيب انقلب واصبحت بنفسها متعلقة بالانتصارات – أو الخسائر – للميليشيات « خاصتها » على الارض - المصدر).

 

في غضون عشر دقائق خرب أمس احد الاسواق الرئيسة في مدينة ادلب في سوريا. سلسلة من أعمال القصف التي قام بها سلاح جو الرئيس بشار الاسد في هذه الفترة الزمنية القصيرة خلفت 20 قتيلا على الاقل وعشرات الجرحى الاخرين، دكاكين احترقت ومساكن هدمت.لم يكن هذا قصفا استراتيجيا هدفه فتح محور او توجيه ضربة شديدة لقوات الثوار التي تسيطر في اجزاء واسعة من المدينة ومحيطها. يبدو أنه جاء اساسا ليشوش الانعطافة الاستراتيجية التي وقعت في اليومين الاخيرين في مدينة حلب، والتي حولت القوات السورية فيها من قوة هجومية تحاصر المدينة الى قوة توجد تحت حصار الميليشيات.

 

قوة جيش الفتح، التي تجمع مجموعة من الميليشيات مع قوة كبيرة من جبهة فتح الشام (الاسم الجديد لجبهة النصرة)، نجحت ليس فقط في فتح عدة محاورة مركزية في طريق الطوق الذي يحيط بحلب – بل سيطرت ايضا على عدة قواعد هامة في جنوب غرب المدينة، وكليتين عسكريتين

 

تمركزت فيهما قوات سورية كبيرة. وكنتيجة لذلك، فان القوة السورية التي كانت في هاتين القاعدتين انسحبت وقوة سورية اخرى توجد في مركز المدينة، تعيش الان في حصار ودون اتصال بقسم من القوات في الخطوط الخلفية. واذا كان يخيل في الاسبوع الماضي بان المعركة على حلب توشك على الحسم العسكري في صالح الجيش السوري وشركائه الايرانيين، الروس وقوات حزب الله، والتي تعززت ببضع مئات اخرى من المقاتلين، فقد تغير وجه الساحة هذا الاسبوع. ومع ذلك، لا يزال من السابق لاوانه القول اذا كان ممكنا تحقيق حسم عسكري لاحد الطرفين.

 

لقد كان الانتصار السوري في حلب ولا يزال حيويا ليس فقط من ناحية معنوية، بل وايضا ليشكل رافعة لاستئناف المفاوضات السياسية. فقد أملت سوريا وروسيا بان يمنحهما الانتصار موقف قوة لاملاء شروطهما. اما الان فيبدو ان المدينة، التي يحاصر فيها نحو 300 الف مواطن، ستبقى ساحة استنزاف مستمرة، حتى لو صعدت روسيا هجماتها. إذ أن المدينة، الثانية في حجمها في سوريا، لا يمكن للقتال من الجو أن يحسم فيها الخطوات العسكرية، ولا سيما عندما تكون قوات الثوار تتواجد في قلب الاحياء السكنية.

 

يبدو أن التدخل العسكري لروسيا في حلب – التي اعلنت في شهر اذار عن سحب قواتها « لان كل الاهداف تحققت » – أخذ في التعاظم فقط. ويشكل التدخل لبوتين تحديا مركبا. فروسيا تدير عمليا الاستراتيجية السورية، وبعد أن دحرت ايران عن موقع الحسم في الخطوات العسكرية، فان روسيا ملزمة بان تحقق الانتصارات على الارض، والتي يمكنها أن تقيم عليها تنفيذ خطتها السياسية لمستقبل سوريا. ومثل هذه الانجازات حيوية على نحو خاص بعد أن حطمت روسيا الاتفاقات السابقة التي كانت لها مع الولايات المتحدة، بدء باتفاق وقف النار الذي وقع في شباط وانهار في غضون وقت قصير، وحتى التوافقات في شهر تموز والتي بموجبها تمتنع روسيا عن الهجوم على قواعد الثوار وتركز على مهاجمة داعش وجبهة فتح الشام.

 

يبدو الان أنه دون اعلان رسمي، تترك الولايات المتحدة لروسيا الغرق في الوحل السوري وتكتفي بممارسة الضغوط للسماح بمعبر للمساعدات الانسانية للمحاصرين في حلب وفي مدن اخرى. مشكوك ان تكون واشنطن قلقة ايضا من استئناف العلاقات بين تركيا وروسيا ولقاء القمة الذي عقد هذا الاسبوع بين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان، والذي ولد هيئة تنسيق عسكري، استخباري وسياسي.

 

لا تزال بين روسيا وتركيا فجوة كبيرة في المواقف من الاسد وبالنسبة للحل المرغوب فيه في سوريا، ناهيك عن ان روسيا تواصل مساعدة الاكراد السوريين، الذي تعتبرهم تركيا منظمة ارهاب. فضلا عن ذلك، فان تركيا هي عضو في الناتو وهذا الاطار أهم لها من كل حلف عسكري مع روسيا، التي حتى في أفضل الازمنة تعتبر « دولة مشبوهة » في تركيا.

 

في ساحة القتال السورية ايضا توجد خلافات بين الدولتين. فقد طلب تركيا من روسيا الا تهاجم قواعد الثوار بمن فيهم جبهة فتح الشام بدعوى ان قوات هذه الميليشيا تلتصق جغرافيا بقواعد قوات الثوار « الشرعيين ». اما روسيا بالمقابل فتستغل هذا القرب كي تقصف قواعد الثوار بحجة انها تهاجم « حسب المتفق عليه » قواعد منظمات الارهاب.

 

تشير الساحة في حلب على تغيير استراتيجي آخر في فهم طبيعية القتال في سوريا. فاذا كانت في بداية الطريق « دعيت » القوى العظمى للتدخل كي تساعد منظمات الثوار والنظام السوري، لدرجة انه كان لكل قوة عظمى غربية ولجزء من الدول العربية ميليشيات « خاصة بها »، مجموعات من المقاتلين السوريين الممولة من هذه الدول، والتي قاتلت كفروع لاصحاب المصالح الخارجية، يبدو الان ان الترتيب انقلب. روسيا، الولايات المتحدة، ايران، تركيا والسعودية، اصبحت بنفسها متعلقة بالانتصارات – أو الخسائر – للميليشيات « خاصتها » على الارض. ويتسبب هذا التعلق في أن تكون هذه الدول غير قادرة على الكف عن مساعدة الميليشيات بسبب المنافسة فيما بينها، ولكن في نفس الوقت تجد صعوبة في أن تملي عليها طرق عمل عسكرية، او السيطرة على فكرها السياسي بالنسبة لمستقبل سوريا. هذا ليس السيناريو الذي تصورته لنفسها القوى العظمى قبل نحو سنة فقط، عندما بدأت روسيا بتدخلها العسكري النشط في الدولة.

كلمات دلالية